إعدامات ميدانية... قتل غزيين يرفعون الراية البيضاء

إعدامات ميدانية... قتل غزيين يرفعون الراية البيضاء

30 يناير 2024
يكرر قناصة الاحتلال استهداف من يرفعون الراية البيضاء (محمود الهمص/فرانس برس)
+ الخط -

توثق مؤسسات حقوقية ونشطاء تفاصيل جرائم الإعدام الميداني التي ينفذها جنود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ بداية العدوان المتواصل على القطاع، وتسعى إلى تضمينها في التحقيقات الدولية.

يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم الإعدام الميداني عبر القتل المباشر ونشر القناصة في مختلف مناطق قطاع غزة، والذين يتعمدون استهداف المدنيين العزل خلال محاولات النزوح هرباً من القصف، سواء في مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع، أو في مناطق الوسط والجنوب، وشهدت مدينة خانيونس مؤخراً إعدامات ميدانية لمدنيين كانوا يحملون الراية البيضاء.
في يناير/كانون الأول الحالي الماضي، رصدت مؤسسات حقوقية في قطاع غزة العديد من جرائم الإعدام الميداني، والتي تسببت في سقوط شهداء ومصابين مدنيين رغم أنهم كانوا يحملون راية بيضاء، من بينها جريمة إعدام الشقيقين ناهض (14 سنة) ورامز بربخ (20 سنة) في مدينة خانيونس، صباح الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني، خلال محاولتهما النزوح من الحي الذي كانا يعيشان فيه. 
وانتشرت صورة للشقيقين الشهيدين، وبالقرب منهما الراية البيضاء التي كانا يرفعانها، واعتبرت مؤسسات حقوقية أن استهدافهما بمثابة جريمة قتل عمد نفذتها وحدات القناصة في جيش الاحتلال.

نزح عماد بربخ، ابن عم الشهيدين، إلى مدينة رفح بعد أن دمر قصف الاحتلال أجزاء كبيرة من منزله في الحي المعروف باسم عائلته، والقريب من شارع صلاح الدين، حيث استشهد عشرات من أفراد العائلة تحت أنقاض منازلهم، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "إعدام ناهض ورامز كان جريمة مروعة، وقد حدث أمام عدد من أفراد العائلة. كان ناهض هو من يحمل الراية البيضاء عندما خرجوا من المنزل الواقع بالقرب من حي الأمل القريب من مستشفى الهلال الأحمر، وهي عبارة عن فانلة داخلية كان يرتديها أحد أفراد العائلة، وكان يسير أمام الأسرة التي قررت مغادرة المنطقة بعد أن ألقى الاحتلال عليهم منشورات تهديد تطالبهم بالإخلاء، وكانوا يعتقدون أنهم لن يُستهدفوا. لكن بمجرد خروجهم إلى الشارع، بدأ استهداف القناصة لهم".

رصدت مؤسسات حقوقية العديد من جرائم الإعدام الميداني في غزة

يضيف: "سمع أفراد العائلة صوت إطلاق النار باتجاههم، فسارعوا إلى الهرب، وأصيب ناهض في قدمه، وحين حاول النهوض رغم إصابته لمحاولة العودة إلى الخلف، أطلق عليه القناص رصاصة ثانية أصابته في الظهر، وثالثة في الرأس، فاستشهد. كان شقيقه رامز في الخلف، وعندما شاهده اتجه إلى مكانه مسرعاً، وكان يمشي ملاصقاً للحائط، في محاولة لإنقاذ شقيقه، لكن القناص الإسرائيلي أطلق رصاصة أصابته في رأسه، ليسقط شهيداً بجوار شقيقه الشهيد، وظل الجثمانان في وسط الطريق بينما كنا نعجز عن الحراك".
يتابع عماد بربخ: "كان والداهما شاهدين على جريمة الإعدام الميداني التي جرت أمام أعين أفراد العائلة، وقد استهدف القناص الإسرائيلي الشقيقين رغم رؤيته الراية البيضاء، وهم لا يفرقون بين الأطفال والكبار".

الصورة
يحمل الأطفال عادة الراية البيضاء خلال النزوح (محمد عابد/فرانس برس)
يحمل الأطفال عادة الراية البيضاء خلال النزوح (محمد عابد/فرانس برس)

وبينت تحقيقات أولية أجراها المرصد الأورومتوسطي أن "وجود الشقيقين بربخ في الشارع لم يكن يشكل أي خطر على جنود الاحتلال، وأن وجود القناص في منطقة مكشوفة يمكنه من تحديد طبيعة تنقل المدنيين"، معتبراً أن "المعطيات تدلل على أن عمليات الاستهداف متعمدة، وأن القناص نفذ جريمة القتل عبر تكرار إطلاق النار على الشقيقين، والتصويب على مناطق قاتلة في جسديهما".
في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ارتكب الاحتلال جريمة إعدام موثقة عبر مقطع فيديو بحق الفلسطينية هالة خريس (57 سنة)، ومنذ نشر المقطع في بداية شهر يناير على مواقع التواصل الاجتماعي، يسعى أبناؤها الذين يعيشون في تركيا إلى تحويل قضية إعدام والدتهم إلى قضية رأي عام دولي، فقد كانت السيدة تحمل طفلاً، ولا تشكل أي خطر على الجنود، وتحاول النزوح برفقة العشرات في شارع النصر بمدينة غزة.

أعدم جيش الاحتلال مئات الغزيين ميدانياً أثناء حصار مدينة غزة

 كانت الشابة ملك الخطيب، ابنة شقيقة هالة خريس، أحد الشهود على الجريمة، وتقول إنهم قرروا الخروج من المنطقة بعد إخبارهم بوجود تنسيق مع الصليب الأحمر، وتحديد المنطقة عبر اتصالات من نازحين، وقد رفعوا الراية البيضاء خلال تحركهم، وكانت بالقرب دبابة للاحتلال، فلم تطلق النار، أو توجه إليهم تهديدات عبر مكبرات الصوت كالمعتاد، ما جعلهم يشعرون بالإطمئنان ويستكملون السير. تضيف الخطيب لـ"العربي الجديد": "عندما خرجنا، كانت خالتي في المقدمة، وكنا نسير في شارع الوحدة بعد الخروج من شارع النصر، وأطلق القناص النار عليها بينما كانت تحمل حفيدها تيم، الذي كانت تحمل إلى جواره الراية البيضاء".
ونفذ جيش الاحتلال، خلال الأيام الأخيرة، عمليات قنص مكثفة في محيط مجمع ناصر الطبي المحاصر بالكامل في مدينة خانيونس، كما استهدفت بعض مباني المجمع، ووقعت إصابات برصاص القناصة في محيط مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح.

الصورة
استهدف قناصة الاحتلال مئات الغزيين (مصطفى حسونة/الأناضول)
استهدف قناصة الاحتلال مئات الغزيين (مصطفى حسونة/الأناضول)

كان المهجر من خانيونس إلى مدينة رفح محمد الأسطل (27 سنة) أحد من أصابتهم رصاصات القناصة، خلال محاولته النزوح مع أفراد أسرته حاملين الراية البيضاء عبر الطريق المخصص للنزوح الذي حدده جيش الاحتلال. ويروي لـ"العربي الجديد": "كنت أحمل راية بيضاء من قماش نزعته من إحدى الخيام التي تضررت من القصف، لكن القناص الإسرائيلي أصابني برصاصة في الكتف أسفل منطقة الرقبة. كانت الرصاصة مصوبة نحو رأسي لقتلي، لكني تحركت في اللحظة الأخيرة قبل إصابتي، فأخطأت الرصاصة رأسي، وكان بجواري شقيقي وأبناء عمي، وقد نقلوني بصعوبة بينما كنت أنزف على عربة إلى مستشفى أبو يوسف النجار". يضيف الأسطل: "كانت نية القناص واضحة بإعدامي، وعندما وصلت إلى المستشفى كانت هناك ثلاث إصابات مماثلة، وشهيد أصيب في الرأس. أصابتني الرصاصة في منطقة صعبة، لكنها لم تدخل جسدي، وفقدت الوعي مدة ثلاثة أيام، وفقدت الكثير من شدة الدماء، لكني نجوت".
تابع الحقوقي الفلسطيني سامح أبو زور العديد من حالات الإعدام الميداني خلال عمله في الرصد والتوثيق، ورغم صعوبة الوصول إلى مصادر بسبب فقدان الاتصالات، وصعوبة التواصل عبر شبكة الإنترنت، فإنه يؤكد وصول فرق الرصد والتوثيق التابعة لمؤسسات حقوقية عاملة في غزة إلى عدد من الحالات، ومنهم مهجرون وصلوا بصعوبة إلى جنوبي القطاع.
ويشير أبو زور إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يخالف كل ما اعتادت عليه البشرية في أوقات الحروب، فمن المعروف أن الراية البيضاء تعني الاستسلام، وأن استخدامها هو وسيلة للنجاة خلال الصراعات في كل دول العالم، لكن ذلك لا يعني الاحتلال كثيراً، كما لا يعنيه شعار الأمم المتحدة، أو الشعارات التي يرتديها الصحافيون او الطواقم الطبية، فجنود جيش الاحتلال يقومون بإعدام كل هؤلاء".

يضيف لـ"العربي الجديد": "رفع مدنيون الراية البيضاء خلال محاولات النزوح في شارع صلاح الدين، فجرى استهداف الكثير منهم خلال الشهرين الماضيين، وقام جنود الاحتلال بجمع لقطات فيديو لمدنيين عند الممر الذي نصبه في وسط قطاع غزة، من أجل تصدير صورة للمجتمع الصهيوني بأنه جيش منتصر، وأن الغزيين مستسلمون، لكنه قام بالعديد من جرائم الإعدام الميداني في مناطق أخرى لأشخاص كانوا يحملون الراية البيضاء".
ويوضح: "أعدم جيش الاحتلال مئات الغزيين أثناء حصار مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع، وما وثقناه عبر الشهود يتجاوز 300 حالة إعدام ميداني، لكن الأرقام أكبر بكثير، وربما يمكن حصرها بشكل أكثر دقة بعد انتهاء العدوان، والأصعب هو قتل الأطفال والنساء، وبعض مقاطع الفيديو المتداولة تظهر أن جنود الاحتلال يتعمدون قتل المدنيين مع سبق الإصرار والترصد، ووجود القناص الإسرائيلي في مكان يعني أن لديه أوامر من قادته بقتل المدنيين".
وتجهز مؤسسات حقوق إنسان في قطاع غزة الأدلة على جرائم الإعدام الميداني لإرسالها إلى المحاكم الدولية، وتزايدت هذه المساعي بعد قرار محكمة العدل الدولية بفرض تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، والتي تشمل الحفاظ على الأدلة التي تثبت ارتكاب جنود الاحتلال جرائم متعمدة، وينتظر تشكيل فريق قانوني دولي لفتح تحقيق في وقائع قتل مئات المدنيين الفلسطينيين بشكل متعمد.

المساهمون