مؤرخون يفندون أكاذيب بيع الفلسطينيين أراضيهم خلال النكبة

مؤرخون يفندون أكاذيب بيع الفلسطينيين أراضيهم خلال النكبة

15 مايو 2023
الأجيال الجديدة متمسكة بالعودة إلى أرض الأجداد (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -

تحلّ ذكرى النكبة سنوياً لتجدد عهد الفلسطينيين تجاه الحفاظ على أرضهم في مواجهة محاولات الاحتلال لإجبارهم على التخلي عن هذا الحق، كما توقظ حنينهم إلى مسقط رأس أجدادهم الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية تحت تهديد السلاح، وبعد ارتكاب مجازر عدة راح ضحيتها الآلاف.

ويواصل مؤرخون ومختصون تفنيد مزاعم وأكاذيب رائجة متعلقة بتخلي الفلسطينيين عن أرضهم، ويستعرضون الكثير من الجرائم التي أجبرت كثيرين منهم على الهجرة أو النزوح، مؤكدين ضخامة العدوان الذي طاول الشعب الفلسطيني من العصابات الصهيونية بالتعاون مع الانتداب البريطاني، وأحيانا من بعض أبناء جلدتهم من العرب.
يقول الرئيس السابق للائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، سعود أبو محفوظ لـ"العربي الجديد"، إن "دولة الاحتلال قامت على 5 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، وهذه النسبة تسقط أكذوبة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم. كل ما بيع لا يتجاوز 300 كيلومتر، وقامت به قلة من الإقطاعيين الذين اقتصت منهم ثورة 1936، لكن أغلبية الأراضي التي جرى تسريبها عنوة عن طريق الانتداب البريطاني، أو عبر مرابين وعائلات غير فلسطينية، إضافة إلى الاستيلاء على أراضي المعسكرات الإنكليزية بعد انتهاء الانتداب، ولا يمكن تجاهل قانون الأراضي الذي رسمه إبراهيم باشا، قائد الجيش المصري الذي اجتاح فلسطين في سنة 1830، والذي أعاد تشكيل المنطقة بطريقة تهيئ لقيام دولة الاحتلال عبر التشريعات التي تتعلق بالأراضي، والتي جرى تسريبها لاحقاً إلى الوافدين اليهود".
ويوضح أبو محفوظ: "عندما حدثت النكبة في عام 1948، لم يهرب الفلسطينيون، ولم يبيعوا أرضهم، لكنهم لم يكن لهم دولة، بل مجموعات من الفلاحين والبدو البسطاء الذين خرجوا من تحت الانتداب، ليجدوا أنفسهم في مواجهة ثلاث منظمات إجرامية، هي شتيرن، والأرغون والهاغانا، والتي كانت تضم نحو 65 ألف مقاتل مسلح، بينما كانت الجيوش العربية تضم نحو 14 ألف مقاتل فقط، كما حيل عملياً بين الفلسطينيين والدفاع عن أرضهم. استشهد نحو 12 ألف فلسطيني، وهزمت الجيوش العربية في عام 1948، ولا ننسى قبل ذلك هدنة 1936، والتي دعا فيها القادة العرب الفلسطينيين إلى الراحة بناء على وعود بريطانية".

يتهم لاجئون فلسطينيون زوراً بالتخلي عن أراضيهم مقابل منافع مادية

يضيف: "هناك من يريد اتهام الفلسطينيين بأنهم باعوا أرضهم كمبرر للتخاذل. الشعوب المغلوبة تخضع للغالب، وبعض الدول الأوروبية جرت بعد الحرب العالمية الثانية السيطرة على أراضيها، وأجبرت شعوبها على التعاون مع المحتلين، لكن ذلك لم يقبله شعب فلسطين. الكيان المحتل هو ثمرة إجرام عصابات دمرت 517 قرية، ولم تسلم منها أي من المدن الفلسطينية الـ16. كل المدن الفلسطينية قاومت، اللد ويافا وغيرهما، وكل قرى يافا سجلت ملاحم، لكن العصابات كانت لديها أساليب إبادة زرعت الرعب في القلوب، والكل يعلم ما حصل في مجزرة دير ياسين. في بئر السبع، وبتدخل من الجيش الإنكليزي، قتل نحو 6 آلاف فلسطيني، ورغم ذلك رفض الكثير من أهلها المغادرة، بينما أجبرت جرائم التطهير العرقي والديني كثيرين على الهجرة. ارتكبت العصابات أكثر من 200 مجزرة بحق الفلسطينيين، وليس 21 مجزرة كما هو رائج، آخرها كانت مجزرة الناقورة، لكن في ذلك الوقت، لم يكن هناك إعلام وتصوير كما هو الحال اليوم لتوثيق المجازر، وكانت دولة الاحتلال مدعومة من 112 دولة، فيما أغلب الأنظمة العربية التي ينبغي أن تدعم الفلسطينيين مفروضة على شعوبها من الخارج، وبالتالي خذلت الفلسطينيين".

الصورة
غادر الفلسطينيون أرضهم تحت تهديد السلاح (Getty)
غادر الفلسطينيون أرضهم تحت تهديد السلاح (Getty)

ويتابع: "أنا لاجئ، وأبي لاجئ، وجدي لاجئ، لكن منظمة التحرير الفلسطينية، وعبر اتفاقية أوسلو، ثم الأردن عبر اتفاقية وادي عربة، وفرتا أساساً لعدم عودتنا، ومكنتا إسرائيل من استحقاقات لم تكن تحلم بها. البعض يقول إن الأجيال الجديدة لن تنسى، لكن الأجيال تنسى، والكبار ماتوا، ولولا المقاومة لنسي كثير من الناس فلسطين، والقرارات الدولية، ومنها قرار الأمم المتحدة 118 الذي أقر بإقامة دولة الاحتلال، أرحم من اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة بحق اللاجئين الفلسطينيين، فنحو نصف الشعب الأردني لاجئون، ولهم الحق بتقرير مصيرهم، لكن مقابل بمساعدات تافهة، أكدت اتفاقية وادي عربة على توطينهم، ولا نعرف ما هي خطط الحكومة الأردنية لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم".
بدوره، يقول المؤرخ نواف الزرو، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن بيع الفلسطينيين أراضيهم أكذوبة تروجها الغرف السوداء الصهيونية، وينساق خلفها بعض العرب الذين يريدون أن يسقطوا مسؤولية ضياع فلسطين عن كاهلهم، علماً أن الحركة الصهيونية لم تمتلك حتى عام النكبة سوى 6 في المائة فقط من مساحة فلسطين، بينما سيطرت على بقية الأراضي عبر سياسات التطهير العرقي، وهناك كتاب للدكتورة بيان نويهض، بعنوان (من باع أراضي فلسطين)، تكشف فيه أن عائلات سورية ولبنانية إقطاعية باعت مساحات كبيرة من الأراضي للصهاينة".
يضيف الزرو: "جرائم الحرب الصهيونية طاولت كل مجالات الحياة الفلسطينية، ولم تترك بيتاً فلسطينياً لم تلحق به الأذى، إلى أن وصلنا إلى المشهد القائم حالياً. فلسطين العربية من بحرها إلى نهرها تحولت إلى (أرض إسرائيل)، بينما جرى تهجير أهل البلاد الذين باتوا مشتتين على أكثر من 60 مخيماً للاجئين في المنطقة العربية، ويوثق المؤرخون أنه لم يكن بالإمكان تفريغ البلاد قبل غزوها لولا التواطؤ الاستعماري البريطاني، وسياسات التطهير العرقي، فالاستراتيجية الصهيونية تبنت ذبح أكبر عدد من الفلسطينيين، وإرهاب وترويع الآخرين لإجبارهم على الرحيل".

الصورة
غالبية جيل النكبة الفلسطينية فارق الحياة (لورنت ماوس/Getty)
غالبية جيل النكبة الفلسطينية فارق الحياة (لورنت ماوس/Getty)

ويوضح: "الأكاديمي إيلان بابيه، صاحب كتاب (التطهير العرقي في فلسطين)، أكد شن التنظيمات الإرهابية الصهيونية حملات تطهير ضد الشعب الفلسطيني بهدف تفريغ البلاد لإحلال اليهود فيها، وأن الحركة الصهيونية وضعت خطة مكتوبة للتطهير العرقي قبل النكبة بسنوات، كمقدمة لإقامة دولة يهودية بقوة السلاح، ويورد الكتاب رسالة كتبها دافيد بن غوريون لابنه في عام 1937، يؤكد فيها ضرورة طرد العرب من فلسطين عنوة عندما تحين اللحظة المناسبة للحرب، وكما هو موثق في عدد لا حصر له من الكتب والدراسات والوثائق والشهادات الحية، فقد قامت العصابات الصهيونية بارتكاب سلسلة مذابح جماعية بشعة، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، من نساء وشيوخ وأطفال، بغية تفريغ الأرض، وما تزال تداعياتها الإنسانية مستمرة حتى اليوم".
ويشير الزرو، إلى أنه "بعد نحو خمسة وسبعين عاماً، لم يتوقف نهج المذابح والمجازر، والكثير منها ترتقي إلى مستوى (المحرقة)، بل باتت العمود الفقري للاستراتيجية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والذي يواجه المزيد من النكبات والمحارق".
في ذات السياق، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعودة واللاجئين "عائدون"، كاظم عايش، لـ"العربي الجديد": "نعمل على توضيح وتكريس الرواية الحقيقية لما جرى في فلسطين في ظل محاولات تشويه حقائق التاريخ من قبل الاحتلال، ومن بينها محاولة ترويج أن هناك فلسطينيين باعوا أرضهم، أو ترويج سيناريوهات مختلقة للجوء الفلسطيني، وبث رسائل كاذبة حول أسباب خروج الفلسطينيين من بلادهم، والحديث عن هجرة طوعية إلى الدول العربية، وكأن فلسطين أرض بدون سكان. الرواية الحقيقية أن الانتداب البريطاني مكن اليهود من الاستيلاء على الكثير من أراضي الفلسطينيين بطرق مختلفة. فلسطين كانت بلادا مزدهرة، وكان هناك مرابون وإقطاعيون وعائلات غير فلسطينية تمتلك أراضي فيها، خاصة وأن فلسطين كانت جزءا من الدولة العثمانية، وهؤلاء الملاك تخلوا عن بعض أراضيهم، لكنها نسبة لا تذكر بالنسبة لمساحة فلسطين التاريخية".
ويتابع عايش: "ما جرى في فلسطين هو حرب، فاليهود قبل عام 1917، لم يملكوا أكثر من واحد في المائة من الأرض، وحكومة الانتداب حاولت الضغط على الفلسطينيين لسلب أراضيهم عبر سن تشريعات جديدة، وزيادة الضرائب من أجل تسهيل حصول اليهود على مزيد من الأراضي. في عام 1948، شهدت الأراضي الفلسطينية أكثر من 25 مجزرة بحق السكان الفلسطينيين، من أجل تخويفهم وتهجيرهم من أراضيهم. هرب بعض السكان، وطرد آخرون. أكثر من 500 قرية فلسطينية جرى محوها من الوجود، وسكانها خرجوا منها بقوة السلاح، وليس طواعية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يواصل: "ما حدث كان جزءا من مؤامرة كبيرة على الشعب الفلسطيني، فبعد معاناة الحرب، بدأت معاناة اللجوء، فالغالبية لم يحملوا سوى قليل من المتاع، وعانوا بسبب الفقر، وتنقلوا بين المخيمات، ولو صدقت الروايات الصهيونية حول بيع الأراضي لما عانى الفلسطينيون من الفقر بعد التهجير. المعاناة موثقة بالصور، والمنظمات الدولية، وخصوصاً (أونروا) شاهدة على ارتكاب الصهاينة مجازر لإجبار الفلسطينيين على ترك وطنهم، وأي روايات أخرى هي مختلقة".

ويشدد كاظم عايش على "أهمية ربط الأجيال الجديدة من اللاجئين بوطنهم، فالعدو يراهن على الزمن لتوطين اللاجئين، ونسيانهم الأرض، لكن تمسك الفلسطينيين بوطنهم أمر فطري، حتى اللاجئون في الدول الغنية كالولايات المتحدة وأوروبا الذين يعيشون في أجواء مريحة اقتصاديا، لا أحد منهم ينسى فلسطين، وغالبية اللاجئين في الأردن، والمنطقة العربية عموماً، يحلمون بالعودة إلى ديارهم. لكن المؤسسات الرسمية العربية خضعت للمؤسسات الدولية والقوى الكبرى في قضايا اللاجئين، رغم أن هناك قرارات دولية حول حق العودة، والتعويض عما أصابهم. كثير من المواقف العربية السابقة التي كانت تؤكد على ضرورة عودة فلسطين التاريخية إلى أهلها الأصليين تغيرت، أو تراجعت مع ضغوط دولية متزايدة، وهرولت بعض الدول إلى التطبيع مع الاحتلال، وينبغي العمل على عودة الزخم للمطالبة بحقوق الفلسطينيين، فخطر الاحتلال ليس قائماً في فلسطين وحدها، بل في مختلف الدول العربية".

المساهمون