كارثة غزة البيئية... الموجة الحارة تفاقم تداعيات تكدّس النفايات

كارثة غزة البيئية... الموجة الحارة تفاقم تداعيات تكدّس النفايات

27 ابريل 2024
تتراكم النفايات في كل مكان في قطاع غزة (عبد زقوت/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان قطاع غزة يواجهون أزمات متعددة بسبب الاكتظاظ وارتفاع درجات الحرارة، مع تراكم النفايات وعيش النازحين في خيام هشة تفتقر للحماية من الحر والخصوصية، مما يزيد من صعوبة الأوضاع خاصة في المناطق الشمالية.
- النساء والسكان يعانون من ظروف قاسية تشمل الحر الشديد، نقص المياه، وتكاثر الحشرات والقوارض، بينما يحاول البعض مناشدة الجهات الدولية للحصول على مساعدة لمواجهة هذه التحديات.
- مبادرة بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و"أونروا" لدعم إدارة النفايات في رفح وخانيونس والمنطقة الوسطى تساهم في جمع النفايات والتخفيف من المخاطر البيئية، لكن الوضع يظل صعبًا في المناطق الشمالية بسبب تقييد الحركة والحصار.

يعيش أهالي قطاع غزة أزمات متفاقمة داخل مناطق النزوح من بينها تكدّس النفايات وسط اكتظاظ كبير داخلها وفي محيطها وفي مراكز الإيواء، وتتفاقم الأزمات مع ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت الخميس الماضي إلى 40 درجة مئوية.

تتكدس النفايات في كل مكان في قطاع غزة، في ظل عدم وجود إمكانية لرفعها بشكل يومي، وتظل أزمة النفايات أكبر في المنطقة الشمالية منها في مناطق الجنوب والوسط، كما تحوّلت الخيام التي يوجد فيها النازحون على الحدود المصرية إلى ما يشبه الأفران، فالنازحون يعيشون في خيام هشة لا يمكن أن تقيهم حرارة الشمس، خصوصاً أنها تقع في منطقة صحراوية منعزلة باتت مكتظة بعشرات الآلاف. 
تعيش عناية أبو إسلام في منطقة الخيام، وهي تشعر بالحسرة بسبب اضطرارها إلى الوجود في تلك المنطقة، في ظل الحر الشديد، فضلاً عن المشكلات التي تواجهها النساء اللواتي يعانين من تقييد حريتهنّ في اللباس، مع عدم وجود أي مساحة للخصوصية، إلى جانب عدم توفر المياه، أو أماكن مخصصة للاستحمام، كما لا تتوفر لدى كثيرات ملابس مناسبة، ويعاني الجميع من فقر يمنعهم من شراء ملابس أو مستلزمات تقيهم الحر أو تعينهم على مواجهته، وهي تشكو من روائح القمامة المتراكمة بين الخيام، والتي تؤدي إلى تكاثر الحشرات والقوارض.

قطاع غزة منذ سنوات من أزمة تكدّس النفايات ونقص في المكبات

نزحت أبو إسلام من مدينة غزة، وواجهت ظروفاً صعبة خلال رحلة التنقل، لكنها تؤكد أن الصعوبات وصلت إلى ذروتها، وتصل في بعض الأيام إلى عدم القدرة على الحصول على هواء جيد، وأحياناً تستيقظ من النوم نتيجة الاختناق من شدة روائح النفايات المحيطة. تقول لـ"العربي الجديد": "أنشأ زوجي خيمتنا عند وصولنا قبل شهرين، ولم يمرّ كثير من الوقت حتى تراكمت النفايات في كل مكان، وكنا في البداية نتجاهل ذلك لأننا نازحون، وربما نغادر المنطقة في أي وقت، لكن بمرور الوقت، ونتيجة التصريف البطيء وتزاحم الناس، أصبحنا نشعر بخطرها، خصوصاً مع ارتفاع الحرارة، ومع روائح النفايات المنتشرة ظهر كثير من الحشرات، وبعض أنواع القوارض، وبعضها أراها للمرة الأولى في حياتي".
تضيف أبو إسلام: "يقوم عدد من النساء والرجال برفع النفايات يومياً، لكن الناس يواصلون رمي المزيد منها لعدم وجود حاويات قريبة. تعرّض أفراد من عائلتي لإصابات أثناء وجودنا في مدينة غزة، وابنتي الكبرى نادين استؤصلت إحدى كليتيها، وتدهورت حالتها الصحية، وهي تعاني حالياً من ضيق تنفس مع ارتفاع درجات الحرارة، وتشعر بآلام متواصلة في منطقة العملية الجراحية".

الصورة
تتكدس النفايات في شوارع مدينة غزة (فرانس برس)
تتكدس النفايات في شوارع مدينة غزة (فرانس برس)

يسكن همام أبو زر في منطقة الخيام بالقرب من منطقة المواصي في مدينة خانيونس منذ انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة، ويحاول مع مئات من السكان إرسال مناشدات للجهات الدولية لمساعدتهم على مواجهة الحر وانتشار النفايات في كل مكان، ما تسبب في ظهور كثير من القوارض والحشرات التي تهددهم بشكل متواصل.
يقول أبو زر لـ"العربي الجديد": "واجهنا خلال الأيام الماضية موجة حرارة خانقة، عدا عن انتشار الحشرات في الخيام، وهناك أمراض معدية كثيرة أصابت الأطفال الذين يعانون من انعدام مستلزمات النظافة. حياتنا لا تطاق بكل معنى الكلمة، وأطفالي ظهرت أعراض الأمراض الجلدية على أجسادهم، والحرارة المرتفعة تجعلنا لا نستطيع التنفس، والخيام تتحوّل إلى ما يشبه الأفران، ومشكلة التخلّص من النفايات تتسبب في تلوث الهواء، ولا تستغربوا سماع أنباء وفاة أطفال من الحرّ خلال الأيام المقبلة، فالأمراض باتت تحاصرنا مع الاحتلال، ونحن مستسلمون لظروفنا الصعبة".

يعيش سكان شمال غزة في ظروف بيئية صعبة بسبب الدمار وتقييد الحركة

ويعيش سكان المنطقة الشمالية من القطاع في ظروفٍ صعبة، في ظل تدمير الاحتلال ناقلات النفايات، وتقييد الحركة في المناطق التي تضم مكبات النفايات، وتقبع العائلات في ظروف قاهرة، بينما توجد أعداد كبيرة منها داخل المدارس ومراكز الإيواء، بعد أن شهدت المنطقة تدميراً واسعاً للمساكن.
يقول مراد أبو حماد، من داخل مدرسة الرمال الإعدادية المشتركة في مدينة غزة، إن "جميع النازحين في المدرسة خرجوا خلال الأيام الأخيرة من الغرف إلى ساحة المدرسة لعدم تحملهم الحرارة الشديدة، في ظل قلة المياه المتوفرة، كما أن روائح كريهة تنتشر داخل المدرسة، بسبب تكدّس النفايات في الشوارع المحيطة". يضيف لـ"العربي الجديد": "عربات النفايات تأتي أحياناً، لكنها لا تكفي لحمل كمية النفايات الموجودة، والناس هنا يعيشون على المتاح من الملابس والطعام والشراب، وهناك انتشار كبير للحشرات بفعل النفايات، وأخاف أن يأتي فصل الصيف بينما نعيش في هذا الوضع".

الصورة
يحتاج رفع النفايات الصلبة إلى جهود كبيرة وقدرات غير متوفرة (محمود عيسى/الأناضول)
يحتاج رفع النفايات الصلبة إلى جهود وقدرات غير متوفرة (محمود عيسى/الأناضول)

وجرى مؤخراً تعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لإطلاق مبادرة لدعم مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظات رفح وخانيونس والمنطقة الوسطى، والتي تشمل توزيع الوقود تحت مراقبة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ونشر عمّال لجمع النفايات.
وتشير وكالة "أونروا" إلى نجاح المبادرة في جمع ما يقرب من 10,000 طن من النفايات من رفح وخانيونس، ما ساهم في التخفيف من المخاطر البيئية، ومعالجة المخاوف المتعلّقة بالصحة العامة في مجتمعات جنوب غزة، رغم تأكيدات النازحين أن عملية إزالة النفايات تسير ببطء، وأن النفايات تتكدّس بشكل متصاعد. لكن الأوضاع تظلّ أفضل كثيراً من المناطق الشمالية حيث يقيد الاحتلال الوصول إليها، وتجرى فيها عمليات محدودة للتخلّص من النفايات من قبل البلديات.
كان المهندس المدني والخبير البيئي عبد السلام النجار أحد العاملين في المشاريع البيئية التي تتولّاها منظمات دولية ضمن جهود وضع خطة مستقبلية حول مستقبل المناخ البيئي في القطاع، والعمل على حلول لأبرز المشكلات البيئية، مثل تلوث المياه والنفايات، وهو يشدّد على أن "كل مشكلات القطاع كانت مرتبطة قبل العدوان بالقرار السياسي وتخفيف الحصار الإسرائيلي. مشكلة قطاع غزة الأساسية هي الاكتظاظ السكاني، وكان الناس يتكدسون داخل مخيمات ومناطق لا تتوفّر فيها مساحات بين المنازل المتلاصقة، والآن انتقلوا إلى بيئة أسوأ من البيئة السابقة، إذ يعيشون في خيام صغيرة متلاصقة، ولا تتاح لهم مساحات كافية للحركة أو لممارسة التفاصيل الحياتية العادية".
يضيف النجار لـ"العربي الجديد": "مشكلة البيئة في قطاع غزة مركّبة، فالاحتلال دمّر الأراضي الزراعية والأشجار وجميع المقومات البيئية، ما ينتج عنه اختلال في النظام البيئي، ومع تغير المناخ وتبدل الطقس يعيش الغزيّون أزمات بيئية غير مسبوقة، في ظل عدم وجود وسائل تبريد، أو سبل للتخلّص من النفايات، فتتزايد الأمراض المعدية والمنقولة. الأزمة متفاقمة في ظل كل هذه المعطيات، وعدم وجود وسائل لتصريف النفايات، والتعامل معها عن طريق الحرق سيؤدّي إلى كارثة بيئية وصحية، خصوصاً أن البيئة في القطاع ساحلية، وتشتدّ فيها الحرارة صيفاً، وأتوقع أن يسقط ضحايا بسبب الأزمة البيئية في حال لم تتوقف الحرب".

يذكر مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في قطاع غزة أن القطاع كان يعاني قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من مشكلة في إدارة النفايات، ولا تتوفر فيه مكبّات نفايات جديدة، في ظل كثافة سكانية كبيرة، ومحدودية الأراضي المتاحة البعيدة عن مناطق السكن، وكانت كمية النفايات التي يتوجب رفعها يومياً من القطاع تتجاوز 1,700 طن يومياً، ولا يوجد سوى مكبّين رئيسيين لاستيعاب هذه الكميات.
وكان مكب جحر الديك الرئيسي شرقي مدينة غزة يستوعب نحو 3,9 ملايين طن من النفايات، لكن المنطقة أصبحت منذ بداية العدوان محاصرة؛ ولا يمكن الوصول إليها، وتراكمت النفايات بمعدل 20 إلى 35 متراً فوق سطح الأرض، كما دمّر الاحتلال القرية المحاذية للمكب، ومنع الوصول إلى المنطقة.
وتؤكّد أرقام المجلس السابقة انخفاض أعداد مركبات جمع النفايات الصلبة في قطاع غزة من 112 إلى 73 مركبة خلال الفترة بين عامي 2017 و2022؛ ومعظم هذه المركبات قديمة، ما يعني أن كلّ مركبة جمع كانت تخدم 21 ألف نسمة، وثمة عامل جمع واحد لكل 3,343 نسمة، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي، دُمّرت أعداد كبيرة من مركبات جمع النفايات، ويعمل ما تبقى منها بطاقة جزئية، لعدم توفر الوقود، أو عدم توفر العمال.

المساهمون