تراجع القدرة الشرائية يخنق المواطن الجزائري

تراجع القدرة الشرائية يخنق المواطن الجزائري

02 يونيو 2020
ارتفاع أسعار الوقود ينسحب على الكثير من السلع(بلال بنسالم/Getty)
+ الخط -
عرفت القدرة الشرائية للمواطن الجزائري تراجعاً خلال الأشهر الأخيرة، ويتوقع متابعون أن تزيد سوءاً مع رفع أسعار الوقود ما سيؤدي إلى ازدياد كلفة النقل وأسعار الخضر والفواكه وغيرها من السلع. وأمام تراجع سعر الدينار وتداعيات الأزمة الصحية لفيروس كورونا الذي عطل نشاط آلاف المستخدمين، يتصاعد القلق لدى المواطنين.

وقال الأستاذ في جامعة الاقتصاد في البليدة، فارس مسدور لـ"العربي الجديد" إن الجزائر لم تصل بعد إلى المستوى العادل للحد الأدنى للأجور أو الأجر المتوسط الذي يسمح بتطوير القدرة الشرائية للمواطن، وخصوصا أن الممارسات الاحتكارية ما زالت متواصلة، ناهيك عن انهيار أسعار النفط، والأزمة الصحية، بالإضافة إلى المعطيات المتعلقة بالسوق الموازية التي تسيطر على 50 في المائة من الاقتصاد.

وذكر أن المعطيات المتعلقة بقيمة العملة الوطنية تؤثر هي الأخرى في القدرة الشرائية، إذ تعتمد الجزائر أربعة أسعار لصرف العملة، سعران في السوق الموازية وسعران في السوق الرسمية. كما أن السوق الرسمية لا تعكس القيمة الحقيقية للدينار.

وأشار مسدور إلى أنه من بين الأسباب المؤثرة في تراجع القدرة الشرائية إلى مستويات دنيا هو أن نسبة التضخم المعلن عنها ليست حقيقية "لأنه بالبحث في التضخم القطاعي نجد أن سوق المواد ذات الاستهلاك الواسع نسبة التضخم كبيرة جدا". 

واعتبر الأستاذ في الاقتصاد أن الجزائر تحصي أربع طبقات في المجتمع هي الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والفقيرة والأشد فقرا، وأن ظاهرة الفقر غير منضبطة نظرا لكون المناطق الجغرافية تؤثر في توسيع وتضييق بؤر الفقر. ولفت إلى أن متوسط الأجر الذي يسد احتياجات المواطن في الظرف الراهن مع التطورات الاقتصادية والصحية يجب ألا يقل عن 38 ألف دينار على أن ينسحب على باقي الأجور.

وقال القيادي في حزب العمال رمضان تعزيبت لـ"العربي الجديد" إن الدراسات التي قامت بها النقابات المستقلة والمركزية النقابية والديوان الوطني للإحصاء، قدرت الحد الأدنى للراتب الذي دونه يصبح صاحبه تحت عتبة الفقر في حدود 50 ألفاً إلى 60 ألف دينار، فيما تسجل الجزائر ما لا يقل على 60 في المائة من العمال يتقاضون أقل من 30 ألف دينار، مع إحصاء مئات الآلاف يتقاضون رواتب دون 18 ألف دينار وهو الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون.

وزيادة إلى الفئات الهشة المقدر عددها بخمسة ملايين عامل في السوق السوداء، ونسبة البطالة التي تفوق 15 في المائة، لفت تعزيبت إلى ظهور فئة جديدة هي العمال الفقراء الذين يعملون في الوظيفة العمومية أو في القطاع الاقتصادي العمومي والخاص والمصرحين للضمان الاجتماعي من الذين يعيشون في ظروف سيئة. 
وشرح سليم بن موسى وهو بائع مواد غذائية في مدينة الدويرة غرب العاصمة أن زبائنه التقليديين قلصوا من مصاريفهم وتخلوا عما يعتقدون أنها كماليات، وأصبح اقتناؤهم لحاجياتهم يقتصر على الحبوب الجافة منذ آخر أسبوع لرمضان، بل إن بعضهم عاد إلى الاقتناء مقابل تأجيل التسديد، و"لم يعد هذا العمل يدر الكثير، فالمواطنون عادوا إلى الاستدانة لأنهم لا يملكون مداخيل، لذلك لجأت لفتح سجل لعدد من العائلات التي أعلم حقيقة وضعها. هناك عائلات لم تسدد دينارا منذ بداية شهر رمضان".

ويعمل عبد الرحمن في بيع مواد التجميل، هو أيضا تغيرت عادات زبائنه فمن كان يقتني ماركات للغسول والصابون ومواد الاستحمام وأدوية الحفاظ على البشرة يكتفي اليوم بغسول محلي، وعلق عبد الرحمن قائلاً إن "كورونا خلفت تراجعا في مداخيل المواطنين فأغلبهم من دون عمل، نحن لا نعلم أي مصير ينتظر هؤلاء مع إعلان ضرائب جديدة وزيادات محدودة في الأجور قد لا تطبقها كل المؤسسات".

وجاءت قوانين المالية لسنوات 2016 إلى غاية 2020 تقشفية بامتياز، وارتفعت أسعار الوقود بحوالي 85% قبل الزيادة المقترحة في قانون المالية التكميلي للعام الحالي. وأشار النقابي تعزيبت إلى أن تجميد التوظيف والرواتب ساهم في تدهور المستوى المعيشي للعمال وعائلاتهم، كما أن تعليق المشاريع التنموية نتج عنه إفلاس مؤسسات وتسريح آلاف العمال مما زاد من حدة البطالة.

ولم تترافق الزيادات في الأسعار مع ارتفاع في المعاشات بل عرفت تقهقرا كبيرا، واعتبر تعزيبت أن الزيادة الأخيرة للحد الأدنى للراتب المضمون المقدرة بألفي دينار لن يكون لها أي تأثير إيجابي على القدرة الشرائية بعد الزيادات في سعر الوقود والإتاوات الأخرى التي سجلها قانون المالية التكميلي لسنة 2020.

كما أن التخفيض المقترح في الضريبة على الدخل الإجمالي لمن يقبض راتبا بأقل من 30 ألف دينار لم تعالج مسألة القدرة الشرائية التي أصبحت الشبح رقم واحد بالنسبة للملايين من المواطنين.

المساهمون