القطاع الصحي بغزة: أزمات متتالية وعجز في الإمكانيات

12 أكتوبر 2023
نقلت ابنها إلى مستشفى الشفاء (مصطفى حسونة/ الأناضول)
+ الخط -

حالة من الذهول تشعر بها بمجرد دخولك أي مستشفى من مستشفيات قطاع غزة المكتظة بالشهداء والجرحى، ناتجة عن الأعداد الكبيرة من المصابين أمام استمرار قصف كافة مناطق ومحافظات غزة من طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل الشاهد هنا، أمام استمرار القصف الصاروخي وشدته، وطبيعة الإصابات ونوعيتها وتصنيفها وفداحتها، يقف متأثراً ومذهولاً أمام "إبادة" عائلات بكاملها، حيث إن قصف المنازل على رؤوس ساكنيها أوقع العديد من أفراد عائلات بكاملها ما بين شهداء وجرحى.
وأمام استمرار الاحتلال بقطع الكهرباء يبقى وضع القطاع الصحي هو الأسوأ والأقسى أمام ظروف صعبة تعيشها مستشفيات القطاع منذ حصاره قبل أكثر من 16 عاماً، إلا أن هذه الظروف القاهرة تواجه من قبل إدارة المستشفيات بعمل دؤوب، وتضعها أمام تحد صعب تحاول أن تخرج منه كما خرجت من كل عدوان سابق، محاولة إنقاذ أرواح المصابين.
يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في مستشفى شهداء الأقصى محمد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن عشرات الشهداء من المحافظة الوسطى وصلوا إلى مستشفى، إضافةً إلى مئات الجرحى الذين تتفاوت إصاباتهم. ويؤكد الحاج أن المستشفى عزز قدراته من خلال زيادة عدد الأسرة، وتحويل خدمة النساء والتوليد إلى مستشفى العودة الواقع في مخيم النصيرات، وسط القطاع، وتفريغ قسم القيصريات وتحويله لقسم مبيت للمصابين، في محاولة للسيطرة على الوضع في ظل إمكانيات محدودة متوفرة.
ويلفت إلى أن قسم الاستقبال كاد أن ينهار وتُفقد السيطرة عليه، بسبب عدم توفر كل المعدات اللازمة، إضافةً إلى عدم القدرة على تحويل المصابين في بعض الأقسام كجراحة المخ والأعصاب إلى مستشفى الشفاء المركزي، وبقائهم في المستشفى. يتابع أنه حتى اللحظة وقود المستشفى تحت السيطرة، وفي حال بقاء إغلاق المعابر وبقاء الوضع على ما هو عليه لا يستطيع المستشفى الاستمرار أكثر من أيام.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وعن طبيعة الحالات التي تصل إلى المستشفى، يقول الحاج: "قصفت المنازل وسقطت البيوت على رؤوس ساكنيها، الإصابات تشمل عائلات بأكملها، وهي تتفاوت بين الخطيرة الحرجة والمتوسطة والطفيفة، إضافةً إلى حالات بتر أطراف وإصابات بالغة تم التعامل معها من خلال طاقم الأطباء الموجودين وأجريت للمصابين عدة عمليات، ويتلقون الخدمة حتى خروجهم". ويشير الحاج إلى أن المستشفى لا يوجد فيه طبيب اختصاصي أوعية دموية، لندرة هذا التخصص في قطاع غزة كله، لافتاً إلى أن "الفريق الطبي المتوفر يغطي إلى حد ما كل التخصصات المطلوبة"، ويؤكد أنه في ظل عدد الجرحى الكبير قد لا يستطيع المستشفى التعامل والسيطرة على الوضع، "بسبب كثرة الأعداد وصعوبة الإصابات".

يودعان أحبائهما (عبد زاغاوت/ الأناضول)
يودعان أحبائهما (عبد زاغاوت/ الأناضول)

كما يوضح أن معضلة رئيسية يعيشها مستشفى الأقصى، وهو المشفى الحكومي الوحيد الذي يغطي وسط قطاع غزة، تتمثل بأن معظم أفراد طواقم العمل هم من خارج محافظة وسط القطاع، وأن استدعاء الطبيب لإنقاذ حياة مريض يستدعي توفير وسائل النقل والأمان.
لا يختلف الحال في مستشفى العودة الخاص في شمال القطاع عن باقي مستشفيات القطاع، هذا المستشفى الذي ساهم بالسيطرة على 80 في المائة من حالات النساء والتوليد في كل القطاع نتيجة الضغط الشديد والتكدس في المستشفيات، ونتيجة توقف عمل العيادات الخاصة.

ويتحدث مدير العمليات في مستشفى العودة الطبيب مروان أبو ناصر عن أبرز الحالات التي تصل إليه، والتي جُلّها من الأطفال دون الخامسة عشرة، لافتاً إلى أن "هذا المستشفى يغطي منطقة الشمال وجزءاً من مدينة غزة وكل المنطقة الوسطى، التي يصل عدد سكانها إلى 360 ألف نسمة بفرعها هناك". كما تتلقى مراكز الإيواء والمهجّرين في المدارس الخدمة من المستشفى لقربها منه، ويؤكد أن العلاج مجاني لجميع الحالات، متابعاً أن ذلك "أقل الواجب أمام تضحيات الشعب العظيم، وأمام دماء الشهداء التي سالت من أجل الكرامة".
وتبقى مشكلة الوقود التي يعاني منها كل القطاع نتيجة إغلاق محطات التعبئة أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي، إضافةً إلى العجز في توفير أكياس الدم للحالات الخطرة، فلا يوجد في مستشفى الشفاء المركزي وبنك الدم مثلاً سوى 150 وحدة دم لا تكفي للعدد المطلوب، ما دفع المستشفيات لفتح باب التبرع بالدم.
ويشدد أبو ناصر على عدم تكافؤ عدد أفراد الطواقم الطبية مع عدد الحالات والمصابين، الأمر الذي استدعى الاعتماد على المتطوعين لمحاولة السيطرة على العجز والنقص، لافتاً إلى أن "هناك مؤسسات شريكة تحاول المساعدة"، أمام العجز في الأسرة والغرف والأجهزة المطلوبة، ويشير إلى استشهاد إحدى العاملات في المستشفى الطبيبة رنا شلبي وزوجها وأولادها، إضافة إلى تدمير أكثر من 10 سيارات إسعاف حتى اللحظة بصواريخ الاحتلال.

المساهمون