اقتحام المستشفيات... الاحتلال الإسرائيلي يقطع شرايين غزة

اقتحام المستشفيات... الاحتلال الإسرائيلي يقطع شرايين غزة

28 مارس 2024
جريح داخل مجمع الشفاء الطبي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المستشفيات في غزة، مما يؤدي إلى تدميرها واعتقال الكوادر الطبية، مما يقتل الأمل لدى الغزيين ويعطل الرعاية الطبية.
- الحصار والعمليات العسكرية تفاقم الوضع الإنساني، مع تقديرات تشير إلى 370 شهيدًا من الطواقم الطبية، مما يعكس الخطر الكبير على العاملين والنازحين.
- منظمة الصحة العالمية تحذر من انهيار النظام الصحي بغزة، حيث تعمل 10 مستشفيات فقط بشكل جزئي من أصل 36، مما يجعل المستشفيات الملاذ الأخير للنازحين والمرضى.

يستمرّ الاحتلال الإسرائيلي في تدمير المستشفيات في قطاع غزة دفعة واحدة، في سياسة ممنهجة تهدف إلى قتل ما تبقى من شريان الحياة والأمل لدى الغزيين، الذين خسروا كل شيء.

وسط استمرار الصمت الدولي، يُواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحام المستشفيات، التي تعدّ شريان الحياة والأمل بالنسبة للغزيين والنازحين منهم. ينزح الناس إلى المستشفيات ومحيطها أملاً بالنجاة من الموت والعلاج في حال الإصابة، إلا أن الاحتلال يعمد إلى اقتحام المستشفيات في وقت واحد، في محاولة لقتل هذا الشريان والأمل بالبقاء.
أعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس الواقعة في الجزء الجنوبي من قطاع غزة صباح الأربعاء الماضي، بعدما كان قد اقتحمه وأخرجه عن الخدمة منتصف فبراير/ شباط الماضي. وجاء الاقتحام بالتوازي مع قيامه بعمليات عسكرية في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الذي أعاد اقتحامه وتدمير محيطه وبعض المباني فيه، بالإضافة إلى قصف محيط مستشفى الأمل في مدينة خانيونس إلى أن أخرجه عن الخدمة مرة أخرى.
وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته بعض المناطق في محافظات قطاع غزة الخمس في بداية شهر رمضان ومحاولة الناس التأقلم وسط الحرمان من الغذاء والإبقاء على سياسة إسقاط المساعدات الجوية وغيرها، لم يتردد الاحتلال في ارتكاب المجازر متعمّداً قتل الغزيين المنتظرين للمساعدات، واقتحام المستشفيات التي سبق أن اقتحمها وقصفها.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي واعتقلت عدداً من الكوادر الطبية والنازحين بعدما فرضت عليه حصاراً بالدبابات والآليات العسكرية بشكلٍ مفاجئ، بحسب شهادات النازحين الذين خرجوا منها إلى مدينة رفح، وذلك على غرار ما حدث في مجمع الشفاء الطبي.
وأطلقت قوات الاحتلال النار باتجاه الشبان النازحين بعدما أمرتهم بإخلاء مجمع ناصر الطبي. تقول النازحة من المجمع أمل الدلو (40 عاماً) إن الاحتلال اعتقل عدداً من الشبان الذين كانوا يتواجدون في قلب المجمع الطبي بالإضافة إلى عدد من الطواقم الطبية أثناء خروجهم، كما رأوا عدداً منهم وطلبوا منهم متابعة الطريق. ثم أطلق النار عليهم وأعاق مسارهم أثناء النزوح. وتقول الدلو لـ "العربي الجديد": "كنت موجودة في المرة الأولى لاقتحام المستشفى، وكان زوجي مصاباً إصابة خطيرة ويحتاج إلى رعاية كبيرة كونه لم يكن قادراً على التنفس بشكل جيد، وقد أغمي عليه نتيجة إصابته قبل ثلاثة أشهر. شاهدت الاقتحام الأول واعتقال عدد من الأطباء والممرضين، وبقيت هنا إلى حين انسحاب الاحتلال جزئياً من المجمع، إلا أنه عاد لاقتحامه مجدداً". 
وتوضح الدلو أن الاحتلال أعاد اقتحامه في ظل تواجد عدد من النازحين داخله، هم الذين ليس لديهم أي خيار بعدما امتلأت رفح بالنازحين في الوقت الذي ينتظر زوجها العلاج في الخارج. تحسن زوجها بعض الشيء وأجبروا على النزوح مجدداً. ونقلته على كرسي متحرك لكن الاحتلال اعتقل عدداً من النازحين وأطلق النار عليهم، وقد وصلوا إلى مدينة رفح في ساعات الليل الأولى من اليوم نفسه.

قتل الاحتلال مؤخراً خمسة أطباء في مجمع الشفاء الطبي بناءً على المعلومات التي وردت من المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بعدما حاصرهم وكان ينوي اعتقالهم. وفي ظل استمرارهم في تأدية مهامهم وعلاج المصابين المتبقين داخل المجمع أثناء العملية العسكرية، عمد إلى إحراق المبنى الطبي الأكبر في مجمع الشفاء - وهو مبنى الجراحات التخصصي. ويشير المكتب الإعلامي إلى أن عدد شهداء الطواقم الطبية وصل إلى 370 شهيداً خلال تأديتهم عملهم، كان آخرهم الممرض يحيى بعلوشة.
من جهة أخرى، يستمرّ الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية ضد مجمع الشفاء الطبي لليوم الـ 11 على التوالي. وكان  طبيب الطوارئ إبراهيم الحسنات ضمن الطواقم الطبية التي تعرضت للحصار، وكان ضمن القلة الذين استطاعوا النزوح من المجمع بعد مضي أربعة أيام تحت الحصار. يعتبر الحسنات أن الاحتلال يتبع سياسة الاقتحامات المستمرة للمستشفيات في وقت واحد لإسقاطها دفعة واحدة حتى يتفرغ لعملياته التي ينوي القيام بها في مدينة رفح. وتقوم الخطة الإسرائيلية على تصفية المستشفيات الواحدة تلو الأخرى وإخراج عدد منها عن الخدمة بدءاً من شمال القطاع، وذلك حين اقتحم مستشفى بيت حانون وأخرجها عن الخدمة خلال الشهر الأول للعدوان، ثم إخراج ثلاثة مستشفيات في وقتٍ واحد عن الخدمة، وهي من أهم وأكبر مستشفيات القطاع في الأيام العشرة الأخيرة، وهي مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي ومستشفى الامل.

بعض من الدمار في مجمع ناصر الطبي (فرانس برس)
بعض من الدمار في مجمع ناصر الطبي (فرانس برس)

ويقول الحسنات لـ "العربي الجديد": "ينزح الناس بحثاً عن الضوء والمياه والمساعدات، ويعانون جراء الجوع والتشرد وغياب مقومات الحياة. كانوا يعتقدون سابقاً أن المستشفى مصدر أمان بالنسبة إليهم لعدم قصفه في الاعتداءات الإسرائيلية السابقة، وإن كان عمد إلى القصف على مقربة من بعض بوابات المستشفيات على غرار مجمع الشفاء الطبي في عدوان عام 2014". يضيف: "بقي لدى الناس والطواقم الطبية القليل من الأمل في المجمعات الطبية والمستشفيات، كونها تقدم المساعدات. فخلال اقتحام مجمع الشفاء الطبي تجمع الناس في داخله، لكن تم تدمير آخر الآمال، ومن الواضح أن الاحتلال لا يريد مستشفيات تعالج المصابين ولا أي مصدر للأمل والعلاج بغزة".  
وأجبر الاحتلال الإسرائيلي بعضاً من الطواقم الطبية، ومنذ اللحظات الأولى لاقتحام مستشفيات في محافظة شمال قطاع غزة، على النزوح مع عائلاتهم، فيما عمد إلى اعتقال واغتيال آخرين، في ظل استمرار الحملات ضد النازحين والمستشفيات، من بين هؤلاء طبيب العظام محمد عودة، الذي يعمل في المستشفى الإندونيسي.
يتنقل عودة بين عيادات مدينة رفح لمتابعة حالات الإصابات والكسور، مشيراً إلى أن النازحين يتمركزون داخل المستشفيات أو المراكز الصحية أو على مقربة منها، مشيراً إلى أن الاحتلال يريد تنفيذ خطة عزل وإعدام الأماكن التي يعود إليها النازحون، وجعلهم جميعاً مشردين في خيام. 

داخل مستشفى الأمل (بلال خالد/ الأناضول)
داخل مستشفى الأمل (بلال خالد/ الأناضول)

ويقول لـ "العربي الجديد": "عملت خلال العدوان في أربعة مستشفيات، وقد اقتحم الاحتلال الإسرائيلي جميعها وأخرجها عن الخدمة. لكن على الرغم من اقتحامها، يعود الناس إليها لأنها تساهم في تثبيت الناس وتزرع الأمل في الاستمرار والتكتل حولها، حتى لو اقتحمها الاحتلال ألف مرة. المستشفيات هي شريان الغزيين. وباتوا ينزحون من محيط مستشفى إلى آخر أو منطقة قريبة منها".
وتقدر وزارة الصحة أن عشرة مستشفيات لا تزال تعمل في القطاع. في الشمال، يعمل مستشفى كمال عدوان بـ 25 في المائة من طاقته الاستيعابية، والأمر نفسه ينسحب على مستشفى العودة التخصصي. وفي مدينة غزة، لم يخرج المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع للكنيسة المعمدانية الإنجيلية عن العمل. وفي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يعمل مستشفى شهداء الأقصى بأقل من نصف طاقته ومستشفى يافا الجراحي التخصصي، بينما يعمل مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار الحكومي في مدينة رفح، بالإضافة إلى المستشفى الكويتي التخصصي، المستشفى الإماراتي ومستشفى ميداني أردني وآخر إماراتي في مدينة رفح.

وفي السياق، حذر مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من مغبة انهيار النظام الصحي بقطاع غزة المحاصر، مشيراً إلى وجود 10 مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي من أصل 36. وقال على منصة "إكس": "مع وجود 10 مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي من أصل 36، فإن النظام الصحي في غزة بالكاد يصمد".
ويقول الطبيب المتخصص في علاج الأمراض العصبية أحمد نادر، والذي يعمل في مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، إن الاحتلال كان يتعمد إخراج المستشفى منذ يناير/ كانون الثاني عن العمل، وقد قصفه بشكل مباشر.  ومنذ بداية الشهر الحالي، وهم يعيشون في مأساة، إلى حين الإعلان عن خروج المستشفى عن الخدمة الثلاثاء الماضي بسبب محاصرة الاحتلال والقصف المستمر وقطع طرقات إمداد المساعدات.
ويرى نادر أن تدمير المستشفيات سياسة إسرائيلية واضحة وممنهجة أثناء العدوان الحالي، لافتاً إلى أنه يرغب في إعادة برمجة نظام عمل المستشفيات والتحكم في كافة إمداداتها والطرقات المؤدية إليها وفرض السيطرة على قطاع غزة بالكامل في ظل تركيزه الكبيرة على قصف العديد منها في كل مدينة ومحافظة. يشار إلى أن مستشفى الأمل تابع للهلال الأحمر الفلسطيني وعلى صلة مع جمعيات طبية ودولية.
يتابع نادر خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "سقطت قدسية الرداء الأبيض في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وتحديداً عندما أخرج المستشفى الأول عن الخدمة، وهو بيت حانون الحكومي، من دون أن يحرك أحد ساكناً. حينها، أدركنا أن عملنا والمستشفيات أصبحت ضمن الأهداف العسكرية. الناس ترتبط بالمستشفيات ويتواجد النازحون فيها ليس حباً، بل باتت المكان الأخير الذي قد ينقذهم من الموت". 

المساهمون