سوريون يحظون بأطراف اصطناعية في ريف دير الزور

سوريون يحظون بأطراف اصطناعية في ريف دير الزور

15 ابريل 2024
صعبة هي معاناة السوريين الذين بُترت أطراف لهم (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ريف دير الزور بسوريا، يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبات في الوصول إلى الأطراف الاصطناعية بسبب الظروف الأمنية، لكن افتتاح مركز للأطراف الاصطناعية في مستشفى "الفرات العام" بأبو حمام قدم بصيص أمل لهم.
- المركز يخدم أكثر من ثلاثة آلاف شخص ذوي الإعاقة، ممول جزئيًا من قبل أهالي المنطقة والإدارة الذاتية، ويساعد المتضررين مثل أسماء الحسين ومحسن الديري وطارق الشمري على استعادة حياتهم الطبيعية.
- يبرز المركز أهمية وجود مثل هذه المرافق لتوفير الدعم والأمل لأكثر من 150 ألف شخص في سوريا فقدوا أطرافًا، مساعدًا إياهم على تجاوز التحديات النفسية والمعيشية والعودة إلى الحياة الطبيعية.

يصعب على السوريين في ريف محافظة دير الزور الشرقي، من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين فقدوا أطرافاً بسبب الحرب أو لأسباب أخرى صحية وغيرها، الوصول إلى مراكز توفّر أطرافاً اصطناعية في شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، أو التوجّه إلى مراكز متخصّصة في تصنيع الأطراف في دمشق، بسبب الظروف الأمنية. وقد أجبر ذلك السوريين من ذوي الإعاقة على تحمّل البقاء من دون أطراف لفترات طويلة، غير أنّ هذه الأزمة شهدت انفراجة بعد انطلاق العمل في مركز تابع لمستشفى "الفرات العام" في بلدة أبو حمام بالريف الشرقي لمحافظة دير الزور قبل نحو أسبوعَين. والمركز هو الأوّل من نوعه في منطقة ما زال سكانها يعانون مخلفات الحرب، تلك التي تسبّب خسارة أطرافهم أو التي تقتلهم، علماً أنّ تنظيم داعش كان يسيطر على المنطقة.

الطفلة السورية أسماء الحسين من بين الأشخاص الذين استفادوا أخيراً من طرف اصطناعي. والصغيرة التي تبلغ من العمر ستّة أعوام، من مدينة الشحيل وقد حصلت على قدم اصطناعية من مركز أبو حمام. ويخبر علي الحسين، والد أسماء، "العربي الجديد" أنّها تعرّضت قبل أشهر لحادث سير وبُترت قدمها اليمنى، وهي تتمرّن في المركز على استخدام الطرف الاصطناعي في الوقت الراهن. يضيف الحسين أنّ الصغيرة تترنّح عند المشي، آملاً بأن تعود إلى حياتها الطبيعية وتتمكّن من اللعب مع الأطفال. يعمل والد أسماء سائق سيارة أجرة في بلدة أبو حمام، وقد توجّه عقب الحادث الذي تعرّضت له طفلته إلى مركز الأطراف الاصطناعية في البلدة. ويلفت الحسين إلى أنّ "الفرح واضح على وجهها" اليوم، بعد حصولها على طرف اصطناعي. أمّا هي فتقول لـ"العربي الجديد": "أدعو الله أن أتمكّن في العام المقبل من الذهاب إلى المدرسة واللعب مع رفيقاتي".

من جهته، أُصيب محسن الديري في خلال غارة جوية، عندما كان في طريقه إلى عمله، الأمر الذي أدّى إلى بتر يده اليمنى. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "على الرغم من الإرادة والقوة لمواجهة وضعي الجديد، فقد عانيت صعوبات نفسية وشعوراً باليأس من جرّاء ما تعرّضت له، خصوصاً في الأشهر الأولى التي تلت عملية البتر. كذلك أثّرت عليّ سلباً الظروف المعيشية الصعبة، إذ لم أعد قادراً على الاستمرار في عملي في مجال البناء، وتوجّب عليّ من ثم البحث عن عمل جديد يتناسب مع وضعي الصحي المستجدّ". ويشير الديري إلى أنّ "تكاليف تركيب الأطراف الاصطناعية والعلاج على نفقة الشخص الخاصة باهظة جداً، لذا توجّهت إلى هذا المركز"، واصفاً إيّاه بأنّه كان "الأمل الوحيد للعودة إلى الحياة الطبيعية مجدداً". ويؤكّد الديري أنّ المركز في مستشفى "الفرات العام" في أبو حمام يوفّر المطلوب للأشخاص الذين فقدوا أيّ طرف ويعيشون في المنطقة، في حين أن المراكز الأخرى في المنطقة بعيدة جداً ومراجعتها ليست أمراً يسيراً.

طارق الشمري من سكان ريف دير الزور وقد استفاد كذلك من خدمات المركز في أبو حمام. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ مرضاً كان قد أصابه برجله قبل 15 عاماً، غير أنّ أعباء السفر وتكاليفه المرتفعة إلى دمشق أو القامشلي حرمته من الحصول على العلاج المناسب في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي سبّب بترها. ويوضح الشمري أنّه "عندما أصبت بمرض في رجلي توجّهت إلى دمشق حيث تلقيت علاجاً حتى اندلاع الأزمة. بعد ذلك قصدت القامشلي ومنها انتقلت إلى إقليم كردستان. ولم أعد قادراً على الحصول على العلاج. وقبل ثلاثة أعوام، تفاقم المرض، الأمر الذي أجبر الأطباء على بتر رجلي". ويتابع الشمري أنّ "قبل مدّة قصيرة، علمت بأنّ المركز يوفّر أطرافاً اصطناعية، فقصدته وحصلت على ما أحتاج إليه مجاناً".

في الإطار نفسه، يخبر منهل الراوي الذي أصيب في القتال الذي دار في المنطقة الشرقية لـ"العربي الجديد": "فقدت كلتا قدميّ نتيجة قذيفة، وقد صارت حالتي النفسية صعبة جداً، خصوصاً بعد توقّفي عن الحركة وحاجتي الدائمة إلى مساعدة من الآخرين. وقد بقيت لنحو أربعة أعوام على كرسي مدولب، وقد فقدت الأمل. أمّا رغبتي الوحيدة فكانت الوقوف مجدداً والعودة إلى الحركة وإلى حياتي اليومية من دون حاجة إلى الاتّكال على الآخرين". يضيف الراوي: "حصلت على طرفَين سفليَّين من المركز وصرت قادراً على المشي. وأشعر بأنّني وُلدت من جديد. فالحياة كلّها تغيّرت مقارنة بما كانت في السابق"، مشيراً إلى أنّ "من الجيّد توفّر مركز للأطراف الاصطناعية في المنطقة، خصوصاً أنّ المراكز المتوفّرة في الأساس بعيدة والوصول إليها متعب ومكلف".

في سياق متصل، يقول المتخصّص الفني في الأطراف الاصطناعية والمشرف على مركز الأطراف الاصطناعية التابع لمستشفى "الفرات العام" في بلدة أبو حمام عماد محمد العلي لـ"العربي الجديد" إنّ "المشروع يقدّم الخدمات للأشخاص الذين بُترت أطرافهم في المنطقة، وهو الأوّل من نوعه فيها". يضيف أنّ "أهالي المنطقة يوفّرون تمويل المركز لجهة توفير المواد التشغيلية، في حين أنّ الإدارة الذاتية وفّرت الأجهزة"، لافتاً إلى أنّ المركز استقبل 10 من الأشخاص الذين يحتاجون إلى تركيب طرف اصطناعي، حتى الوقت الراهن.

ويفيد مصدر طبي لـ "العربي الجديد" بأنّ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة الذين بُترت أطرافهم في ريف دير الزور الشرقي يتجاوز ثلاثة آلاف شخص، نحو 500 منهم في منطقة هجين والشعفة، مع الإشارة إلى أنّ عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافاً في سورية عموماً يتجاوز 150 ألف شخص. وبحسب بيانات صندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية، فقد تعرّض نحو 36 ألف شخص لبتر أطراف في مناطق شمال شرقي سورية، وفي الرقّة وحدها تجاوز عدد هؤلاء 3700 شخص.

المساهمون