في الدفاع عن الرجال... الجنس المهزوم!

24 سبتمبر 2017
عمل لبول جاكسون (Getty)
+ الخط -

كانت أمنية طفولية، ولا تزال، أن أحصل على قبعة الإخفاء، فأتمكن من وجودي الكامل بين البشر، أنظر في عيونهم، أيديهم، أرجلهم، أتابع أصواتهم ولغة جسدهم، وأحاديثهم، وتقلبات وجوههم، كما أشتهي. كان لدي حلم مكرر أن أطير، فأصحو لأستحضر الحلم طيلة أيام لاحقة، وكلما أطال عني غيابه.

حلم يقظة
كان لدي حلم يقظة ألا يكون لي جنوسة محددة!، بل جندرية مموهة لا تُثير حفيظة أحد، فأتابع الحياة بلا ضغينة، مع الرجال والنساء وجدران المدن والبارات والأرصفة..

لم أفكر يوماً أن أكون رجلاً لقلقي من قسوة ما تراه هذه الهوية الجندرية، وأتصور إن فتحت بوابة حلم يقظة ودخلت، وفيه كنت رجلاً، ربما سأكون مثلي الجنس ومدمناً على الأحلام والكحول والشعر والعلاقات الرجولية الفاشلة والبكاء.. هذا كله لن يصنع من الرجل/ الحلم جندياً جيداً، أعتقد.. وهذا حديث آخر.

عودة لحلم يقظةٍ غير شائك
ماذا لو كنت رجلاً متبايناً - لست مثلياً - وهذا الرجل الحلم لن يكون مدمن كحول أو شاعراً، بل مجرد بشري لا يرغب بالموت ولا أن يكون قاتلاً. رجل يرغب في عائلة ولا يعجز عن دوره بحماية أسرته أو استقرارهم، أو بإطعامهم، بألا يفشل أن يكون رجلاً.

لم أرغب يوماً أن أكون بهوية جندرية كرجل في أوقات السلم: الرجل الذي يقع عليه الهطل الأكبر من القمع تحت سماء الأنظمة القمعية الراعدة والممطرة خراءً إنسانياً في هذا الشرق العظيم. فرض عليه دور حماية (الضلع القاصر) لكن بعد أن سلبت منه أسلحته كلها، لمصلحته وحمايته، وأبقوا على عضوه الجنسي فقط/ قضيب وردود أفعال وانفعالات.


رجل لا يكاد يملك قوت يومه، تسكنه أوهام الأعداء الذين سيقتلونه من الخارج والمتواطئون ضده في الداخل. الأنظمة يمكن أن تنقلب عليك لخطأ لا يعرفه بسبب مجهول، كل الآخرين هم في السلطة التي تعلوه.

حالة ذهنية بالفقر، حالة ذهنية بالعمر، حالة ذهنية بعداء الآخر، حالة ذهنية بالخطر والطارئ.. كل هذا الرجل تقع عليه مسؤولية حماية ضلعه القاصر، والعناية بها.

مساكين الرجال
التحرّش بالبنات واغتصاب الآنسات كان أكبر جريمة نتحدث عنها - همساً -، ونأمل ألا تقترب منا كثيراً فنسمع عنها من بعيد قبل الحرب، حالات فردية بعيدة وغامضة لا تحدث لنا. لكن التحرش بالصبيان يصيب النقطة العمياء من عقولنا.

البنت تبقى في المنزل على الأقل حتى السادسة عشرة، لذلك فإن المتحرشين بها سيكونون من العائلة أو من أصدقاء العائلة المقربين. بينما الصبي يذهب إلى الدكان والفرن المزدحم والحلاق، الصبي الذي إن تم التحرش به لن يتكلم. يجب أن يمسك أخته من يدها عندما يذهبان للمدرسة. وعليه أن يحمي شرفها من أعين الجيران وأصدقائه بينما تغتصبه صديقة والدته في أول مراهقته!.

لكن في شرقنا هذا من القصص المحببة عند الرجال، قليلون يخبرون عن القلق والضغط اللذين تعرضوا لهما في تلك اللحظات، شعورهم بالضعف واللاحول واللا قوة أمام الاعتداء..

أما داخل الأوقات المتفجرة كالحروب وفي لحظات القلق البشري، كما عند الانهيار الاقتصادي، فأشفق فعلاً على ذكور الجنس البشري. إنها لهوية جندرية حزينة في هذه الأوقات.

الكل خائف على سلامة النساء والأطفال. الفيديوهات المسربة عن قتل الأطفال أو تسليحهم كأطفال حرب، السبايا من النساء والبنات الصغيرات، فيديوهات لإعدامات شنيعة للمثليين الجنسيين. المتهم دائماً يكون رجلاً، أو كتيبة من الرجال. فنكره هذه الجهة القضيبية الدينية لصالح تلك الجهة القضيبية السياسية التي تدعي العلمانية، ونكره الفصيل الأكثر أو الأقل قضيبية من الأبعد قضيبية!

كل الأطراف الأيديولوجية المتطرفة هي المسؤولة، بل ومطلوبة جداً، لصناعة حرب على مستوى المؤسسات التجارية العملاقة ومنظماتها اللا إنسانية (فلنقل مثلاً: الأمم المتحدة، مكتب العلاقات العامة والموارد البشرية لفيدرالية الشركات العملاقة التي تتحكم بتحريك رؤوس أموال العالم وأسواقه) وهي نفسها المنظمات التي تدعم كثيراً من الحركات النسوانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأحياناً الحركات النسوانية للطرفين المتحاربين، لحماية النساء والأطفال والجنس الثالث بتنويعاته كلها.

لكن هل يملك الرجال حق الحماية؟ حق رفض العنف مثلاً؟ الحق برفض حمل السلاح؟ ألا يقوى ذهنياً على حمل السلاح لأنه عاطفياً لا يستطيع مواجهة العنف؟

إنهم مكشوفون أمام القباحة. وعند كل خبر عن حالة اغتصاب قام بها شخص أو مجموعة، أحزن على كل الرجال الذين لم يأخذوا هذا القرار بالعنف ضد العنف. ليس لأنهم أقل رجالاً من ذلك المغتصب، لكنهم أكثر إنسانية بكثير. لكننا سنتّهم كل (الرجال الآخرين) بتهمة الانفعالية والجنسانية العالية والعنف.

النبوءة التي ستتحقق ذاتياً كل مرة!
لكننا نحن من نشجع رجلنا - الابن والمحبوب - أن يكون "عرصاً" كصبغة مقبولة، بل مرغوبة، لتعدد تجاربه الجنسية. وقبلها، أخبرناه طويلاً أن الرجال لا يبكون، أو يبكون إن كانوا كباراً وعاطفيين فقط، أو فنانين ومجانين! وكأن الصورة النمطية التي نتهم المجتمع بسجننا نحن النساء داخلها تعيد منظماتنا خلقها سجناً للرجال.

العلم يقول إن آلية تعبيرهم عن مشاعرهم تختلف من دون مفاضلة أيهما أفضل أو أسوأ. وطريقة استيعابهم المعلومات الذهنية والعاطفية تختلف، من دون مفاضلة كذلك، وطرقهم في الحياة تختلف، ومن دون مفاضلة.

وكل هذا لا علاقة له بعلم رجل الكهف الذي يصيد والمرأة الكهف التي تطبخ. الفكرة النمطية الأكثر حماقة على الإطلاق، والتي تؤسس أن عقلنا البشري لم يتطور منذ تلك اللحظة بل هي أساس في حمضنا النووي، حتى إن المعلومة خاطئة في بعض المناطق الجغرافية.

وقبلها، منعنا ألعابهم المحشوة بأشكال دببة وكلاب صغيرة، وأهديناهم شاحنات وطائرات ومسدسات لرش الماء. قبلها، ألبسناهم الأزرق وتركنا الزهري للبنوتات: السكاكر التي نحب صورهن، داخل فساتين راقصة باليه بشرائط حمراء.

لقد نجا كثير منهم من سجن عقولنا المحددة ووقع كثير في هذه النمطية. لكن الذين اعتمدوا العنف بحماسة هم قلة. حتى وقت الحرب. ولم نشكر أياً منهم لأنه لم يقم بالفعل الخاطئ، بل وبّخناهم جميعا - هم الرجال.

كما حدث منذ بضعة أشهر على مواقع التواصل عندما هدد شابٌ من المعارضة في تركيا، فتاة قامت برفع علم النظام، هددها بالاغتصاب!. وكانت ردة فعل رئيسة من رئيسات النساء، وهي ما ولد إنتاج هذه المقالة، بأنهم الرجال المساكين، إنه ما نشأ رجالنا عليه في شرقنا. لكن كثيرين ولدوا ونشأوا في نفس المكان لنفس البيئة الاجتماعية والذهنية ولم يقم بهذا الفعل، العنف اللفظي والتهديد، كثيرين!

مساكين هم الرجال
ما بعد زمن الحرب مقلق أيضاً، إذ انتهت الحرب بأفعالها لا تنتهي بانتهاء المعارك بل إن القضيبية - القمع القضيبي المتعالي والموتور والعنيف لعالم الحرب - سيكون قد لوّن المزاج العام للشارع كله، ولأرواح الشارع، وتتخلص من العسكرة الشعوب بعد مضي عشرات السنين على الحرب، إن كانت محظوظة بفوز الحرب واستلام حكومة مدنية.

لكن الأبحاث تؤكد أن معظم الثورات التي انتهت بحروب بعد الحرب الأهلية الإسبانية تأتي بحكومات تعسّفية قمعية وأكثر ديكتاتورية من التي كانت سابقاً. تخيّل أن يكون الرجل - الحلم (أنا في حلم يقظة ليس شائكاً ولا جدلياً) في إيران، أو أفغانستان (القضيبية الدينية) أو كوريا الشمالية (قضيبية عسكرية).

وبالحديث عن كوريا الشمالية: عندما مات الوالد الأب المجنون للرئيس الحالي الأكثر جنوناً عرضت التلفزيونات مشهداً لرجال ونساء في غرفة مستطيلة كسينما فارغة بمقاعد متراصة أمام شاشة، ويجلس الجمهور ببدلات عمال وثياب داكنة بألوان الطحالب، يجلسون بصمت بعيون قلقة بانتظار لحظة ما لا نعرفها نحن الجمهور الذي يتابع ذلك الجمهور؛ ثم تأتي اللحظة عندما تفتح الشاشة على صورة الرئيس الأبدي والأب الخالد الذي مات، ينفجر - بالمعنى الحرفي للكلمة - ذاك الجمهور بالعويل والبكاء، يضربون أقدامهم بالأرض ويصفعون وجوههم، أفخاذهم، أذرع الكراسي الرخيصة، ينهار بعضهم على الأرض أو على أكتاف الرفاق، يتعانقون بعويل كصغار الكلاب الخائفة.

تابع الجمهور الغربي الجمهور الكوري غير مصدق. وتابعنا نحن الجمهور - الجمهور الكوري ذاك بغضب وغصة في الحلق لم يعترف أحد بها، فنحن نصدق.. أجل وحّد العسكر المجنون الرجال والنساء وساواهم كما لم تساويهم أكثر أحلام المطالبين بالمساواة نبالة!

حسن جداً
إذا سيكون رجلي الحلم لديه طريقٌ طويلٌ جداً للصمود، ورجالنا الحقيقيون، ولا صوت لهم، مجرمين مدانين بذكورتهم التي سلبت منهم طويلاً وبكافة الأشكال.

أما عن قبعة الإخفاء، والهوية الجندرية المموّهة، فما أزال أحلم بإيجاد طريقة للوصول إليها: عن طريق اليوغا والتأمل مثلاً. وهناك دائماً - كحل أخير مؤجّل - السحر الأسود والاستعانة بالجان!

المساهمون