بنات تمبكتو... فرقة مغربية تؤنث موسيقى كناوة
"بنات تمبكتو" فرقة موسيقية كلّ أعضائها من النساء، تأسست عام 2012، واختارت اسم عاصمة مالي، تمبكتو، لرمزيتها وحمولتها التاريخية وانبثاق أصول الفن الكناوي منها.
وبحسب ما ذُكر في بعض المصادر التاريخية، فإنّ "أهل تمبكتو فُطروا على المرح واعتادوا على التجوال في المدينة بين العاشرة مساء والواحدة بعد منتصف الليل وهم يعزفون على آلات الطرب ويرقصون".
ومن هذا المنطلق اختارت الشابة أسماء حمزاوي، بتواطؤ جميل مع والدها المعلم رشيد حمزاوي، الذي غرف بدوره من معين كناوة، ووالدتها كلثوم، اسم "بنات تمبكتو" لفرقة وحّد بين عضواتها عشق الفن الكناوي.
تقول أسماء لـ"العربي الجديد": "والداي هما اللذان ساعداني على اختيار اسم الفرقة، وبعد عدة مقترحات اهتدينا إلى هذا الاسم، بالنظر إلى رمزية العاصمة تمبكتو، الملقبة بجوهرة الصحراء الكبرى. الأمر يشبه نوعاً من العرفان للأصول الأولى".
نشأت أسماء وسط أسرة كناوية، وكان صوت الكنبري (الهجهوج، آلة وترية)، والقراقب النحاسية (آلات قرع)، مألوفاً لديهاً، وهكذا هيأتها بيئتها الأولى لاستقبال هذا الفن وعقد ألفة بينهما، ففي السابعة من عمرها، كانت ترافق والدها إلى العديد من الاحتفالات والسهرات وليالي الجذبة (أمسيات صوفية)، كما تقول.
لم تستطع في ما بعد أن تخفي رغبتها وولعها في تعلم العزف على الهجهوج، الآلة التي تحكي قصة كناوة، وهي بحسب أسماء "آلة حية، تشعر بصاحبها وبصدقه، وبتدفق الدم فيه، ومن هذا المنطلق فهي لا تمنح أسرارها للجميع".
في العشرين من عمرها، كانت الشابة أسماء قد أشعلت من حطب الهجهوج ناراً كانت برداً وسلاماً عليها وعلى فرقتها التي عقدت العزم على لمّ شتاتها، فأطلقت خطوتها الأولى نحو احتراف فن الغناء الكناوي.
أسماء أصبحت واحدة من أصغر سفيرات "أهل الحال الكناوي الملغز"، وهو لقب صوفي يطلق على من يمتهنون هذه الموسيقى خصوصاً.
توضح أسماء: "بدأت الفرقة باجتماعات كثيرة، وجرى توزيع الأدوار بين عضواتها. تدربنا كثيراً، قبل أن نخرج إلى الجمهور فرقة شابة تغني وهي تستحضر بعد المسافة، والمعاناة، وذاكرة أفريقيا".
تتابع: "لم يكن طريقنا مفروشاً بالورود، بل واجهنا صعوبات وعراقيل عديدة كي تكون لنا بصمتنا الخاصة والمميزة". تعلمت العزف على آلة الهجهوج وبحثت عن نقطة التميز لتجربة تحلم بأن تعانق العالمية. تلفت إلى أنّ الفرقة لم تلقَ أيّ دعم مالي من أيّ مؤسسة أو جهة، وهو ما تطلّب منها بمعية بقية العضوات الكثير لإثبات وجودهن في الساحة الفنية.
وفي السياق، توضح عائشة حمزاوي، شقيقة أسماء، وهي أيضاً عازفة في الفرقة، أنّهن يقدرن الجمهور في كلّ عمل يقدمنه، ويستفدن من جميع الانتقادات والملاحظات لتطوير الفرقة حتى تكون في مستوى التطلعات.
كسبت فرقة "بنات تمبكتو" جمهوراً متزايداً بالتدريج منذ سنة انطلاقها، حتى دخلت ضمن برامج مهرجانات موسيقية كثيرة في المغرب وخارجه، وعلى رأسها مهرجان موسيقى كناوة بمدينة الصويرة، الذي أعاد الاعتبار لثقافة الكناوة والتراث الأفريقي، وأضحى موعداً يحجّ إليه كلّ عام عشاق من كلّ بقاع العالم للاحتفاء بفنّ لا يطاوله التقادم ولا يموت، بل يشكّل أحد روافد الثقافة الوطنية.
تبدو أسماء فخورة جداً باللقاء الفني الذي جمعها العام الماضي، في مدينة الصويرة المغربية، بالمغنية وكاتبة الكلمات والممثلة المالية، فاتوماتا دياوارا، التي تتمسك بالتراث الأفريقي. في المقابل، ترفض رئيسة الفرقة الفكرة التي تربط موسيقى كناوة بالعوالم الشيطانية واستدعاء الأرواح وقوى الظلام وتقديم القرابين.
وتقول لـ"العربي الجديد": "فن الكناوة روحاني يسافر ويطهّر الروح وليس العكس، إنّه يشترط القوة والصبر، والكثير من المحبة، فهو ليس دوراً ينتهي بتقمصه، إنّما حياة وجذبة لا تنقطع".
الموسيقى، وفقاً لهذا المعنى، "وسيلة للتخلص من التعب اليومي، وهي بمثابة مخفف يسهل استمرارية الحياة، وهي في الوقت نفسه يتذكر عبرها الكناوي بلاد الآباء والأجداد، موسيقى يمتزج فيها حنين إلى ماضٍ ببكاء على واقع حال، وأمل في غد تشرق فيه شمس الحرية باعتبار ما كان، أو غد أفضل مقارنة بالحاضر"، كما يقول الباحث عبد الله خليل.
تعزف الفرقة محافظة على الآلات التقليدية: الكنبري والقراقب النحاسية وبأزياء ملونة. والمتابع لحركة "بنات تمبكتو" يمكن أن يستجلي تغنيها بالحال وبالأصول السودانية والبعد عن الديار، واقع العبودية والمحنة التي لا تنتهي وطلب العفو من الأجداد، والصلاة على النبي، كما يجرى التغني بأصل كناوة وما لاقوه من محن، ويذكرون الأموات من المعلمين، وشخصيات من أرض الأجداد (السودان)، والأماكن والقبائل... ومنها سيدي موسى، ومولاي أحمد، والسوداني.
وتقول إحدى الأغنيات: "السوداني يا يما السوداني يا يما... جابونا يا يما سرقونا وباعونا... ميمتي على السوداني... قول لينا على أخبارك... يا المعلم قول لينا... قول لينا على السودان".