حفتر يدمّر مستقبل ليبيا

حفتر يدمّر مستقبل ليبيا

21 فبراير 2020
مواطنو ليبيا واقتصادها الخاسر الأكبر من حروب حفتر (الأناضول)
+ الخط -

لنتخيل معاً حال الاقتصاد والمواطن الليبيَين على مدى السنوات التسع الماضية في حال عدم ظهور ثورة مضادة، أو عودة اللواء المتقاعد خليفة حفتر للمشهد العام وما سبّبه من خراب للبلاد واقتتال داخلي وحالة انقسام حادة، وبدون تدخل خارجي في شؤون ليبيا من قبل أطراف إقليمية ودولية عدة تسعى جميعها إلى السيطرة على ثروات البلاد النفطية وغيرها، ضاربة بعرض الحائط أحلام الشعب في أن يعيش في أمان وكرامة وفي مستوى أفضل وبلا استبداد.

في 17 فبراير 2011، نجحت ثورة شعبية سلمية في الإطاحة بواحد من أكبر المستبدين العرب هو معمر القذافي، وذلك بعد مقاومة منه امتدت لنحو 8 شهور قام خلالها بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وقتل المئات منهم، وحصار المناطق الثائرة ومنها بنغازي التي انطلقت منها الثورة، ومصراتة والزنتان والزاوية.

وعقب نجاح ثورته تطلع الشعب الليبي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية ودولة القانون وطيً فترة الحاكم المستبد، وهي القيم التي فقدها طوال فترة حكم القذافي التي زادت عن 40 سنة.

كما تطلع إلى الاستفادة من ثروات بلاده الهائلة سواء النفطية والتعدينية أو الثروات المستقبلية التي لا تزال تحت الأرض، خاصة وأن الدراسات تؤكد أن شواطئ ليبيا تعوم على بحار من الغاز قد تفوق كمياتها إنتاج أكبر الحقول المكتشفة في منطقة شرق الشرق الأوسط.

وزاد من تطلعات الشعب أن ليبيا ما بعد سقوط القذافي كانت تمتلك الفرصة كاملة للتحول إلى واحدة من أقوى اقتصاديات دول المنطقة، فليبيا واحدة من أبرز الدول المصدرة للنفط في العالم، وتمتلك ثروات هائلة من الطاقة.

وليبيا ما بعد 2011 ورثت احتياطيات نقدية دولية كانت تقدر قيمتها بأكثر من 137 مليار دولار، ورغم أن القذافي باع نحو 20% من احتياطي البلاد من الذهب، قبل سقوطه مباشرة لتمويل حربه الشرسة ضد الثورة وأبناء وطنه، إلا أن زيادة أسعار النفط في ذلك الوقت عوضت هذه الخسارة.

وليبيا لديها آثار رومانية وإغريقية وشواطئ طويلة على البحر المتوسط، تؤهلها لأن تكون واحدة من أعلى الدول جذبا للسياحة في العالم خاصة السياحة الأوروبية.

لكنّ أطرافاً خارجية وداخلية لم يرقها تمتع الشعب الليبي بثروات وخيرات بلاده، ومن هنا تحالفت هذه الأطراف مع الثورات المضادة التي خصصت مليارات الدولارات لوأد ثورات الربيع العربي ومنها الثورة الليبية وإجهاض أحلام الشعوب في التمتع بالحرية.

ليبيا الآن على وشك الانهيار المالي والاقتصادي وربما الإفلاس في ظل تهاوي صادرات النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، من 1.6 مليون برميل يوميا إلى 135 ألف برميل فقط بسبب قيام حفتر والقوات الداعمة له في شرق البلاد بإغلاق موانئ إنتاج النفط الرئيسية، خاصة منطقة الهلال النفطي التي تنتج نحو 70% من الإنتاج النفطي للبلاد، وكذا تعطيل الصادرات النفطية.

كما أضاع الفرقاء السياسيين ثروات البلاد على الاقتتال والتناحر الداخلي، ومن آن لأخر يشعل حفتر وقود الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس، ويوجه مليارات الدولارات من أموال النفط والشعب الليبي لشراء السلاح الذي يقصف به المواطنين.

والخاسر الوحيد هنا من استمرار الحرب الأهلية الطاحنة ليس حفتر وقواته، بل المواطن الليبي الذي يجد نفسه أمام قفزات في الأسعار، وتردٍ في الخدمات الصحية والتعليمية، وتدهور في البنية التحتية من طرق وشبكات مياه وكهرباء، والأخطر ضياع بلده ومستقبله.

المساهمون