بعد ثلاثة عقود من العمل الشاق، الذي شهدت عليه أحياء حيفا، بشوارعها وأزقتها ومختلف معالمها، صدر للمؤرخ الفلسطيني جوني منصور كتاب "حيفا ـ الكلمة التي صارت مدينة"، إذ جمع فيه صوراً فوتوغرافية، احتفظت بها عائلات حيفاوية ما قبل النكبة وبعدها، وكلمات عن تاريخ المدينة.
يتناول الكتاب مشاهد من الحياة في حيفا، لا سيّما في الفترة الواقعة بين الحرب العالمية الأولى ونكبة فلسطين، ويشكّل وثيقة هامة ونادرة عن تلك الفترة.
في حديث لـ "العربي الجديد" حول الكتاب يقول منصور: "ركزت على تناول الحياة الثقافية والاجتماعية اليومية التي سادت في حيفا، من خلال تجميع صور من ألبومات العائلات، والصور المتداولة في المواقع والكتب والصحف القديمة. حاولت من خلالها بناء مجرى الحياة التي كانت مليئة بالنشاط والتضحية والعطاء، فالمجتمع العربي الفلسطيني الحيفاوي كان يبني نفسه بكل هذه التعددية.
حيفا مدينة عمل، وميناء وسكة حديد وغيرها. وفد إليها عدد كبير من العمال، الذين انخرطوا فيها وكونوا حياة اجتماعية لافتة في ذلك الزمن، تلك الحياة التي انتهت في النكبة عام 1948".
ويوضح منصور أن "الكتاب مبني بطريقة مختلفة عن المعتاد، بحيث يحوي نحو 1200 صورة، منها صور مرفقة داخل المقالات تعكس الحياة في تلك الفترة، فهو كتاب ذاكرة، يريد القول إن هذه المدينة بالرغم من تعرضها للاغتصاب، ما زالت موجودة في الذاكرة الفلسطينية حتى يومنا هذا".
من حفل توقيع الكتاب |
من جانبه قال مخطط المدن، وخبير الهندسة المعمارية يوسف جبارين، في حديث لـ "العربي الجديد": "حيفا انتكبت عام 1948، إذ فقدت غالبية سكانها، فمن أصل 100 ألف نسمة إبان النكبة، بقي فيها 3 آلاف فلسطيني فقط، ومنذ ذلك الحين تعرضت ولا تزال لعمليات هدم منهجية لكل الإرث المعماري الفلسطيني المميز.
هذا الكتاب يحكي حكايتها ويرد لها اعتبارها، كمدينة فلسطينية كانت فيها حياة اجتماعية وثقافية وحضارة وبناء. يتحدث عن أحيائها وشوارعها، عن فقرائها وأغنيائها، سكانها المسلمين والمسيحيين والوافدين من القرى، وعن حالة المدينة التي كانت مركزية".
ويضيف جبارين: "على مستوى العمارة، حيفا تمثل ما طوّرته الحضارة العربية بشكل عام والحضارة الفلسطينية خاصة، منذ فترة الحداثة مطلع القرن التاسع عشر حتى عام 1948". وأعرب جبارين عن أمله في أن تكون هناك مبادرات لتأليف كتب مشابهة عن باقي المدن الفلسطينية المحتلة.
في حفل توقيع الكتاب يوم أمس في "مسرح الميدان" في حيفا، حضر عدد ممن عاشوا بعض فصوله على أرض الواقع في تلك الفترة، منهم ألفريد شحادة، الذي قال لـ "العربي الجديد" إن "الكتاب بصوره وكلماته، أنعش في داخلي حيفا التي عشتُ فيها يوماً، حياة مختلفة عن اليوم".
وإن كان الكتاب يشتغل على الذاكرة أساساً، إلا أن أهميته تكمن في ربط تاريخ المدينة بواقعها حيث يستعيد المجتمع الفلسطيني الحيفاوي تماسكه، وتعتز الأجيال الجديدة بهويتها العربية الفلسطينية.