فلسطينيات يعِلن أسرهن خلال أزمة كورونا
تسبب إعلان الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ في الخامس من مارس/ آذار الماضي، للحدّ من تفشي فيروس كورونا الجديد، في خسارة كثير من أرباب الأسر أعمالهم، ما أدى إلى ظروف قاسية تعيشها تلك الأسر التي بات يتعين على نساء لم يكنّ يعملن سابقاً المبادرة إلى العمل لمساعدة الأزواج في توفير لقمة العيش. وبحسب وزارة التنمية الاجتماعية، فإنّ هناك نحو 53 ألف أسرة فلسطينية أصبحت ما دون خط الفقر، وتضررت بشكل مباشر بعد إعلان حالة الطوارئ، التي ترتب عليها إغلاق الغالبية العظمى من مؤسسات ومنشآت القطاع الخاص التي كانت تُعَدّ مصدر دخل رئيسي للعاملين فيها.
نفضت أم مؤيد محبوب (44 عاماً)، الغبار عن ماكينة الخياطة المركونة في إحدى زوايا بيتها في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، لتعمل في تصليح الملابس، وتتقاضى مقابل ذلك مبالغ زهيدة تعينها في توفير المستلزمات الأساسية لأسرتها المكونة من خمسة أفراد، بعد فقدان زوجها عمله، مع إعلان حالة الطوارئ في فلسطين قبل نحو شهرين. تقول أم مؤيد لـ"العربي الجديد": "لم أتخيل يوماً أن نصل إلى هذه المرحلة، فصحيح أنّنا أسرة فقيرة، لكنّنا متأقلمون على العيش بالدخل البسيط الذي كان يتقاضاه زوجي من عمله حارساً ليلياً في إحدى قاعات الأفراح في المدينة، لكنّ القاعة أغلقت أبوابها بعد إعلان حالة الطوارئ، فضاقت بنا الحال، فكان لا بد من البحث عن مصدر نعتاش منه". تتابع: "زوجي في الخامسة والخمسين، وليس من السهل أن يعمل في مهنة أخرى، بل إنّ فرص العمل شبه معدومة، وذريتي كلها من البنات، فكان قراري أن أعود للعمل في الخياطة، تلك المهنة التي تركتها بعدما أنجبت ابنتي الأولى قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً". وبالفعل، نشرت أم مؤيد خبراً في الحي الذي تسكن فيه في مدينة نابلس، عن استعدادها لتصليح وتقصير الملابس، بأسعار رخيصة، فبدأ الجيران يقبلون عليها، ما مكنّها من الإنفاق على أسرتها من المبالغ التي تجنيها.
أسرة سامية الحرّان، أم محمد، من قرى محافظة جنين، شمال الضفة، واحدة من الأسر المتضررة بسبب حالة الطوارئ، إذ فقد زوجها وابنها عملهما في مطعم شعبي، فأحدهما كان يقدم الطعام، والثاني ينظف الأواني في المطبخ، ولم تجد الأم وسيلة إلّا العمل لسدّ تلك الثغرة.
واختارت أم محمد (50 عاماً)، عملاً قريباً من عمل زوجها وابنها بإعداد الطعام وبيعه جاهزاً للزبائن، مستعينة ببناتها اللواتي روجن لـ"مطبخ سامية" عبر منصات التواصل الاجتماعي. تقول أم محمد لـ"العربي الجديد": "ككثير من النساء، أحب الطبخ وإعداد الأكل والحلويات، لكن لأسرتي وليس للآخرين، غير أنّ الظروف هي التي دفعتني لذلك، فالعمل شاق، وأذواق الناس مختلفة جداً". غالبية زبونات أم محمد هنّ من الموظفات اللواتي واصلن العمل خلال حالة الطوارئ، كالطبيبات والممرضات والعاملات في أجهزة الأمن، وتقول: "هؤلاء زاد ضغط العمل عليهن، وبالتالي لا يجدن وقتاً لإعداد الطعام، فيما المطاعم مغلقة، فالحلّ باللجوء لي ولمثيلاتي من الطباخات". وبالرغم من أنّ الأجر الذي تحصل عليه أم محمد مقبول نسبياً، تقول: "لا أشعر أنّني في البيت، رغم عدم خروجي منه نهائياً، فمعظم وقتي أقضيه في المطبخ، خصوصاً عندما تكون لدي أكثر من طلبية، والمثل يقول: شو جابرك عالمرّ (ما الذي يجبرك على المرّ) إلّا الأمرّ منه!؟". تحاول أم محمد أن تنشر البسمة في بيتها، بالرغم من ذلك، إذ قالت بأسلوب فكاهي لزوجها وابنها: "عندما أنجح في عملي سأفتح مطعماً، وستعملان تحت إدارتي".
في البلدة القديمة من مدينة نابلس، تتحلق عدة نسوة في باحة أحد المنازل، ويعملن معاً على إزالة الشوك عن نبات العكوب في العملية المعروفة بـ"تعكيب العكوب"، تلك النبتة الجبلية التي تنمو في مثل هذا الوقت من السنة، وتعدّ من الأكلات المحببة جداً لأهل المدينة، إذ تقلى مع البيض لوجبة الإفطار، أو تطهى مع اللبن واللحم لوجبة الغداء. ويراوح سعر كيلوغرام العكوب بشوكه ما بين ثلاثة دولارات أميركية وستة، لكن عندما يكون نظيفاً قد يتجاوز سعره 14 دولاراً. ويلجأ كثير من الباعة لتشغيل النساء في تنظيفه من الشوك مقابل مبالغ مالية معينة، من بينهن أم علاء زيد، التي تحاول أن تساعد أسرتها في هذه الظروف الصعبة.
تقول أم علاء لـ"العربي الجديد"، وهي تمسك مقصاً صغيراً بعدما وضعت قفازين في يديها كي لا تتأذيا من شوك العكوب خلال تنظيفه: "نتقاضى نحو عشرة شيكلات (3 دولارات) مقابل كلّ كيلوغرام من العكوب الجاهز، الذي يستغرق تنظيفه نحو أربعين دقيقة، وأنا أنجز يومياً نحو عشرة كيلوغرامات". وتشعر أم علاء بتعب شديد وآلام حادة في يديها في نهاية كلّ يوم، لكنها تقول: "وضعنا في ظلّ الإغلاق والحجر المنزلي صعب جداً، فالإنفاق كبير والدخل شبه متوقف، لذلك شجعتني جاراتي على العمل معهن في تنظيف العكوب. وبالرغم من الوخز ونزيف الدم أحياناً من أيدينا رغم ارتداء قفازات، فإنّنا نصبر ونكمل العمل، فلقمة العيش مُرّة".