قرار النأي بالنفس عن التحالف الذي تشكّل على مرأى ومسمع الملك الأردني عبد الله الثاني خلال مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي، أعلنه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور، يوم السبت الماضي، بعد ساعات من وصول الملك إلى البلاد عائداً من القمة.
إعلان النسور، الذي جاء على هامش ندوة سياسية في العاصمة عمّان مع عدد محدود من وسائل الإعلام من بينها "العربي الجديد"، كان قاطعاً حين قال: "هم تحالفوا والحلف يخصهم هم، والأردن ليس جزءاً من الأحلاف". بل حتى ذهب في تصريحه إلى قطع الطريق أمام الانضمام المستقبلي للتحالف بقوله "لا نخوض حروب الآخرين"، مؤكداً ثقته بقدرة بلاده على حماية نفسها من خطر "داعش" من دون الحاجة إلى تحالفات، في إشارة منه إلى الاستعدادات العسكرية على الحدود الأردنية ـ العراقية، والأردنية ـ السورية.
وعززت القوات المسلّحة الأردنية وجودها على طول الحدود مع العراق البالغة 181 كيلومتراً، اعتباراً من منتصف يونيو/حزيران الماضي، لمواجهة خطر "داعش" الآتي من الشرق، مستخدمة في ذلك الآليات العسكرية، والدبابات والمروحيات وراجمات الصواريخ. كما تستخدم هذه القوات أحدث وسائل المراقبة الحديثة والمعدات ونحو خمسة آلاف عسكري لحماية الحدود مع سورية، البالغ طولها 370 كيلومتراً، منذ اندلاع الثورة السورية مطلع مارس/آذار 2011.
تصريحات رئيس الوزراء لم ترُق لأطراف في الدولة، فنقلت مواقع أردنية عن "مصادر رسمية" أنه "إذا أراد الأردن أن يكون جزءاً من أي تحالف، فسيُعلن عنه في حينه"، وهو ما يفتح الباب ليصبح الأردن عضواً مستقبلياً في التحالف ضد "داعش".
بين النفي المطلق واحتمال انضمام المملكة، المعروفة بخبرتها في الحرب ضد تنظيم "القاعدة"، يؤكد مصدر مسؤول، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن بلاده جزء من التحالف حتى قبل الإعلان عنه، ويقول "لا يُعقل أن نقف مكتوفي الأيدي أمام تهديدات داعش، والتحالف الدولي ليس بمواجهة دولة عربية كي لا نشارك فيه، هو في مواجهة تنظيم متطرف يهدد كل المنطقة".
ويردّ المصدر عدم الإعلان الرسمي عن وجود الأردن في التحالف، إلى "خوف الدولة من الأعمال الانتقامية التي قد تتعرّض لها من قبل التنظيم أو المتعاطفين معه داخل الأردن".
وكانت مجموعات أردنية تنتمي لـ"التيار السلفي الجهادي" قد أعلنت تأييدها لتنظيم "الدولة الإسلامية" ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي، وهي المجموعات التي أعلن المتحدث باسم الحكومة محمد المومني، إلقاء الأجهزة الأمنية القبض عليها لتنال عقوبتها وفقاً لما يقرر القضاء، فيما أطلق باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية، مخاوف من تحوّل مناطق في المملكة إلى بيئة حاضنة للتنظيم.
تصريحات النسور، المتبرئة من التحالف ضد "داعش"، لاقت تشكيكاً من عضو مجلس النواب الأردني تامر بينو، الذي استبعد ألا يكون الأردن طرفاً في التحالف. بينو الذي وقّع قبل بضعة أيام مع عشرين زميلاً له على بيان يطالب الحكومة بعدم الدخول في أي حلف يسعى إلى القضاء على "داعش"، يرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة باتت جزءاً من ذلك التحالف. ويعطي النائب دليلاً على ما يقول إنه صحة موقفه مشيراً إلى أن أعضاء التحالف الدولي يمثلون حلفاء دائمين للأردن، فضلاً عن السوابق التاريخية للأردن في الحرب على تنظيم "القاعدة". ويستشهد بالتفجير الذي نفذه العميل المزدوج الأردني همام البلوي ضد مقرّ وكالة الاستخبارات الأميركية في ولاية خوست في أفغانستان عام 1999، وراح ضحيته ضابط الارتباط في الاستخبارات الأردنية الشريف علي بن زيد. يقول بينو: "لم يُكتشف الدور الأردني في الحرب على القاعدة إلا بعد ذلك التفجير".
وكان الأردن قد عمد، في أعقاب سلسلة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة عمّان عام 2005، وتورط فيها تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، إلى انتهاج خطة أمنية تقوم على محاربة خطر "القاعدة" قبل وصوله.
خطة أنتجت دوراً أمنياً أردنياً في الدول التي ينشط فيها "القاعدة"، تُوّج بدور استخباري أردني في عملية اغتيال زعيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" الأردني أبو مصعب الزرقاوي عام 2006، المسؤول عن تفجيرات فنادق عمّان. ولا يرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حازم قشوع، في حديث لـ"العربي الجديد"، غضاضة في الانخراط بالتحالف الدولي الذي تشكّل لمواجهة "داعش"، ويقول "لن نكون أداة في التحالف، بل طرفاً لمواجهة خطر داهم يهددنا". ويعتبر قشوع أن "انضمام الأردن إلى لتحالف سيشكّل ضمانة جديدة للمواطنين على أمنهم واستقرارهم، كما يمثّل التحالف التزاماً دولياً بحفظ أمن الأردن واستقراره".
تضارب المواقف والتصريحات حول الدور الأردني المرتقب في محاربة تنظيم يطمح لضم المملكة الى حدوده، يعكس حالة تخبط تعيشها مراكز القرار حيال "داعش" الذي لم بات خطره يطل برأسه من الداخل الأردني. ورغم أنها إطلالة خجولة، إلا أنها تثير حالة من القلق.