الصين: اندماج صعب لحملة الشهادات الأجنبية

الصين: اندماج صعب لحملة الشهادات الأجنبية

26 يونيو 2023
لا تزال قيود تشغيل العائدين من الخارج قائمة في الصين (Getty)
+ الخط -

يعاني جيل من الطلاب الصينيين الذين درسوا أو يدرسون في الخارج من تحديات كبيرة تمنع من جهة اندماجهم في بلدان تستضيفهم، وتضعهم من جهة أخرى في مواجهة تحديات داخلية لدى عودتهم إلى بلادهم تتعلق بتفضيلات أرباب العمل، والنظر إليهم باعتبارهم عملاء لجهات أجنبية. 
ويرى خبراء صينيون أن هذا الجيل وقع ضحية تزايد التوترات الجيوسياسية بين بكين والدول الغربية التي تمارس بعضها رقابة مشددة على الطلاب الصينيين، وتضع تدابير صارمة لمنع وصولهم إلى أقسام أكاديمية محددة قد تسمح بسرقتهم أبحاثا حساسة. وخلال السنوات الماضية، وجّهت الولايات المتحدة اتهامات إلى الصين بشأن تجنيد طلاب يدرسون في الجامعات الأميركية لأغراض التجسس، كما رحّلت بريطانيا طلاباً صينيين لمجرد أنهم أبدوا رغبتهم في المشاركة بأبحاث حول التكنولوجيا العسكرية. في المقابل، يثير محافظون صينيون مخاوف من تأثير التعليم الغربي على الجيل القادم، واستخدامه كمعول لهدم المجتمع عبر استهدافه من الداخل.
اضطر الطالب الصيني مارك وانغ، الذي حصل على درجة ماجستير من الجامعات البريطانية، خلال جائحة كورونا قبل ثلاث سنوات، إلى العودة إلى الصين بسبب تدهور الوضع الصحي في القارة الأوروبية، لكنه اصطدم بواقع أسوأ في بلاده التي شهدت إغلاقات متكررة، تطبيقاً لسياسة "صفر كوفيد" الحكومية، كما واجه صعوبات في العثور على وظيفة لأسباب تتعلق بتخوف شركات من توظيف طلاب درسوا في الخارج. 
يقول مارك لـ"العربي الجديد": "ربما كان قرار عودتي إلى الصين أثناء جائحة كورونا الأسوأ الذي اتخذته في حياتي، لكن كان يصعب عليّ أيضاً أن أبقى في بريطانيا خلال فترة شهدت تعرّض آسيويين لتنمر في معظم الدول الأوروبية، ومعاملتهم باعتبارهم ناقلي أوبئة. وتأثر ذلك بوسائل الإعلام الغربية التي حمّلت السلطات الصينية مسؤولية تفشي وباء كورونا في العالم، وكذلك بانتشار معلومات خاطئة عن ثقافة الطعام الصينية، وتصوير الصينيين بأنهم يأكلون ثعابين وخفافيش ولحوم نيئة". 
يضيف: "في ظل هذه التعبئة ضد الآسيويين كان لا بد من اتخاذ قرار العودة الذي ارتبط أيضا بعوامل أخرى تتعلق بتطور المنظومة الصحية في الصين مقارنة بالغرب. وفي المحصلة عدت إلى عائلتي، لكنني دفعت ثمن ذلك البقاء فترة طويلة بلا عمل، إذ تفاجأت حين كنت أتردد على الشركات بمخاوف من توظيف من هم مثلي. وفي إحدى المرات، صارحني مدير شركة بأنه يفضل الخريجين المحليين، وقال لي إن "توظيف أشخاص درسوا في الخارج قد يستدعي تحقيقاً أمنياً تنفذه جهات مختصة".

الصورة
المؤسسات الصينية أكثر ترحيباً بطلاب الجامعات المحلية (زهانغ يونغ/ Getty)
المؤسسات الصينية أكثر ترحيباً بطلاب الجامعات المحلية (زهانغ يونغ/ Getty)

ويعلّق أستاذ العلاقات الدولية في معهد قوانغ دونغ للأبحاث والدراسات، جو شيانغ، بالقول لـ "العربي الجديد": "ليست المخاوف المزدوجة من الطلاب العائدين وليدة التطورات الحديثة الأخيرة لتوتر علاقة الصينيين بالغرب، بل تعود جذورها إلى الفترة التي سيطر فيها الحزب الشيوعي على الحكم في الصين، حين كانت تمارس رقابة شديدة على البعثات لتدارك مخاطر تجنيد الطلاب الصينيين في الخارج. ولم تتحرر هذه القيود إلا بعد إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح نهاية سبعينيات القرن العشرين، لكنها عادت مجدداً إلى الواجهة بعد أحداث العنف في ميدان تيانانمين ببكين عام 1989، حين عزا مسؤولون في الحزب الشيوعي أسباب التمرد وأعمال الشغب إلى هامش الحرية الذي منح للطلاب حينها من أجل الاحتكاك والاطلاع على ثقافات غربية لا تتناسب مع البيئة الاجتماعية الصينية". 
يضيف: "يبدو الوضع مختلفاً اليوم، وقد ترتبط مشكلة عدم اندماج طلاب صينيين بمجتمعات أخرى في كيفية نظر الدول المستضيفة لهم، وطبيعة علاقتها بالصين، في ظل التنافس المحموم في مجالات مختلفة، خاصة قطاع التكنولوجيا. أيضاً أثّرت جائحة كورونا في الأزمة مع تبادل الاتهامات بشأن منشأ الفيروس، وتسويق روايات ونظريات تخدم أجندات خاصة، وتسييس الأزمة الصحية بشكل سيئ، لذا شاهدنا ضغوطاً على الطلاب من كلا الجانبين، فخلال فترة الإغلاقات التي استمرت عامين لم يستطع طلاب صينيون كثيرون العودة إلى ديارهم، وواجهوا سلوكيات عنصرية وتلقوا تهديدات بالموت. ومن عاد منهم خضعوا لتدقيق، ولم يستطيعوا الاندماج بسهولة في الواقع الجديد".

يتابع: "لكن لا يمكن تصوير حالات فردية بأنها عامة، فالأشخاص الذين واجهوا صعوبة في الحصول على وظائف في سوق العمل قد يكونون تعرّضوا لمنافسة شديدة، خصوصاً أن الشهادات الأجنبية لم تعد امتيازاً مع تطور منظومة التعليم في الصين. لكن هذا لا ينفي وجود مخاوف لدى بعض أرباب العمل من توظيف طلاب درسوا في دول أجنبية، خصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن أن بعض هذه الشركات مملوكة للدولة".
ويختم أنه "لا يمكن تعميم أزمة الانتماء واعتبارها حالة عامة يواجهها الطلاب العائدون، لأن هناك نماذج لطلاب نجحوا في الاندماج والانصهار في مجتمعات غربية، وتكوين علاقات وصداقات متينة. كما عاد آخرون إلى ديارهم، وشغلوا مناصب رفيعة وحققوا نجاحات في الشركات الصينية التي عملوا فيها. وهم يعتبرون مثالاً للطلاب الذين درسوا في الخارج، وعادوا لوضع خبراتهم واستثمارها في خدمة مصالح بلدهم".

المساهمون