حسابات أغسطس

10 اغسطس 2016

بوتين وأردوغان في سان بطرسبورغ (9 أغسطس/2016/Getty)

+ الخط -

استبق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اجتماعه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين أمس (الثلاثاء) بتصريحات إيجابية حاول فيها اعطاء انطباع بنهاية صفحة التوتر والقطيعة التي سادت منذ أزمة إسقاط طائرة السوخوي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. مع ذلك، لن يفوت الرئيس أردوغان، على الأرجح، الفرصة لتمرير بعض الرسائل في اللقاء الذي تمت برمجته في أغسطس/ آب، للإشارة إلى طبائع هذا الشهر، ليس باعتباره موسم عطلٍ فحسب، بل كونه، وفق المؤرخين، العسكريين منهم خصوصاً، موسم المواجهات الكبرى في التاريخ. فأكثر الحروب التي خاضتها البشرية وقعت في هذا الشهر، وبعض من أهمها دارت خلاله. وتعدّ الحرب الروسية- الجورجية (2008) في سلسة حروب آب، ومثلت، حينها، مؤشراً على بداية حقبة جديدة في السياسة الخارجية الروسية.

أغلب الظن أيضاً أن يعمد أردوغان في إطار عرضه التعاون مع روسيا لحل الأزمة السورية إلى تذكير مضيفه أن أكبر الهزائم التي لحقت ببعض أهم القادة في التاريخ، نشأت عن سوء حساباتٍ أو خطأ في التقديرات، نجمت عن المغالاة في الثقة بالنفس أو عن استصغار الخصم وعدم تقدير إرادة القتال لديه. صحيحٌ أن المعركة التي خاضتها قوات المعارضة السورية في حلب، على مدى الأسبوع الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري، لا يمكن تصنيفها من جهة الحجم، أو القوة النارية المستخدمة، أو عدد القوات المشاركة، في خانة الحروب الكبرى، إلا أنها بالتأكيد كانت من أهم المعارك التي شهدها الصراع السوري، وكانت بالنسبة للمعارضة بمثابة معركة حياة أو موت. وهي لذلك أطلقت عليها اسم "ملحمة حلب الكبرى"، هذا من جهة. من جهة أخرى، بات مؤكداً الآن أن تتجاوز التداعيات السياسية لهذه المعركة مساحة ال 40 كم مربع التي جرى القتال عليها، خصوصاً إذا استمرت قوات المعارضة في التقدّم وإحكام الحصار على الجزء الغربي الذي يسيطر عليه النظام.

واقع الحال أن حلب باتت، منذ مدة، تختصر الصراع السوري، بكليته وتعقيداته، ففضلاً عن أنها الجبهة الكبيرة الوحيدة المشتعلة في سورية بين النظام والمعارضة، منذ دخول الهدنة الروسية- الأميركية، حيز التنفيذ في شهر فبراير/ شباط الماضي، تنظر جميع الأطراف إلى المدينة باعتبارها الجائزة الكبرى في صراع سورية الدموي، فخسارة المعارضة لها يعني فعلياً انتصار النظام وحلفائه. ما تبقى يصبح جيوب مقاومة صغيرة محاصرة على امتداد الغرب السوري، يمكن للنظام التعامل معها تباعاً إذا سقطت حلب. أما خسارة النظام لها فتعني تلقيه وحلفاءه ضربةً عسكريةً ومعنويةً قاصمة، أخذاً في الاعتبار حجم الاستثمار الكبير الذي تضعه روسيا وإيران للفوز بحلب. وفي جميع الأحوال، ليست حلب كبرى مدن سورية فحسب، بل لها أيضاً رمزية كبيرة، باعتبارها أول مدينة كبرى تدخلها قوات المعارضة في يوليو/ تموز 2012، كما تتجاوز حسابات السيطرة عليها تفاصيل الصراع المحلية إلى الوضعين، الإقليمي والدولي، فنجاح روسيا وإيران في السيطرة على حلب يعني، حرفياً، إخراج تركيا من معادلات الصراع السوري، وهزيمتها ليس في سورية فحسب، بل في عموم الإقليم من خلال حلب التي لا تبعد عن حدودها الجنوبية أكثر من 40 كم، وتمثل قيمةً كبرى، لأسباب تاريخية وثقافية واقتصادية وجيوسياسية، تختصر استثمارات تركيا الهائلة في الصراع السوري.

قبل أسبوعين، كانت الدلائل تشير إلى أن المعارضة غدت، بعد فشلها في استعادة طريق الكاستيلو (المعبر الوحيد بين الجزء الشرقي من حلب وتركيا) في حكم المهزومة، وتصرّف الروس والنظام السوري على هذا الأساس، عندما أعلنوا، بعد تمكّنهم من إحكام الحصار على المدينة عن إنشاء ممرات "إنسانية" لخروج المدنيين والمقاتلين، في استعادة لسيناريو استسلام البلدة القديمة في حمص، قبل نحو عامين.

في منتصف الشهر الماضي، سارع النظام وحلفاؤه إلى الاحتفال بنجاح انقلاب تركيا، ثم سارعوا (حزب الله خصوصاً) للاحتفال بسقوط حلب، استناداً إلى أن تركيا مشغولة بمعالجة ذيول الانقلاب الفاشل. يستطيع أردوغان الذي يزور روسيا الآن أن يقول للجميع: أخطأتم الحساب مرتين في ثلاثة أسابيع، والأرجح أن تكون جل حساباتكم خاطئة. .. وقد تظهر بعض نتائجها في شهر أغسطس/ آب أيضاً.