مؤتمر قصيدة النثر المصرية: شوهد من قبل

23 ديسمبر 2014
فان أوستزانن / هولندا
+ الخط -

بعيداً عن موقف المؤسسة الثقافية المصرية، السلبي منها؛ تمشي قصيدة النثر بحذر على أطراف أصابعها، في مشهد شعري تتعاقب عليه العقود - التي تسمى في مصر أجيالاً - برؤى وفضاءات تتعثر في قوالب جمالية مستهلكة تارة، أو تخوض حروباً في محاولة لنيل اعتراف رسمي بوجودها تارة أخرى.

ورغم أن عمرها الآن يقارب الستة عقود، إلا أن قصيدة النثر في مصر ما زالت تحاول أن نيل اعتراف من المؤسسة الرسمية، ومواجهة ممثليها لا سيما أحمد عبد المعطي حجازي. فالأخير جعل من نفسه متراساً ضد قصيدة النثر، "القصيدة الخرساء" بتعبيره، والتي تمّم جهوده النقدية في "التصدي" لها، بإقصاء هذه القصيدة من جنّة لجنة الشعر التي يترأسها.

وقد رد بعض الشعراء شرعية لهذه القصيدة، استبعاد شعراء قصيدة النثر من مؤتمر الشعر الرسمي الذي نظمه حجازي وجماعته عام 2008؛ بإقامة ملتقى عربي لها في القاهرة في العام نفسه. لكن "الملتقى الأول لقصيدة النثر"، الذي عُقد في نقابة الصحافيين، خرج مخيباً للظن ومليئاً بالمشكلات التنظيمية.

ومع حلول موعد الملتقى الثاني عام 2009، راحت تظهر الانقسامات بين المنظمين، فانشق الشاعر صبحي موسى، وعقد ملتقى بديلاً للأول في اتحاد الكتاب. لكن، في النهاية، لم يكتب لأي من المتلقيين الاستمرار.

وإذا كانت هذه هي خلفية أي عمل "جماعي" متعلق بقصيدة النثر في مصر، فلا عجب أن يقابل "مؤتمر قصيدة النثر المصرية"، الذي انطلقت فعالياته أول من أمس واختتم اليوم في "أتيليه القاهرة" وسط المدينة، بشيء من الفتور، والكثير من التشكك بل وحتى التهكم.

رغم ذلك، يبدو منسّق المؤتمر، عادل جلال، طموحاً في تصوره حول مصير هذه الفعالية في المستقبل، إذ يقول في حديث لـ"العربي الجديد" إنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، مقارنة هذا الملتقى بالمؤتمرات الأولى "لأنها كانت رد فعل على المؤسسة ببساطة، ولم تكن نتاج فكر مستقل، فكان من الطبيعي أن تكون أعمالاً للبروباغندا لا أكثر".

ويضيف جلال أن هذا المؤتمر "يأتي برعاية المشاركين أنفسهم بالتعاون مع "أتيليه القاهرة"، بعيداً عن السلطة الرسمية. وقد تم تحديد معايير له، وهي تقديم قصيدة النثر في تنوعها المدهش وامتدادها على مستوى مصر دون إقصاء أو أحكام قيمية".

بعد انتهاء اليوم الأول من الفعالية، بدا عادل جلال راضياً عن الصورة التي خرجت بها، بل وأكّد أن "نجاحها أمر سابق على بدء نشاطاتها"، وذلك من خلال "ظهور زملاء وزميلات من المشاركين على درجة مدهشة من الإبداع". وأشار جلال إلى أن "هذا النجاح يعني أن المؤتمر بدأ دعم مسار هذه القصيدة محلياً"، مضيفاً أنه "ستكون هناك مرحلة مقبلة يقوم فيها المؤتمر بالتواصل عالمياً".

هذا النجاح، في رأي منسق المؤتمر، دعا القائمين عليه إلى "تخطيط مستقبلي لهذه الفعالية يصل حتى عام 2018، كما قررنا زيادة عدد الشعراء المشاركين بدءاً من العام القادم، ليصبح 30 بدلاً من 25 كما كان مخططاً من قبل".

وحول الأنطولوجيا الشعرية "ينابيع ترسم نهراً"، التي يرافق صدورها المؤتمر، ومعايير اختيار نصوصها وإخراجها، يقول عادل: "لا إقصاء ولا أحكام قيمة في الأنطولوجيا. لكل منّا نصّه وتصوراته وجمالياته، ولا يحق لأحد فرض وصاية على أحد. طباعة الكتاب كانت مكلفة جداً، لكن الشعراء أنفسهم تكفلوا نفقاته بمبلغ بالكاد غطى الكلفة المطلوبة".

على الجانب الآخر، هاجم الشاعر كريم سامي المؤتمر بضراوة، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن فكرة تنظيم مؤتمر لقصيدة النثر "لا محل لها من الإعراب، لأنني لا أتخيل أن شاعر النثر ينتظر دوره في أمسيه يشارك فيها أكثر من 5 شعراء، كما أن آليات اختيار الشعراء غير معروفة". وإضافة إلى تعليقه على تكرار بعض الأسماء في هذا المؤتمر، أشار سامي إلى أن "قصيدة النثر تحتاج إلى التأمل، وليس إلى إلقائها في مؤتمر. الإلقاء يليق بشعر العامية".

ويضيف سامي: "ما هي أهمية المؤتمر؟ ماذا سيضيف لمنجز قصيدة النثر أو للشعراء المشاركين؟"، ويختم كلامه ساخراً: "لا ينقص هذا الحدث إلا توزيع كؤوس أحسن شاعر وكأس الشعر النظيف".

مرة أخرى، إذاً، تواجه قصيدة النثر مصيراً ملتبساً في مصر؛ فلا هي استطاعت أن تنال الاعتراف الرسمي، ولا هي قادرة على خلق حدث سنوي يجمع المهتمين بها تحت مظلته، وسط مشهد شعري يحتفي بقصيدة اللحظة الوطنية الراهنة باللهجة العامية بعد ثورة 25 يناير، في ظل حضور ضعيف لتجارب نثر باهتة.

ربما تكون هذه التجارب، في حد ذاتها، سبباً لأزمة قصيدة النثر الحالية، في وقت تبقى فيه التجارب المتميزة والمتفرّدة بعيدة وربما حريصة على الابتعاد عن مثل هذه الفعاليات. هكذا، لا يمكن وصف ما أنجزه "مؤتمر قصيدة النثر المصرية"، في دورته هذه، إلا بأنه شوهد من قبل.

المساهمون