الخرق الإسرائيلي الأبرز لحزب الله: ضرب وحدة العمليّات الخارجيّة

20 ديسمبر 2014
كشف الخرق الاسرائيلي وحدة عمليات حزب الله الخارجية(حسين بيضون)
+ الخط -

يرفض المسؤولون الرسميون في حزب الله التعليق على الأنباء التي انتشرت عن توقيف الحزب عميلاً لإسرائيل في صفوفه. في العادة، الأمين العام للحزب حسن نصرالله، هو من يتحدّث عن هذه القضايا.
وعلى ما يبدو، فإنّ حزب الله قد كشف عن العميل الأبرز داخل صفوفه، بعد العملاء الأربعة الذين تم توقيفهم عام 2011، وقد تولّى أحدهم حينها منصب مسؤول الإنشاءات في الحزب. العميل الجديد الموقوف (م.ش.)، كما تُجمع مختلف المصادر، وهو تولّى منصب معاون مسؤول الوحدة 910 في الحزب، أي وحدة العمليّات الخارجيّة. وهو واحد من أربعة معاونين لمسؤول هذه الوحدة.
وبحسب ما نُشر من معلومات، تمّ تأكيدها من مصادر إضافيّة، فإن محققي الحزب توصلوا إلى قناعة بأن العميل هو المسؤول بدرجة أساسيّة عن فشل العمليات الخارجيّة في أوروبا وأميركا اللاتينيّة، إضافة إلى مسؤوليّته عن عملاء الحزب الذين تمّ كشفهم في السنوات الماضية.

لكنّ الجزء الأهم الذي يعمل عليه محققو حزب الله منذ أيام، هو شكوكهم بأن لـ (م.ش.) دوراً في اغتيال القائد العسكري للحزب عماد مغنية في دمشق في فبراير/شباط 2008، وثمّة من يتحدّث عن تورّطه في اغتيال المسؤول في حزب الله، حسان اللقيس، الذي اغتيل في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وتؤكّد المعلومات بأنّه كان من القلّة في حزب الله الذين يملكون القدرة على إدخال أي شخص أو أي شيء عبر مطار بيروت الدولي، من دون العودة إلى أي جهاز أمني في الدولة اللبنانيّة أو في الحزب نفسه. وهو الأمر الذي يُعزز الشكوك بعلاقته باغتيال مغنية، عبر إدخال أشخاص متورطين بهذا الملف. وتقول مصادر قريبة من الحزب إن (م.ش.) أدخل الكثير عبر المطار لصالح الإسرائيليين.

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن تجنيد العميل حصل عام 2006، وذلك بين تركيا والصين. وتُضيف المعلومات بأنه يعمل كتاجر، لتبرير سفره المتكرّر. كذلك تُشير هذه المصادر إلى أنّ المال ليس العامل الأساسي الذي دفعه إلى خيانة حزبه. وفيما تقول بعض الأوساط إنّ الإسرائيليين أوقعوا العميل عبر تصوير فيديوهات جنسيّة له، إلا أن هذا الأمر مستبعد. وينتشر في أوساط الحزب كلام بأنّ سبب الخيانة هو "ضعف إيمانه"، وهو أمر يشير إلى واقع أنّه، شأنه شأن عدد من قيادات الحزب، بدأ بالتشكيك في الإيديولوجيا الدينية، وفي القيادة السياسيّة للحزب؛ وإن كان هذا لا يعني أن كلّ من يُشكّك سيذهب حكماً في إطار العمالة لإسرائيل. واللافت أن مسؤولين في الحزب، أقرّوا في جلسات خاصة، بأنّ القيادي المعني مسؤول عن كشف المتورطين بعمليّة بورغاس في بلغاريا، وهو أمر لافت، إذ إنها المرّة الاولى التي يعترف فيها مسؤولون في الحزب بمسؤوليتهم عن هذه العمليّة.

في حصيلة الخسائر المباشرة التي كبّدها العميل المذكور لحزب الله، فهي كشف عدد من جواسيس الحزب وخلاياه المنتشرة حول العالم. لكن هذه ليست الخسارة الأبرز. وبحسب خبراء في العمل الأمني، الخسارة الأهم الناتجة من عمالة القيادي، هي كشف طريقة تفكير عقل حزب الله في العمل الخارجي، إضافة إلى شبكة علاقاته مع الأجهزة والتنظيمات الأخرى. كذلك كشف المناطق التي يعتبرها الحزب أرضاً حليفة يُمكنه العمل انطلاقاً منها. باختصار، فإن (م.ش.) قد وضع الوحدة 910 في وضع أكثر من صعب، بحيث يحتاج الحزب إلى سنوات لإعادة ترميم هذه الخسائر.

وتُعدّ هذه الوحدة منفصلة تماماً عن كلّ أجهزة الحزب الأمنيّة وغير الأمنيّة، وهذه طريقة عمل حزب الله في عدم ربط أجهزته ببعضها، وعلاقتها بالأمين العام للحزب مباشرة. وهي مسؤولة عن عمليات الرصد الخارجيّة، وتنفيذ المهمّات الخارجيّة، وجمع المعلومات، والربط مع أجهزة استخبارات تابعة لدول أو لتنظيمات أخرى، ومن أبرز مهامها المواجهة الأمنيّة المباشرة مع الإسرائيليين. وأهم إنجازاتها التي خرجت للإعلام، استدراج العقيد الإسرائيلي الحنان تننباوم وأسره. كما تتولى الوحدة دوراً بارزاً في إدارة وحماية العمليات المالية للحزب خارج لبنان. وبالتالي فإن كلّ أعمال الحزب في هذا السياق باتت بحكم "الساقطة أمنياً"، والأسوأ أنّ الأجهزة الاسرائيليّة باتت تعلم طريقة عمل وتفكير حزب الله في هذا المجال.

الأمر الثاني الخطر هو القيمة المعنوية للقيادي العميل. فهو من الحلقة الأمنيّة الضيّقة للحزب، التي تتمتّع بثقة عالية جداً. وهو من الأشخاص الذين استثمر الحزب فيهم طويلاً على مستوى التدريب والمعلومات. ويفتح سقوطه في فخّ العمالة بهذا الشكل، نقاشاً أساسياً حول الأسباب التي دفعته إلى سلوك هذا الطريق. كما أنه يفتح باب الشكوك داخل الحزب على مستوى واسع، فهو المسؤول الأرفع منذ الكشف عن أربعة عملاء داخل جسم الحزب في عام 2011. والأمر الإضافي الذي يجب الإشارة إليه، هو أنّ العمر الافتراضي لعمل الجواسيس العاديين هو أربع إلى خمس سنوات (مع وجود استثناءات)، إذ بعد مرور هذا الوقت، غالباً ما يتعب الجاسوس أو يُراجع نفسه، أو يبدأ الخوف بالتسلل إليه. وفي حالة القيادي المذكور، فإنه تجاوز هذه الفترة، وهذا يعني أنه كان مقتنعاً جداً بما يقوم به.

اللافت أيضاً، أن الحزب سمح بتسريب هذه المعلومات بشكلٍ رسمي، على الرغم من أنّه عندما أبلغ رئيس فرع المعلومات السابق، اللواء وسام الحسن، (الذي اغتيل بسيارة مفخخة عام 2012)، حزب الله في العام 2011 بأن هناك خرقاً أمنياً في الحزب، وسمى العملاء، نفى المسؤولون الأمنيّون في حزب الله هذا الأمر. لكن تمّ توقيف العملاء، واضطر حينها الأمين العام لحزب الله إلى توضيح هذا الأمر. وفي العادة، لا يرغب الحزب بكشف هذه المعلومات، بل يعتبرها أمراً داخلياً خاصاً، نظراً للضرر المباشر وغير المباشر، المترتّب عن كشفها، على جسم الحزب وعلى البيئة المؤيّدة له. وبالتالي، فإن كشف المعلومات يعني حالةً من اثنتين: إمّا أنّ للحزب هدفاً ما من وراء هذا التسريب، أو أنّ ثمة حزبيين في مناصب رفيعة، لم يعودوا قادرين على السكوت، ويريدون التعبير عن اعتراض ما، لا تسمح به القنوات الحزبية.

كما أن ثمّة مفارقة أخرى، قد تعني الكثير أو قد يقلّل المعنيون من أهميتها، وهي أن أبرز عملاء الحزب تمّ كشفهم بعد تورّط حزب الله في دعم النظام السوري في وجه شعبه، منذ شهر مارس/آذار 2011، أو أن الجسم الحزبي بدأ يُسرّب معلومات عن هؤلاء العملاء. وهنا تجدر الإشارة، إلى أنّ هناك أصواتاً بدأت ترتفع في الحزب، وإن كانت لم تعلُ بعد، ولن تخرج من الحزب أو تعترض عليه علناً. تقول هذه الأصوات إنّ الحرب في سورية لا يُمكن أن تكون حرباً ذات بُعدٍ ديني أو أخلاقي، وأن الانتصار العسكري فيها وهم. بعض الحزبيين العارفين بشؤون ما يعيشه مقاتلو الحزب في سورية، يقولون إن الحلّ لا يُمكن أن يكون إلا سياسياً.

المساهمون