رسائل إلى مليكة.. الثورة أمل

05 فبراير 2015
حناجرنا تأبى السكون ويومياً يحاصرنا الموت (Getty)
+ الخط -

"عزيزتي مليكة.. أكتب إليك الآن من ميدان التحرير حيث أقضي ووالدك وجميع أصدقائنا أياماً عدة في الميدان لنرسم لك مستقبلاً أفضل.."


ثورة

السطور السابقة جزء من رسالة كتبتها لابنتي، التي لم تكن قد بلغت الثالثة من عمرها بعد، في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011. وقتها لم أكن أدرك أنها ستصبح "ثورة" وستنجح في إجبار مبارك على الرحيل، ولم أكن أحلم بأكثر من القصاص من قاتلي أحمد بسيوني وزياد بكير وخالد سعيد وسيد بلال.. فهتفنا الشعب يريد إسقاط النظام، ولم أتوقع العودة لبيتي وسرد الحكاية لها وجهاً لوجه.

أربع سنوات مرّت، وكبرت مليكة، وصرنا نعيش الآن في دولة أخرى لفترة لا تبدو قصيرة، في خيار كان الأصعب علينا، ولكنه الأكثر واقعية في ظل استمرار كل العبث الذي ثرنا عليه في يناير، بل وعودته في صورة أكثر ديكتاتورية.


البدايات

وبعد أن صارت "مليكة" فتاة على أعتاب السابعة، تستطيع الكلام والتساؤل، قررت كتابة رسائل جديدة تتحدث عن يناير، تلك الثورة التي يود الكثيرون أن تصبح مجرد ذكرى وصفحات بيضاء يسطرون فيها ما يريدون.. وفي البدايات تكمن الأسرار..

عزيزتي مليكة.. سيحاولون إخبارك أنها لم تكن ثورة.. فلا تنشغلي بغير الحقيقة، هي "الثورة" الوحيدة الحقيقية التي انطلقت ككرة الثلج وخلّصتنا من خوف موروث منذ عشرات السنين.

بدأت الثورة بالمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ورفض الظلم والقهر والدفاع عن حق شباب فقدوا حياتهم في أقسام الشرطة، دون أن ينشغل غيرهم بحقهم في الحياة.


أمل

اختلفنا وعدد من أصدقائنا قبل 25 يناير بليلة واحدة عن مغزى ما سيحدث غداً، وأهميته وتأثيره، ولم يكن لدينا الكثير لنحلم به، ولكننا اتخذنا القرار بالمشاركة. وقتها لم تكن الفكرة بسيطة، ولم يكن القرار سهلاً، ولكن الأمل كان مثل "ندّاهة" سلبتنا خوفنا فصرنا نمضي خلفها... وتحقق الحلم ورحل مبارك..

تظاهرات هادرة وهتافات مدوية حملت غضب سنوات وبضع ليال في الخلاء كانت الأقسى والأغرب شهدت كثيراً من الأحداث والآلام، ولكن دعيني أحدثك عنها مستقبلاً، فاليوم دعينا نتحدث عن "الأمل"، تلك القشة التي تعلّقنا بها دون الكثير من المقدمات، فقط شعور اجتاح أرواحنا فآمنّا به ومنحنا ما وددناه.. رحيل مبارك والعادلي وشلّة الفساد..

بضع ليالٍ في الخلاء وحناجرنا تأبى السكون ويومياً يحاصرنا الموت، ولكن تلك الليالي لا تغيب عن ذاكرتنا ولن تغيب، فخلالها وجدنا في أنفسنا ما لم نكن نعرفه، واكتشفنا في مَن حولنا ما لم نتوقعه. عزيزتي، بغض النظر عن النهايات، لا تكفري بالأمل.


مراجعة

والآن، أعرف أنك تشهدين الكثير من النقاشات والأسئلة عن جدوى ما فعلناه في يناير 2011، وأتوقع سؤالك، وبالمناسبة أسمعه يتردد داخلي مرات، هل أخطأنا باستجابتنا لنداهة التغيير في وطن نخر سوس الفساد أوصاله فلم يعد من المجدي الإصرار على إصلاحه؟! وهل لو عاد بك الزمن ستقررين النزول مرة أخرى؟!

والإجابة على سؤالك الأول، "لا" يا عزيزتي، لم نخطئ، بل كانت لحظات صدقنا الوحيدة خلال سنوات عشناها في كابوس مبارك الأب والرئيس ولن ننسى لحظة تنحّيه مهما حاولوا.

أما إجابة السؤال الثاني، فـ"نعم"، لو عاد الزمن سأشارك، فتلك المشاعر التي عشتها وقتها كانت الأكثر روعة على الإطلاق، لا يضاهيها جمالاً سوى لحظة ميلادك، فيومها ولدنا جميعاً من جديد، وشعرنا أن لنا "وطناً" كما نحلم به، ويستجيب لنا، فاستحق أن نضحي من أجله بأرواحنا.


محطات

عزيزتي.. محطات الثورة كثيرة، وأغلبها محطات وعرة، ربما نتخطى بعضها بسرعة والأخرى بصعوبة، ولكن حتماً سنتخطاها جميعاً يوماً ما.. وستكمل مسيرتها، سأواصل "حكيها" لك فلا تملّي، ودوّنيها لو استطعت، فإنني أعلم جيداً أنك ستشاركين في "ثورة" يوماً ما، وتسطرين تاريخها أيضاً، فربما تفيدك تلك الحكايات، وتذكري دوماً أن تتشبثي بالأمل.


(مصر)

المساهمون