على أثر الكلام المتداول أخيراً في قطاع غزة حول منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) موظفيها، لا سيّما المدرّسين، من التعبير عن رأيهم حول الانتفاضة الحاصلة بحجة "التحريض على إسرائيل"، أصدرت الوكالة، أمس، بياناً أشارت فيه إلى أنها "تدين كل أشكال العنصرية وتأخذ حيادية عامليها، والذين هم عاملون في الأمم المتحدة، على محمل الجد".
وأوضحت الوكالة في بيانها أن ثمّة "قوانين وأنظمة قائمة ضمن أطر الأونروا في هذا الخصوص. ولدى الأونروا سياسة ناظمة في ما يتعلق بالتعامل واستخدام الإعلام الالكتروني. وأي اتهام بأن عاملي الأونروا قد خرقوا حيادية الوكالة، وبالرغم من الحصار المفروض والاحتلال والأوضاع اللاإنسانية التي نعمل من خلالها، ينظر فيها. وإن ثبتت، يتم اتخاذ الإجراءات الانضباطية المناسبة. وعلى سبيل المثال فقد طلبت الأونروا من إدارة فيسبوك إلغاء أكثر من تسعين موقعاً لأفراد وجماعات استخدمت اسم الأونروا وشعارها من دون تصريح". أضافت أن "عدداً قليلاً جداً من العاملين خرقوا سياسة الحيادية، وتبيّن أن معظم الصفحات الإلكترونية التي نسبت إلى الوكالة والعاملين فيها هي إما مزوّرة أو انتحلت شخصيات أفراد وجماعات وتم إيقاف معظمها".
وتوضح مصادر من الأونروا في فلسطين لـ"العربي الجديد" أن إسرائيل ترصد حسابات موظفي الوكالة وتوثّق أي منشور لهم يهاجمون فيها قوات الاحتلال أو يهاجمون الوكالة. بالنسبة إليها، هم يحملون مسميات وظيفية خاصة بها ويحرّضون عليها، بالتالي أصبح موظفو الأونروا، وخصوصاً المدرّسين، تحت الرقابة من قبل دولة الاحتلال من جهة والوكالة من أخرى.
اقرأ أيضاً: تلاميذ غزّة يعودون إلى مدارس الأونروا
وفي السياق نفسه، يشدّد الناطق الرسمي باسم الأونروا في فلسطين، سامي مشعشع، لـ"العربي الجديد" على أن استخدام مواقع التواصل من قِبل موظفي الوكالة يجب أن يكون حيادياً. ويقول: "الكل في الوكالة يعرف مفهوم الحيادية في جميع القضايا، وعلى العاملين تقديم واجباتهم بأكمل وجه ضمن أطر محددة لكي لا تضعف خدماتها المقدمة للاجئين".
وكان المدرّسون قد عبّروا عن تعجّبهم من "سياسة التضييق" التي قرّرت الأونروا انتهاجها، لأن المدرّس الفلسطيني لطالما كان يغذّي تلاميذه بروح الدفاع عن أرضه الفلسطينية ويشجّعه على مناهضة أي اعتداء إسرائيلي، بهدف خلق جيل يدافع عن أرضه. وراحت تزداد المخاوف من مراقبة المدرّسين في داخل مدارسهم، ومحاسبة كلّ من يحكي لتلاميذه عن قضايا يعاصرونها من انتهاكات الاحتلال. وهذا ما قد يهدّد مستقبل آلاف المدرّسين والعاملين في القطاعات الأخرى.
إذا أردنا الاطلاع على واقع المدرّسين في مدارس الأونروا لغاية الفترة التي سبقت العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في عام 2014، يمكن القول إنهم كانوا يتمتعون بحرية كاملة للتعبير عن موقفهم من أي عملية يرتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين. وكان عدد كبير من التظاهرات يخرج خلال الانتفاضة الأولى (1987) والثانية (2000) من أمام بوابات مدارس الأونروا، وكان المدرّسون الذين يشاركون فيها كثيرين يرفعون لافتات ضدّ الاحتلال ويحيّون المقاومة.
إلى ذلك، يقول مدير إحدى مدارس الأونروا في إقليم غرب غزة، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، "تفاجأنا من اتصالات إدارة الأونروا لتبليغ المدرّسين بعدم نشر أي تدوينات ضدّ الاحتلال، للحفاظ على مناصبهم ولقمة عيشهم". ويعبّر عن تعجّبه، لافتاً إلى أنه "من الطبيعي أن يعبّر المدّرسون والعاملون في الوكالة عن تضامنهم مع بلادهم المحتلة وأن يهاجموا الاحتلال. البلاد مغتصبة، ولا بدّ من مراعاة ذلك". يضيف أن المدرّس هو صاحب قضيّة، ويجب أن يعزّز قيم الانتماء إلى الوطن، تماماً كما تطلب منه الوكالة الانتماء إليها. تجدر الإشارة إلى أن بعض القياديين الأكثر تأثيراً على صعيد الأحزاب والمقاومة الفلسطينية في غزة، كانوا في الأساس مدرّسين في الأونروا يمارسون عملهم من دون أي قيود على حريتهم السياسية، وكانوا ينشطون سياسياً.
اقرأ أيضاً: شيماء العقاد.. حملات للتبرّع بالدم تنقذ مرضى غزة
محمد مصطفى (اسم مستعار) واحد من المدرّسين الذين تلقوا أخيراً تحذيراً من إدارة الأونروا في حال استمرّ في التعبير عن قضايا انتفاضة القدس الحالية ومهاجمته دولة الاحتلال. وكانت تدويناته قد وُثّقت وأرسلت إلى إدارة الوكالة في فلسطين على أنه محرّض على الاحتلال. وقد كتب في إحدى تدويناته: "دولة الاحتلال تدّعي أننا إرهابيون عندما نقوم بطعن المستوطنين غير الشرعيين، ولا تنظر إلى جرائم الحرق والقتل التي يرتكبونها". يقول: "إذا كان الأمر يتعلق بأن نصبح بلا رأي، فهذا لن يجدي نفعاً". ومنذ تلك اللحظة، لم يعبّر عن أي موقف على موقع تواصل اجتماعي، واصفاً نفسه بـ"مواطن يعيش من دون إحساس". ويشير مصطفى إلى أنّ هذه القضية في الوقت الحالي تشغل عدداً كبيراً من المعلمين، لا سيما أنهم تلقوا بأكثرهم تحذيرات.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي خدمت القضية الفلسطينية وأبرزتها، إلا أنه لا يمكن غضّ الطرف عن سلبياتها الكثيرة على فلسطينيين كثيرين. هي تمكّن دولة الاحتلال من مراقبة بعض الناشطين والموظفين في مختلف القطاعات، وتتبّع أبرز نشاطاتهم وآرائهم في قضايا تتعلق بالاحتلال.
وتقول مصادر من الأونروا لـ"العربي الجديد"، "إن عبّر موظف عن موقفه من قضية بحسب وجهة نظره الشخصية، فلا مانع في ذلك. لكن التعبير انطلاقاً من موقعه الوظيفي في الوكالة، فهذا أمر لا يلقى استحسانها وهو قد يحاسب على ذلك. وهذا بند من ضمن عقود العمل". وتشير إلى أن جمعية "بني صهيون" الإسرائيلية تراقب وتتتبّع عدداً من حسابات موظفي الأونروا وترصد كل عمليات التضامن، وتقدّمها على أنها "عمليات تحريض لموظفي مؤسسات دولية في غزة، وعدم احترام المواثيق الدولية". وهي بالفعل رفعت دعوى على الوكالة، مدّعية أن الموظفين يحرضون على إسرائيل باسم الوكالة.
اقرأ أيضاً: الانتفاضة توحّدنا