عواصف روسيا تنثر الدعم الأوروبي لأوكرانيا

06 مايو 2015
مواطن بمدينة سيفاستوبول الأوكرانية يجمع الخبز لإطعام عائلته (أرشيف/Getty)
+ الخط -

لم تعد أوكرانيا قادرة على تحمل أعبائها المالية في ظل تمهل الحلفاء الأوروبيين، مقابل الضغوط الروسية التي تبدو مؤثرة على المستوى السياسي والاقتصادي، إذ ارتفعت مستويات التضخم لمستويات غير مسبوقة وامتنعت المصارف عن إقراض نسبة كبيرة من عملائها، وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين.

تحرك أوروبي

ولا تبدو الإجراءات التي توصلت إليها أوكرانيا مع شركائها الأوروبيين مؤخراً كافية لرأب

الصدع الكبير في اقتصادها، رغم أن هذه الإجراءات تتضمن تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بشكل كامل، إلى جانب النظر في إلغاء نظام التأشيرات.
 
ومارست موسكو، ما استطاعت من ضغوط لإجراء تعديلات تناسبها على اتفاقية التجارة تلك وتأجيل تطبيقها إلى ذلك الحين، ولكنها لم تفلح في إقناع حتى أقرب شركائها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بحصار أوكرانيا اقتصادياً، إذ تم إعلان تطبيق الاتفاقية في الأول من يناير/كانون الثاني 2016.

وأعلن رئيس المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي، جان كلود يونكر، أثناء القمة السابعة عشر للاتحاد الأوروبي-أوكرانيا، الأسبوع الماضي، تخصيص مساعدات مالية لكييف تبلغ 1.8 مليار يورو (ملياري دولار)، إضافة إلى مساعدات سابقة قيمتها 250 مليون يورو.
 
وأضاف أن الاتحاد يعتزم تخصيص 70 مليون يورو إضافية لزوم استكمال بناء غلاف واق لمفاعل تشيرتوبل. علما بأن الحريق الأخير في منطقة المفاعل المنكوب أعاد تذكير الأوروبيين والروس بأن مخاطر التلوث النووي لا تقتصر على أوكرانيا، فقد نقلت الرياح المتزامنة مع الحريق الهباب المشع إلى بلدان الجوار.

جرعات غير كافية

ولم تفلح التحركات الأوروبية على مدى عام كامل من الدعم، في إنقاذ اقتصاد أوكرانيا من حافة الهاوية، إذ تفيد البيانات الرسمية بتراجع الناتج الإجمالي المحلي الأوكراني في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 15%.

اقرأ أيضاً: شرق أوكرانيا يودع الثراء بعد سنة من النزاع

ويعود السبب في ذلك، كما يرى الاقتصاديون، إلى التراجع الكبير في التجارة الداخلية والصناعة والبناء.

ففي هذا الشأن، يقول ألكسندر أوخريمينكو، رئيس مركز التحليل الأوكراني: "لم يكن لأحد أن يتوقع مثل هذا التراجع الحاد".

وتدل المعلومات التي أعلن عنها البنك المركزي الأوكراني، أيضاً، على تدهور متواتر للاقتصاد الأوكراني. فخلال الأشهر الستة الأخيرة تراجعت جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسة. ففي أبريل/نيسان الماضي تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 28.6% على أساس سنوي، بينما كان التراجع قد بلغ في فبراير/شباط 19.8%، كما تراجعت معدلات البناء في مارس/آذار بنسبة 33.5%، والإنتاج الزراعي بنسبة 6.8% على أساس سنوي.

وأدى تراجع الاستهلاك الداخلي للمنتجات الزراعية، إلى تراجع في الإنتاج الحيواني، مما انعكس بدوره على الناتج الإجمالي المحلي.

ويُرجع المراقبون ذلك إلى انخفاض شديد في قيمة صرف العملة المحلية (الهريفنا) وارتفاع

معدل التضخم وضعف المقدرة الشرائية لدى المواطنين، والخوف الذي دفع السكان إلى الاقتصاد في الإنفاق حتى في هذه الظروف.

ونتيجة تراجع دخل المواطنين وامتناع المصارف عن الإقراض لشراء مساكن، توقفت شركات البناء عن تنفيذ مشاريعها، واقتصرت حركة البيع والشراء على العمارات الجاهزة من قبل.

كما أن التراجع في الإنتاج الصناعي الأوكراني الذي بلغ في مارس/ آذار الماضي 21.2%، يعود إلى خروج المعامل الواقعة في إقليم دونباس من الحساب نتيجة وجودها خارج سلطة كييف، وتراجع الطلب الخارجي على المنتجات الأوكرانية.

مخارج ضيقة

يصعب الخروج من الوضع الراهن دون جذب رؤوس أموال واستثمارات خارجية، الأمر المتعذر بسبب استمرار العمليات القتالية وحاجة رأس المال إلى الأمان والاستقرار.

وفي هذه الحال، يبقى المصدر الوحيد لتمويل أوكرانيا، الحكومات الصديقة لكييف. فالولايات المتحدة الأميركية تقدم ضمانات بقيمة 2 مليار دولار، واليابان 1.8 مليار دولار، وألمانيا 1.4 مليار يورو على شكل قروض ومساعدات.

إلا أن هذه الأموال التي تغطي النفقات الحكومية الأساسية، لا تكفي لإخراج البلاد من أزمتها وتحسين مؤشراتها الاقتصادية. وقال مدير البنك الدولي لشؤون بيلاروسيا ومولدوفا وأوكرانيا، كيمياو فانا، إن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في أوكرانيا في عام 2015 سوف ينخفض بنسبة 7.5%.

وللمقارنة فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي سنة 2014 بمعدل 6.8%، علماً بأن، الموازنة العامة الأوكرانية وُضعت على توقعات أن يبلغ التراجع 5.5%، ومعدل تضخم 26.7% وعند سعر صرف للهريفنا 21.7 مقابل الدولار، لا أكثر. وبالتالي، فمن غير المستبعد أن تتم إعادة النظر في الموازنة على ضوء معطيات الاقتصاد الواقعية التي تميل إلى التدهور.

ويقول المراقبون، إن عودة الاقتصاد الأوكراني إلى النمو ترتبط مباشرة بوقف الحرب في البلاد، الأمر الذي لا يستطيع أحد ضمانه، خاصة وأن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو صرح بأن الحرب مستمرة حتى استعادة القرم.

وعود كييف

وحول الوعود التي قدمتها القمة الأخيرة لكييف، فإن رئيس مركز التحليل المنهجي والتنبؤ، روستيسلاف إيشينكو، بات على قناعة بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد يرى مصلحة لنفسه في

التكامل مع أوكرانيا، بما في ذلك ما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة.

وقال إيشينكو: "إذا تحدثنا عن السوق فهي قبل أي شيء طلب مغطى بمقدرة شرائية والأخيرة لم تعد موجودة في أوكرانيا منذ زمن. فلن يكون ممكناً بيع السلع هناك".

وقال مدير المعهد الأوكراني للتحليل وإدارة الأعمال السياسية، روسلان بورتنيك: "لم نسمع من القمة كلمات محددة بخصوص آفاق التكامل الأوروبي، ولا وعود بإلغاء نظام التأشيرات. إلى جانب ذلك، فإن أوروبا لم تعدنا بأية أموال إضافية لدعم النهج الحالي والوضع في أوكرانيا. ناهيكم بأن أوكرانيا تلقت ركلة من خلال إصرار أوروبا على تسريع القيام بإصلاحات".

ويبقى من غير الواضح كيف يمكن لبلد في حالة حرب تعطل أهم مفاصل اقتصاده أن يقوم بإصلاحات اقتصادية ترضي دائنيه.

لكن ثمة معارك أخرى مهمة تخوضها أوكرانيا بدعم أوروبي ضد روسيا، على رأسها ملف الغاز، الذي تقول كييف إن موقفها التفاوضي بشأنه بات أكثر ثقة من ذي قبل. وقالت أوكرانيا في مارس/أذار الماضي، إن روسيا سيتعين عليها خفض السعر الذي تتقاضاه عن إمدادات الغاز لأنها لم تعد تعتمد بشكل كبير عليه، بفضل الإمدادات التي تصل كييف من الاتحاد الأوروبي.


اقرأ أيضاً: أوكرانيا المهددة بالإفلاس تستعد "للعلاج بالصدمة"

المساهمون