في معظم مستشفيات الإمارات العربيّة الخاصة، لا سيّما في دبي، تعمل الطواقم الصحيّة الأجنبيّة التي يتحدّث أفرادها اللغة الإنكليزيّة. لكن قاصدي هذه المؤسسات الصحيّة لا يجيدون غالباً تلك اللغة، أو أنهم يفهمونها بشكل لا يسمح لهم بالتواصل مع الطاقم المعالج، وبالتالي لا يستوعبون الإرشادات الطبيّة، وفي الوقت نفسه يعجزون عن شرح حالاتهم. فيترافق ذلك مع مشكلات عدّة، بعضها عابر وبعضها الآخر يشكّل خطراً على صحة المريض وأحياناً على حياته.
صفاء موظّف وافد إلى الإمارات، يشير إلى أن "هذه حال غالبيّة المستشفيات الإماراتيّة. هنا معظم الوافدين آسيويّون أو عرب، وإجادتهم للغة الإنكليزيّة محدودة. بالتالي، يصعب التفاهم مع الطاقم الذي يتحدّث تلك اللغة، لشرح ما نشكو منه. فيؤدي ذلك أحياناً إلى سوء فهم يتسبّب بضرر كبير للمريض".
من جهتها، تقول هيفاء وهي مواطنة تتابع وضعها الصحي في أحد مستشفيات دبي المتخصصة: "للأسف، في بعض المستشفيات، يعمل أشخاص لا يجيدون العربيّة ولا حتى الإنكليزيّة. كيف التفاهم معهم؟".
فيُطرح سؤال عن الحلول الممكنة لهذه المشكلة الاجتماعيّة والطبيّة في بلد يعيش فيه - خصوصاً إمارة دبي - ما يفوق 200 جنسيّة أجنبيّة.
بالنسبة إلى سيف وهو مواطن، "الحل الوحيد هو في توفير مترجمين متخصصين، ليس فقط في المستشفيات الخاصة بل حتى في تلك الحكوميّة، حيث نواجه المشكلة ذاتها". يضيف: "نحن في بلد عربي واللغة الرسميّة الأولى فيها هي اللغة العربيّة، تليها الإنكليزيّة. بالتالي على كل من يعيش في البلد أن يجيد إحدى هاتَين اللغتَين". ويتابع: "صحيح أن المريض غير ملزم بالتحدّث بلغة غير لغته، ليشرح حالته الصحيّة للطبيب، لكن من يعمل في هذا البلد يجب أن يلتزم بقوانينه ويتعلم لغته، تماماً كما نفعل نحن في البلدان الأجنبيّة".
في الواقع، يصعب على العاملين في المجال الطبي تعلّم اللغة العربيّة لأنهم بغالبيتهم يقصدون البلاد لبضع سنوات فقط. ويقول هاشم الذي يعيش في دبي منذ عشرة أعوام: "تزداد المشكلة عندما تكون المستشفيات معروفة وعالميّة".
بالنسبة إلى الطبيب الزائر زياد، الذي يعالج في مستشفى الإمارات في دبي، فإن "الطب ليس حكراً على المواطنين الإماراتيّين أو العرب فقط. فثمّة عدد كبير من المقيمين الذين ﻻ يتحدثون العربيّة ولا الإنكليزيّة. من يعالجهم؟ بالإضافة إلى أنهم ﻻ يستطيعون شرح حالتهم بغير لغتهم الأم. وفي حال مرضهم، هل نرسلهم إلى بلدانهم؟".
ميثاء أم لثلاثة أطفال، تضطر إلى مراجعة المستشفيات الخاصة. تقول: "يجب إلزام المستشفيات بتوفير أطباء يتحدثون اللغات الأكثر انتشاراً في بلدنا، كالعربيّة والإنكليزيّة والهنديّة، وتوفير مترجمين أيضاً لغيرها من اللغات".
وعدم توفّر مترجمين في المستشفيات يشكل خطراً كبيراً على المرضى، لأنهم غير قادرين على شرح ما يعانونه من آلام لأطباء لا يعرفون اللغة العربيّة، إلى جانب عدم قدرتهم على فهم تعليمات الطبيب ولا أسئلته.
وهذا الموضوع الحيوي مطروح حالياً في "المجلس الوطني الاتحادي"، من أجل مطالبة الحكومة بتعميم إلحاق مترجمين معتمدين بالمستشفيات الخاصة. لكن الإشارة تجدر إلى أنه ما من بيانات متوفّرة حول عدد الأطباء وأفراد الطاقم الطبي الذين لا يجيدون التحدث باللغة العربيّة أو الإنكليزيّة، حتى ينطلق منها المعنيّون. ويشدّد هنا الدكتور مصعب (اسم مستعار) على أن وزارة الصحة تتحمّل مسؤوليّة تقييم الطواقم الطبيّة في المستشفيات الخاصة والحكوميّة. يضيف الطبيب الذي يملك عيادة خاصة في دبي، أن "على المستشفى اعتماد مترجمين متخصصين بالأمور الطبيّة لتجنّب حالات سوء الفهم أو مخاطر اعتماد المريض على ترجمة خاطئة يقوم بها هو أو أحد أفراد أسرته".
إلى ذلك، كانت هيئة الصحة في دبي قد أصدرت قبل فترة وجيزة قراراً يقضي بإجبار جميع المنشآت الطبيّة العاملة على توفير مترجم للمريض، حتى يتمكّن من فهم الشرح حول حالته الصحيّة وطرق العلاج. وهو ما يُعدّ حقاً من حقوق المريض. وقد أشارت الهيئة إلى أنه من الممكن أن يكون المترجم من بين العاملين في المنشأة الطبيّة ذاتها ويجيد أكثر من لغة. أما في حال لم تلتزم بذلك، فهي ملزمة بدفع غرامة ماليّة. يُذكر أن المستشفيات الخاصة بغالبيتها، لا تلتزم بهذا القرار وتواصل عملها كأن شيئاً لم يكن.
من جهته، يوضح الدكتور عبد الحميد (اسم مستعار) الذي يعمل في المستشفى الكندي في دبي أنه "مما لا شك فيه، الأخطاء الطبيّة تظهر بسبب ضعف التواصل بين الطبيب والمريض، أو بين الأطباء أنفسهم. وهو ما يتسبب بمضاعفات خطيرة على المريض قد تؤدي إلى وفاته". وقد عرضت برامج إذاعيّة عدّة شهادات، نقلها أشخاص تعرّضوا، هم أو أحد أفراد أسرهم، إلى أخطاء طبيّة بسبب صعوبة التفاهم مع الطاقم الطبي الأجنبي.