فلسطين.. خيار الدولة الوحيدة

25 مارس 2015
+ الخط -

تَعَهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام منتخبيه، بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية، في حال فوزه في الانتخابات، وهو ما تحقق له، يَدقّ آخر مسمار في نعش مفاوضات السلام، ويدفن خيار قيام الدولتين، إطاراً وهدفاً قامت عليه عملية التفاوض.

تصريح نتنياهو تحصيل حاصل، لأن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت، وكانت تنتظر فقط إطلاق رصاصة الرحمة عليها. فالواقع يقول، اليوم، إن هذه المفاوضات استنفدت نفسها منذ سنوات، وفشلت عملياً منذ حقق الجانب الإسرائيلي غايته منها. والهدف الجوهري منها بالنسبة للإسرائيليين كان اعتراف الفلسطينيين بهم، وإسقاط صفة العنصرية عن حركتهم الصهيونية من أدبيات الأمم المتحدة، ومنذ تحقق هذا الهدف لهم، لم يعد يهمهم مصيرها أو مستقبلها. أما السلام المأمول بين الطرفين الذي كان الهدف الرئيسي الظاهر من إطلاقها قبل عشرين سنة فما زال بعيد المنال. وما كان يجري هو مجرد محاولات الإسرائيليين لربح الوقت لفرض الأمر الواقع، بتوسيع المستوطنات وتوطيد الحدود الجديدة لدولتهم، وعزل الفلسطينيين داخل غيتوهات معزولة في غزة، وداخل الضفة الغربية، وتكريس الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية.

وكل ما أنتجه مسلسل المفاوضات الطويل منذ "اتفاقات أوسلو" هو تنامي المشروع الصهيوني للدولة الإسرائيلية، في مقابل الإجهاز التدريجي على حلم الدولة الفلسطينية. والمؤكد، اليوم، أن إسرائيل لا يهمها الإعلان الرسمي عن فشل المفاوضات، وبالتالي، لا ينبغي انتظار أن يأتي هذا الإعلان من طرفها، إلا في حال قررت، كما فعلت في غزة، الانسحاب من جانب واحد من الضفة الغربية، بعد استكمال بناء جدار الفصل العنصري. لذلك، من مصلحة الجانب الفلسطيني البحث، من الآن، عن بديل قبل أن يجد نفسه، مرة أخرى، أمام أمر واقع، يصعب عليه تغييره. بديل يؤدي إلى تحقيق الهدف الوطني الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وفي تقرير المصير والعودة.

الخيارات البديلة ضئيلة، إما العودة إلى المقاومة المسلحة، بكل رهاناتها ومخاطرها على القضية والشعب الفلسطيني، أو الفوضى العارمة بكل احتمالاتها ومآلاتها التي يصعب التحكم فيها. وحتى بالنسبة للخيارات والحلول، لا يجب انتظار أن تأتي من الجانب الإسرائيلي، لأن الوضع الحالي يريحه. وبالتالي، لا ينبغي أن نتوقع أن ينفض الجانب الإسرائيلي يده من المفاوضات، لأنه يحتاج، أكثر من غيره، إلى استمرارها، إلى أن يضمن الحفاظ على طابع دولته اليهودية الآمنة داخل حدودها التي تتمدد يوماً بعد يوم.

الكرة، اليوم، في ملعب الفلسطينيين، لأنهم هم الخاسرون من تمطيط مفاوضات غير منتجة، وهم القادرون، بل ومن مصلحتهم الإعلان، ولو من جانب واحد، عن فشل المفاوضات، وأن ينفضوا يدهم منها، ومن كل شيء نتج منها حتى اليوم، بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي لا ترى فيها إسرائيل سوى شرطة على حدود الغيتوهات التي تحاصر الشعب الفلسطيني داخلها. وعندما يقدم الفلسطينيون على اتخاذ مثل هذا القرار، سيضعون الجميع أمام الأمر الواقع. لكن، قبل ذلك، يجب التمهيد إلى أن يكون الخيار البديل هو الدفع باتجاه حل الدولة الواحدة التي ينبغي أن تكون ديمقراطية وعلمانية وتعددية، يتمتع فيها الجميع بالحقوق نفسها، وتمنح لهم الحرية نفسها.

هذا هو البديل الذي سينتهي له الطرفان، ولو بعد عقود أخرى من الصراع والمفاوضات

 الفاشلة، إنه الخيار الأخير، خيار الدولة الواحدة بقومية ثنائية، وهو خيار ليس من السهل فرضه على الجانب الإسرائيلي، من دون التفكير في أساليب ووسائل وآليات دعم التحرك في اتجاه هذا الخيار، من خلال بناء حركات دعـم لهذا التوجه بين الفلسطينيين، أولا، وداخــل إسـرائـيـل، وفـي المنطقة العربية، وبـيـن يـهـود الـعـالـم، وعـلـى الصعيد الدولي.

لا ينبغي توقع أن يأتي مثل هذا الحل من الإسرائيليين، لأن عقيدة يهودية الدولة الإسرائيلية تعتبر ركناً أساسياً في الفكر الصهيوني، وليس من السهل استقطاب المجتمع الإسرائيلي إلى مثل هذا الخيار. كما لا ينبغي توقع أن يكون هذا الحل تلقائياً، بمجرد قرار انفرادي بإعلان نهاية المفاوضات، والتحلل من كل نتائجها من الجانب الفلسطيني، وإنما سيتطلب طرحه وقتاً كثيراً لإنضاجه، بسبب القناعات الإيديولوجية للفلسطينيين القوميين والإسلاميين، وللعرب والمسلمين الذين يعتبرون القضية الفلسطينية قضية قومية ودينية.

فالإسرائيليون لن يفكروا يوماً في مثل هذا الحل، مع تنامي قوة تأثير اليمين الديني المتطرف داخل المجتمع الإسرائيلي. لذلك، من مصلحة الفلسطينيين أن يبدأوا بالتفكير الجدي في أفق الدولة الواحدة، إذا أرادوا هزيمة المشروع الصهيوني في عقر جحره، واستئصاله من جذوره. أما الاستمرار في مفاوضات فاشلة، فمعناه إعطاء شرعية لاستمرار تجذر المشروع السرطاني الصهيوني.

الخطر الحقيقي الذي يرهب إسرائيل، اليوم، ويهدد مشروعها الاستيطاني الصهيوني، هو "الخطر الديمغرافي" الفلسطيني، فعلى الرغم من كل محاولات تهجير يهود العالم نحو إسرائيل، طوال العقود الماضية، لم تفلح الدولة الصهيونية في تغليب كفة النمو الديمغرافي لصالحها. لذلك، سعت إسرائيل إلى عزل غزة كأكبر خزان ديمغرافي فلسطيني، حتى تكون خارج معادلة الحرب الديمغرافية الجارية، وقد نجحت في ذلك، وهي تسعى، اليوم، من خلال جدار الفصل العنصري، إلى تنفيذ الخطة نفسها في الضفة الغربية. لكن إسرائيل، بخطواتها هذه، تساهم بطريقة غير مباشرة في تزكية طرح حل الدولة الواحدة، لأنها تدفع في اتجاه تحويل نفسها إلى دولة أبارتهايد، أي دولة فصل عنصري، وعندها سيفرض حل الدولة الواحدة نفسه، لأسـبـاب أخـلاقـيـة ومبدئية وعملية. لكن، مازال يفصل عن الوصول إلى مثل هذا الحل مسار طويل وشاق، لجعل فكرته أمراً واقعياً وعملياً.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).