الشتاء الديمغرافي... توقعات باستمرار تراجع عدد سكان روسيا

الشتاء الديمغرافي... توقعات باستمرار تراجع عدد سكان روسيا

06 مايو 2024
انخفض معدل المواليد إلى 1.4 طفل لكل امرأة (ناتاليا كوليسنيكوفا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- روسيا تواجه تحدياً ديمغرافياً بسبب تراجع مستمر في عدد السكان، مع توقعات بانخفاض من 146.2 مليون نسمة في 2024 إلى بين 142 و136 مليون بحلول 2035 و2050.
- الانخفاض الديمغرافي يعود لتدني معدلات المواليد والأزمات السياسية والاقتصادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، مع صعوبات في جذب المهاجرين لتعويض النقص.
- الحكومة الروسية تحاول مواجهة هذا التحدي بتحفيز الإنجاب عبر إعانات مالية للعائلات وتسهيل إجراءات الهجرة والحصول على الجنسية لدعم النمو السكاني.

على الرغم من سعي السلطات الروسية لتقديم مختلف الحوافز المادية والاجتماعية للعائلات من أجل تحفيزها على الإنجاب من أجل مواجهة تحدي تراجع عدد السكان في القرن الـ 21، يواصل عدد سكان روسيا تراجعه عاماً بعد عام، وسط اتباع روسيا النمط الغربي للأسرة والقاضي بإنجاب طفل واحد أو طفلين حدّاً أقصى في أغلب الأحيان.
وما يزيد من تحديات روسيا في الأزمة الديمغرافية في المرحلة الراهنة هو مرور ثلاثة عقود على تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وما ترتب عليه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وتراجع عدد المواليد في تلك الفترة، ما يعني أن جيل التسعينيات، القليل عدداً أصلاً، دخل سن الإنجاب في السنوات الأخيرة. وتشير بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" إلى أن التراجع الطبيعي (أي الفارق السالب بين عدد المواليد والوفيات) لعدد السكان في روسيا بلغ نحو 130 ألفاً في الربع الأول من عام 2024، قد تعوضها جزئياً حركة الهجرة الوافدة إلى روسيا في الإحصائيات النهائية لتعداد السكان. وبحسب البيانات الرسمية الروسية، سجل عدد سكان روسيا في العام الماضي تراجعاً بمقدار نحو ربع مليون نسمة، ليبلغ 146 مليوناً ونيفاً، غير شاملة المناطق الأوكرانية المحتلة، مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون.
وفي مؤشر آخر إلى آفاق قاتمة للوضع الديمغرافي في روسيا، حذر خبراء مركز التوقعات الشعبية - الاقتصادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في تقرير بعنوان "روسيا 2035 نحو جودة جديدة للاقتصاد" صدر حديثاً، من أن عدد سكان روسيا قد يتراجع من 146.2 مليون نسمة في بداية عام 2024 إلى 142 و136 مليوناً بحلول عامي 2035 و2050 على التوالي. 

ويعتبر رئيس مجلس الإشراف في معهد الديمغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية، يوري كروبنوف، أن تراجع عدد السكان أصبح توجهاً راسخاً في روسيا لن يتغير في السنوات المقبلة، متوقعاً في الوقت نفسه ألا تقتصر هذه الظاهرة على روسيا والدول المتقدمة الأخرى في القرن الحالي. ويقول كروبنوف في حديث لـ "العربي الجديد": "جاء استمرار تراجع عدد سكان روسيا في العام الماضي امتداداً لمفعول العوامل السابقة نفسها، وفي مقدمتها تدني معدل المواليد الذي انخفض إلى مستوى 1.4 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب، وهو ما لا يعوضه تدفق المهاجرين. تراجع عدد السكان سيستمر حتماً في العام الحالي والسنوات المقبلة في ظل قيام معادلة أسرة الطفل ونصف الطفل". ويرجح أن يصبح تراجع عدد السكان قضية عالمية في القرن الـ 21، مضيفاً: "خلال السنوات المقبلة، سيؤدي تراجع عدد المواليد في الدول النامية خلفاً لمثيلاتها المتقدمة إلى توقف الزيادة السكانية على مستوى العالم، ما يعني أن البشرية ستبدأ بالانقراض التدريجي رغم عدم حدوث حروب أو مجاعات عالمية".
ويعزو السبب الرئيسي إلى تراجع عدد المواليد في الدول المتقدمة إلى هدم الكيان الأسري، ملخصاً رؤيته إلى الحل بالقول: "يجب تمجيد الأسر التي تنجب ثلاثة أو أربعة أطفال إعلامياً وثقافياً، وتقديم مختلف أنواع الدعم المادي لها، وإن كان ذلك يتعارض مع النظام الرأسمالي العالمي القائم على مستهلكين عزل".

يتوقع استمرار تراجع عدد سكان روسيا (آرتيم برياخين/ Getty)
يتوقع استمرار تراجع عدد سكان روسيا (آرتيم برياخين/ Getty)

بدوره، يجزم الباحث المستقل في علم الديمغرافيا أليكسي راكشا، هو الآخر باستمرار تراجع عدد سكان روسيا في السنوات المقبلة، معتبراً أنه لن يتسنى تدارك هذا الوضع إلا بتقديم حوافز هامة للعائلات التي تنجب الطفل الثاني أو الثالث. ويقول لـ "العربي الجديد": "تراجع عدد السكان سببه تدني معدل المواليد وتداعيات (الحفرة السكانية) في تسعينيات القرن الماضي، ولا يمكن تدارك هذا الوضع إلا عبر إجراءات تحفيزية هامة مثل منح حوافز مادية مغرية للعائلات عند إنجابها الطفل الثاني فالثالث".
ويتوقع استمراراً لتراجع عدد سكان روسيا، مضيفاً: "تقتضي جميع السيناريوهات الواقعية استمراراً لتراجع عدد السكان على خلفية أصداء تسعينيات القرن الماضي وتدني عدد النساء في سن الإنجاب، ما يعني أن معدل المواليد في السنوات العشر المقبلة سيبقى منخفضاً، وهو ما لن يعوضه تدفق المهاجرين". وتشير تقديرات "روس ستات" إلى أن عدد السكان الدائمين في روسيا بحلول الأول من يناير/ كانون الثاني 2024، بلغ 146.2 مليون نسمة بتراجع قدره 243.8 ألف ساكن (0.17 في المائة)، لكن للمقارنة، تراجع عدد السكان في عام 2022 بـ 532.6 ألف شخص، ما يعني أن الديناميكية السالبة تباطأت.
ولا تشمل هذه البيانات إحصاءات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون الواقعة شرق أوكرانيا، وفق ما تؤكده "روس ستات".

ومن بين الأقاليم الروسية، سجلت مقاطعتا كيميروفو ونيجني نوفغورود أكبر تراجع للسكان بالأرقام المطلقة بواقع 20.2 و20 ألفاً على التوالي. وسجلت مقاطعة موسكو (كيان إداري مستقل يضم ضواحي العاصمة) ومدينة موسكو ومقاطعة تيومين المنتجة للنفط، أكبر زيادة في عدد السكان بمقدار 59.2 و50.5 و41.8 ألف على التوالي. وسجلت 23 إقليماً زيادة لعدد السكان مقابل تراجعه في 62 إقليماً. 
ومن أجل تحفيز العائلات على الإنجاب، تقدم السلطات الروسية إعانات مختلفة لعائلات لديها أطفال، وأبرزها معونة رأس مال الأم التي تتراوح قيمتها بين ما يعادل سبعة آلاف دولار (في حال إنجاب طفل واحد) وتسعة آلاف (عند إنجاب طفلين) لا تصرف نقداً، وإنما مشروطة باستثمارها في تحسين ظروف السكن والتعليم وغيرهما من النفقات التي تعود بالنفع على الأسرة. ومن اللافت أن هذه المعونة باتت تصرف منذ عام 2020 للعائلة عند الإنجاب الطفل الأول وليس بدءاً من الطفل الثاني كما كان الأمر عليه في بدايته. ولا تقتصر جهود روسيا لزيادة عدد سكانها على تحفيز الإنجاب فحسب، وإنما تشمل أيضاً تسهيل إجراءات الهجرة والحصول على الجنسية الروسية، ولا سيما لأزواج المواطنين الروس وزوجاتهم في حال إنجاب طفل مشترك، أي يتم ربط تسهيل التجنس مع الإنجاب ربطاً مباشراً.

المساهمون