كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، أن تعثر الاتصالات للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار من جهة، وإخفاق إسرائيل في إنجاز حسم عسكري واضح في قطاع غزّة، من جهة ثانية، أثارا فكرة استنساخ قرار وقف إطلاق النار شبيه بقرار 1701، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي خلال العدوان الإسرائليي على لبنان عام 2006، بشكل يضمن لإسرائيل وقف إطلاق نار من جانب واحد، ويحول دون ترسيخ إنجازات المقاومة الفلسطينية في العدوان الحالي.
وجاء في تقرير مراسل الصحيفة السياسي، براك رابيد، أن الدوائر الإسرائيلية باتت مقتنعة بأنّه لا يمكن في هذه الجولة من القتال مع حركة "حماس"، البناء على صيغة تفاهم بوساطة مصرية، خاصة على ضوء المواقف التي تبديها قيادة "حماس"، وفي ظل مجريات القتال التي تشير إلى تحقيق الحركة إنجازات تدفع رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، إلى التمنع عن القبول بقرارات واقتراحات وقف إطلاق النار لا تحقق للحركة مطالبها وأهدافها.
وبحسب الصحيفة، يقضي الاقتراح المتداول في وزارة الخارجية أيضاً، في حال تم الاتفاق عليه، بأن تستدعي إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومصر والسلطة الفلسطينية وأطراف عربية قراراً من مجلس الأمن بوقف القتال، تقبله إسرائيل على أن يشمل القرار خمسة أسس أو بنود أساسية هي:
* الإقرار بأن حكومة الوحدة الفلسطينية هي الطرف السيادي والمسؤول عن قطاع غزّة.
* إعادة نشر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية على امتداد الحدود بين الأراضي المحتلة وقطاع غزّة، وعند المعابر البرية (رفح، إيرز، كرم أبو سالم).
* الاتفاق على آلية نزع سلاح المقاومة وتدمير الأنفاق وجعل غزّة منزوعة السلاح مع نشر قوات مراقبة دولية.
* رفع الحصار المفروض على القطاع وبناء الميناء البحري الفلسطيني وإخضاعه لمراقبة قوات الأمن الفلسطينية.
* إدخال تغييرات جوهرية في سياسة إسرائيل الخاصة بضبط وإدارة المعابر وحرية تنقل الناس والبضائع بين غزة والضفة الغربية.
ورغم أن مراسل "هآرتس" يشير إلى أن القرار 1701 الذي انتهت بموجبه الحرب الثانية على لبنان عام 2006، لم يكن مثاليّاً بالنسبة لإسرائيل، وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من أبرز معارضيه، غير أنّه تبين أن القرار منح إسرائيل مكاسب دلية وسياسية كثيرة أهمها تحديد حكومة لبنان بصفتها العنوان الشرعي والمسؤول عن كل ما يدور في لبنان، وهو ما تسعى إسرائيل حالياً إلى نسخه وتكريسه في قطاع غزّة.
وفي السياق نفسه، دعا المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، ناخوم برنيع، نتنياهو إلى "أخذ زمام المبادرة" والإعلان عن وقف العمليات العسكرية من جانب واحد، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يعني تعليق خيار مواصلة ضرب "حماس"، إذا اقتضى الأمر، بل أن تكثف وتزيد من حدة الضربات المدفعية والجوية ضد أهداف "حماس" في حال واصلت الأخيرة إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي المحتلة.
ورأى برنيع أن الحرب الثانية على لبنان، وعدوان "الرصاص المصبوب"، انتهيا من دون تفاهمات مع الطرف الآخر، وهو ما أفضى إلى سنوات طويلة من الهدوء، خلافاً لعدوان "عمود السحاب"، الذي انتهى بتفاهمات رعاها الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، ولم تصمد كثيراً. ولا ينسى برنيع في هذا السياق التذكير بعدوان "السور الواقي"، الذي شنّه أرييل شارون، على مدن وبلدات الضفة الغربية عام 2002، وانتهى بانسحاب إسرائيل من المخيمات، من دون الانسحاب من الضفة الغربية كلها، ومن دون التنازل عن حرية تحرك الجيش في مدن وبلدات الضفة، كلما اقتضت الضرورة.
في المقابل، دعا المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان إلى وجوب المسارعة واستغلال الوقت المتاح أمام إسرائيل لهدم وضرب أقصى ما يمكن من أهداف "حماس" والبنى التحتية التابعة لها، والأنفاق "الهجومية"، قبل أن تضع المفاوضات والتحركات الدبلوماسية قيادة إسرائيل السياسية والأمنية أمام معضلة اختيار أي من الأخطار (الأنفاق أو منصات إطلاق الصواريخ) ستُبقي عليها بعد بدء سريان اتفاق إطلاق النار.
وأشار فيشمان إلى تصلب حركة "حماس" في المفاوضات على ضوء إنجازاتها التي حققتها، مشيراً إلى أن عدم توقف إطلاق الصواريخ على مدار أيام العدوان إنجاز عسكري، إلى جانب إعلان شركات الطيران العالمية عن وقف رحلاتها إلى إسرائيل، إضافة إلى عملية أسر جندي إسرائيلي.
وكشف فيشمان عن ممارسة ضغوط على إسرائيل ومصر للسماح لممثلي "حماس"، بجناحيها السياسي والعسكري في الداخل، بالمشاركة في المفاوضات في القاهرة، حول اتفاق وقف إطلاق النار. وبموازاة ذلك، تبذل محاولات لإقناع حماس "الداخل" بالقبول بهدنة إنسانية طويلة تتحول مع الوقت إلى وقف إطلاق النار. وبحسب فيشمان، فإن جهود الوساطة والتحركات الدولية التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا وجامعة الدول العربية والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ستفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
غير أن مراسلي الصحيفة إيتمار أيخنر وأورلي أزولاي، نقلا عن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها، إن هذه الاتصالات لن تتبلور كصيغة اتفاق قبل نهاية الأسبوع الحالي، مما يشي بأن إسرائيل معنية بمواصلة العدوان حتى نهاية الأسبوع الحالي على الأقل، لتحقيق مزيد من الضربات العسكرية على قطاع غزة.