لا تنتهي الروايات عن أساليب القتل والعنف التي استُخدمت في فض اعتصام رابعة العدوية قبل عام من اليوم، حينها قرر العسكر في مصر ومن يقف خلفه أن يقضي على أي صوت معارض للانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويروي محمد شحاتة، أحد المسؤولين عن تأمين منصة ميدان رابعة العدوية، لـ"العربي الجديد"، أحداث ما حصل في 14 من أغسطس/آب 2013، ويقول إن الرصاص يوم فض الاعتصام كان يأتي من منشآت القوات المسلحة القريبة من الميدان، ومن الطائرات، ومن داخل المدرعات، رغم أن أعضاء التأمين لم يكونوا يحملون سوى العصي والخوذ والدروع والألعاب النارية، ولكن قوات الجيش والشرطة لم ترحمهم، وقتلت المئات منهم.
ويلفت شحاتة، الذي ظل متواجداً في الميدان منذ 28 يونيو/حزيران بعد تقديم استقالته كمستشار إعلامي في إحدى الوزارات للتفرغ للاعتصام، إلى أن قوات الفض استخدمت العنف المفرط ضد مجموعات التأمين بسبب صمودهم لفترات طويلة، لذلك قُتل نصف أفراد التأمين تقريباً خلال الفض. وقُتلت كل المجموعة التي كانت تقف عند بوابة "طيبة مول" في ميدان رابعة، بعدما تم قنص أفرادها بالرصاص الحي.
من المواقف الصعبة التي تعرض لها شحاتة تطوعه مع عشرة أفراد على حدود رابعة من الطريق المؤدي إلى الحرس الجمهوري. يقول عن تجربته "كنا نخشى حدوث مناوشات أو استفزازات، بين الجنود والمعتصمين الذين فقدوا عائلاتهم في مجزرة الحرس". وأضاف "كان يوماً مرعباً، كنا بعيدين عن الميدان ما يقارب الكيلومتر، بغرض تنبيه المعتصمين في حالة بدء الضرب"، مشيراً إلى أنهم كانوا وجهاً لوجه مع ألفي جندي، "وكان القناصة يصوّبون أسلحتهم على صدور مجموعة التأمين في الظلام، وبعد هذه الواقعة تعلمت معنى الثبات وقت الخطر".
لكن الموقف الأصعب على شحاتة كان يوم الفض، وكان دوره تأمين المنصة لمنع تقدم القوات والسيطرة عليها. ويشير إلى أن البعض نبّههم بتوقعات الفض، بعد سد نوافذ المنشآت العسكرية القريبة من الميدان بالرمال، وإنزال بعض الطائرات على أسطح تلك المباني. "ومع ذلك لم نكن نتخيل أن يقتل الجندي أخاه المصري"، على حسب قوله.
كان شحاتة شاهداً على حديث دار بين قياديين في "الإخوان المسلمين" هم محمد البلتاجي وصلاح سلطان، وعبد الرحمن البر وصفوت حجازي، الساعة الحادية عشرة صباح يوم الفض، وذلك بعد وصول أخبار عن بشاعة وعنف الفض، وما أسفر عنه من مقتل للمئات.
ويقول شحاتة إن البلتاجي قبل سماعه نبأ وفاة ابنته، اقترح الاستجابة لطلب وزارة الداخلية في الانسحاب للتقليل من حجم الخسائر في أرواح المعتصمين، ولا سيما من الأطفال والنساء، إلا أن سلطان وحجازي رفضا لعدم وجود ممرات آمنة، ووصول أخبار أن كل من يخرج يُقتل أو يُعتقل، فكان الصمود هو الحل، ووافق الجميع.
ويضيف شحاتة أن مجموعات التأمين زادت بشكل تطوعي يوم الفض "فالكل كان يتوجه ركضاً للبوابات لصدّ الهجوم من دون أن يطلب منهم أحد ذلك، وذلك لخوفهم من فض الميدان وإسكات الصوت الذي يهتف ضد حكم العسكر". ويؤكد أنه رأى قيادات "الإخوان" ومنهم البلتاجي وجازي وسلطان، يخرجون مع المعتصمين ووسط الجنود من دون تخفٍّ.
أما مرشد "الإخوان"، محمد بديع، فلم يكن متواجداً داخل الميدان، ولكنه حاول الدخول أثناء الفض إلا أن حصار الميدان منع تقدمه، واعتُقل بعدها في مدينة نصر بالقرب من مكان الفض.
وعمن قُتلوا من أفراد التأمين، يقول شحاتة إنهم أظهروا بطولة كبيرة. من هؤلاء، السيد عنبه من الشرقية الذي قُتل يوم الفض، ويقول أحد شهود العيان إنه "قُنص برصاصة دخلت صدره وخرجت من ظهره بواسطة طائرة، كانت تحلق على مسافة منخفضة جداً وبابها مفتوح أعلى الميدان".
أما مريم، الطالبة في جامعة الأزهر والتي تطوعت في تأمين ميدان رابعة العدوية، وحضرت معظم المجازر ما عدا يوم الفض، تقول إن ما كان يميز النساء هو تجاوزهن للصدمة سريعاً، والقدرة على بث الشجاعة في رجال التأمين، وحثهم على الصمود في أصعب اللحظات.
وتوضح مريم أن فتيات التأمين لم يُسمح لهن بحمل أي سلاح حتى للدفاع عن أنفسهن وقت الخطر، وأن بعض بنات قيادات "الإخوان" شاركنها في التأمين، مثل ابنة مستشار مرسي، يحيى حامد، مشيرةً إلى أن بعض فتيات التأمين تعرضن للضرب من بلطجية، ومع ذلك صمدن.