وفاة مواطن مصري في مركز للشرطة نتيجة التعذيب

21 يونيو 2023
المواطن المصري صالح رحيم الذي توفي في مركز شرطة (فيسبوك)
+ الخط -

وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ملابسات وفاة المواطن صالح رحيم من جرّاء التعذيب، في مركز شرطة مدينة العدوة بمحافظة المنيا جنوبي مصر، منذ إلقاء قوات الأمن القبض عليه عصر يوم الخميس في الثامن من يونيو/ حزيران 2023 وحتى وفاته في اليوم نفسه. وتضمّن توثيق الشبكة "صراخه واستغاثاته الصادرة من داخل غرفة حجز مركز العدوة"، وكذلك استلام عائلته جثّته ودفنه في مقابرها الخاصة.

وبحسب ما أفادت به الشبكة، فإنّ المواطن صالح عبد الستار سعد رحيم، البالغ من العمر 41 عاماً والمقيم في قرية الفردوس مركز العدوة بمحافظة المنيا، هو أب لأربعة أولاد أكبرهم يبلغ 13 عاماً، وكان يعمل خفيراً في إحدى الأراضي الزراعية.

وأضافت أنّه كان يستحمّ بملابسه الداخلية في "بحر يوسف" (قناة مائية أو ترعة تربط النيل بواحة الفيّوم) القريب من محلّ إقامته وعمله وبصحبته محمد ابن شقيقه صلاح، عصر يوم الثامن من يونيو الجاري، عندما فوجئ بقوة أمنية مؤلّفة من سبعة عناصر بلباس مدني وبقيادة ضابط المباحث محمد الجبالي، فألقت القوة القبض عليه وعلى ابن أخيه، علماً أنّهما تعرّضا للضرب والسبّ أمام المارة من أهالي القرية، قبل اقتيادهما إلى الحجز في مركز شرطة العدوة.

وفي تقرير مطوّل أصدرته الشبكة الحقوقية، جاء أنّ رحيم تعرّض لضرب مبرح وسُمع صراخه واستغاثته من خارج غرفة الحجز لأقلّ من نصف ساعة، وكانت تلك المدّة "كفيلة بإنهاء حياته" من جرّاء قسوة التعذيب. وهو لم يُترك قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، و"نُقل مباشرة إلى مستشفى العدوة الحكومي وقد فارق الحياة".

وبعد وقت قصير، تلقّت عائلة رحيم اتصالاً هاتفياً من مركز الشرطة وآخر من مستشفى العدوة الحكومي أفاداها بوفاته وبضرورة حضورها لاستلام جثّته وإتمام إجراءات الدفن، بحسب التقرير الحقوقي نفسه.

وبيّنت الشبكة المصرية في تقريرها أنّ علامات زرقاء كانت ظاهرة على بطن رحيم وعنقه وقد أُخذت عيّنات لفحصها من قبل الطبّ الشرعي، موضحة أنّ ذلك كان "واضحاً للعيان في أثناء غسل جثمانه في مغسلة مستشفى العدوة الحكومي"، من دون أن تتسنّى معرفة ما إذا كان قد تعرّض لـ"كسور أدّت إلى الوفاة بهذه السرعة".

وفي هذا الإطار، تواصلت الشبكة مع أحد الأطباء الشرعيين الذي أفاد بأنّ الوفاة بهذه السرعة تشير إلى أنّه لا بدّ من أن يكون قد تعرّض لتعذيب وحشي. أضاف أنّه من المرجح أن يكون أحد أسباب الوفاة بهذه السرعة كسراً إلى جانب نزيف داخلي حاد في مناطق من الجسم، وفي الرأس غالباً.

ووفقاً للتقرير نفسه، سُجّل سخط وغضب عارمان بين عائلة رحيم وأهالي قريته، وذلك بعد أنباء عن إعلان لوزارة الداخلية المصرية تفيد فيه بأنّ وفاته أتت بشكل طبيعي في مركز شرطة العدوة، من دون انتظار نتيجة تقرير الطب الشرعي. وازداد غضب الأهالي بعد معرفتهم بوفاته من جرّاء التعذيب.

وأفادت الشبكة المصرية بأنّ وزارة الداخلية قابلت "ثورة الأهالي بإطلاق الأعيرة النارية، والقبض على بعضهم وسحلهم. واستدعت الأجهزة الأمنية قوات إضافية حاصرت مركز الشرطة والمستشفى، حيث كان أهالي المتوفى في انتظار جثمانه، وألقت قوات الأمن القبض على 15 من المواطنين من بينهم ناجي صالح، ابن ضحية التعذيب البالغ من العمر 13 عاماً، وعدد من أقاربه وأهالي قريته".

أضاف تقرير الشبكة أنّ زوجة رحيم وشقيقه اتّهما "ضابط المباحث محمد الجبالي بأنّه مسؤول عن تعذيب رحيم ووفاته، وقد أجبر محمد ابن شقيق رحيم الذي كان معه لحظة القبض عليه (...) وفي غرفه مجاورة له في حجز مركز الشرطة، على تغيير أقواله التي أدلى بها وتحدّث فيها عن سماعه صراخ عمّه واستغاثته من جرّاء التعذيب قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة".

وكانت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قد رصدت حالات وفاة عديدة لمواطنين في أقسام الشرطة، في الأعوام الماضية، نتيجة تعرّضهم للتعذيب المفضي إلى الموت، في حين دأبت الداخلية على نفي وقوعه.

وأكّدت الشبكة أنّ التعذيب في أقسام الشرطة "يتمّ بمنهجية، وهو نتيجة طبيعية لعدم محاسبة المتورّطين فيه والقائمين على إدارة الأقسام، وتخاذل النيابة العامة في أداء دورها". وأعربت عن "أسفها لكون سياسة الإفلات من العقاب هي السياسة المتبعة حالياً من قبل أجهزة الأمن، والتي بثّت الراحة والطمأنينة في نفوس ضباط وأفراد وزارة الداخلية وشجّعتهم على مزيد من الانتهاكات من دون رقيب أو حسيب".

وإذ دانت الشبكة الحقوقية جريمة تعذيب رحيم، طالبت النائب العام المصري بفتح تحقيق وتقديم المتورّطين في وفاته إلى المحاكمة، وإخلاء سبيل الموقوفين الخمسة عشر، من بينهم ابن الضحية. كذلك طالبت الشبكة بمراقبة أماكن الاحتجاز من أقسام الشرطة والسجون، وتفتيشها باستمرار ومن دون سابق إنذار، للوقوف على الجرائم المرتكبة بحقّ المحتجزين وتقديم المتورّطين فيها إلى المحاكمة.

تجدر الإشارة إلى أنّ مصر كانت قد وقّعت في عام 1986 على اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﻨﺎهضة اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ وﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺿﺮوب اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ أو اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ أو اﻟﻼإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻤﻬﻴﻨﺔ التي كان نصّها قد اعتُمد من قبل الأمم المتحدة في عام 1984، علماً أنّها لم تدخل حيّز التنفيذ إلا في عام 1987.

المساهمون