السيسي ولازمة "التنمية": لا تدخُّل ليبيّاً ومخالفة السعودية سوريّاً

08 مارس 2016
يجدّد السيسي وعوده دائماً من دون تنفيذها (دايفيد ديغنر/Getty)
+ الخط -
اختار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي موعد الذكرى السنوية الأولى للمؤتمر الاقتصادي الضخم الذي أقامه في شرم الشيخ مارس/آذار 2015، ليعلن للمواطنين المصريين تفاصيل خطة جديدة قديمة لتنمية سيناء بحلول نهاية عام 2017. وجاء هذا الإعلان، خلال مداخلة هاتفية في برنامج الإعلامي عمرو أديب على قناة "اليوم" المشفّرة التي لا يشاهدها سوى نحو 5 في المائة من المصريين، ويعتمد معظم مشاهديها على فقراتها المسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تخلُ المداخلة من رسائل خارجية كان أهمها تأكيد عدم التدخل في الشأن الليبي، على الرغم من الخطوات المتسارعة التي تجريها إيطاليا لحشد تحالف دولي لدخول ليبيا، وقد كانت مصر تتعاون استخباراتياً مع إيطاليا بهذا الشأن. إلّا أنّ واقعة قتل الطالب اﻹيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة أدّت إلى تعليق المحادثات الثنائية بهذا الشأن وتجميد التعاون الاستراتيجي بينهما.

واعتبر السيسي في تصريحه أنّ خيار مصر بعدم التدخل في الشأن الليبي "قرار تاريخي. فالتاريخ لن ينسى لنا أننا لم نقم بأي عمل استباقي ولم ندفع بالجيش المصري في ليبيا". ولفت السيسي، لأوّل مرة، إلى أن موقفه من ليبيا سيكون شبيهاً بالموقف التونسي، إذ أعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بعد هجوم مدينة بنقردان، غلق الحدود مع ليبيا، فقال السيسي إنّ أي "أحد أو أي شيء يفكّر بالاقتراب من الحدود سندمره، سواء تهريب أو غيره، سندافع عن أنفسنا".

كما جدّد السيسي تأكيده على عدم دخول مصر أي تحالف عسكري في سورية، مخصصاً التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وهو ما يأتي في إطار سعيه لعدم إغضاب السعودية أو روسيا والتزام دور "الحليف اﻻستراتيجي واﻻستخباراتي" في ما يخص الملف السوري تحديداً. في المقابل، ولضمان توازن خطابه تجاه الرياض، جدّد السيسي إعلانه فتح السوق المصرية لاستثمارات "الأشقاء في السعودية والإمارات والكويت".

ولم يكن أعتى المتصيدين للسيسي أو أشرس معارضيه، بحسب مراقبين، سيختار موعداً كهذا للإدلاء بمثل هذه التصريحات عن مشاريع مستقبلية. فالرجل الذي حشد وسائل إعلامه، و"ترسانته التشريعية"، ورجال الأعمال المقربين من النظام، لتنظيم مؤتمر اقتصادي فشل في تحقيق أبسط أهدافه، ولم تخرج إلى النور أي من المشاريع التي أعلنت فيه، يعود بعد عام، لإعلان مخطط لحزمة جديدة من المشروعات. ويعلن إسناد تنفيذها للقيادة المشتركة للجيشَين الثاني والثالث الميدانيَين اللذين يخوضان حرباً ممتدة ضد تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بحسب المراقبين.

ولم يسأله الإعلامي المفضّل لديه (عمرو أديب) عن كشف حساب للمواطنين عما تحقق من مشاريع تم إعلانها في مؤتمر شرم الشيخ بعد عام كان من المفترض أن يشهد إنهاء البنية التحتية للمدينة المسماة بـ"العاصمة الجديدة"، وكان يفترض أن يشهد ضخ مزيد من الاستثمارات في السوق المصرية، وجذب مزيد من رجال الأعمال الأوروبيين والخليجيين للعمل بالمشاريع "الكبرى" التي يعلن عنها السيسي. كما كان من المتوقع أن يزيد دخل مصر من قناة السويس بعد افتتاح تفريعتها الجديدة المسماة "قناة السويس الجديدة". وكان من المنتظر أن يزيد دخل البلاد من العملة الصعبة ويسترد الجنيه المصري عافيته.

غير أنّ ما حدث هو العكس تماماً، فالدولار أصبح قاب قوسين من بلوغ حد 10 جنيهات واقعياً مع استمرار تثبيته بسعر وهمي لا يجاوز 8 جنيهات في البنوك المصرية. وتراجع دخل قناة السويس بنسبة 15 في المائة في العام الماضي. ولم تغطّ التفريعة الجديدة حتى الآن مصاريف حفرها، والتي تكبّدتها الدولة بوقف جميع المشاريع الخدمية والمرفقية وتوجيه مقاولي الباطون والشركات الكبرى للعمل بالقناة. كما تم فض الشراكة بين الإمارات ومصر في ما يتعلق بالعاصمة الجديدة، ولم يدق فأس واحد أرض هذه المدينة أو مدينة محمد بن زايد المتاخمة لها حتى الآن. بل اقتصر الأمر على إسناد التصرف فيها إلى الجيش بالتعاون مع شركة صينية لم تبدأ العمل رسمياً حتى الآن. بالإضافة إلى خروج الشركات الإماراتية خلال هذا العام أيضاً من مشروع إسكان الشباب وإسناده للجيش.

كما شهد عام 2015 الذي لم يتحدث السيسي عنه اقتصادياً، تراجعاً في حجم الاستثمارات نتيجة صعوبة الأوضاع الأمنية وتوتر الأجواء السياسية في مصر. وهو الأمر الذي دفع الحكومة لإعادة فتح باب تسوية المنازعات الاستثمارية مع الشركات التي تركت مصر أو أعلنت تخطيطها للمغادرة، وتقديم مزيد من التنازلات للإبقاء على الاستثمارات الأجنبية، من خلال تفعيل تعديلات قانون الاستثمار التي سنّها السيسي على عجالة لعرضها على حضور المؤتمر الاقتصادي، ومن دون تأكد من خلوّها من المخالفات الدستورية.

اقرأ أيضاً السيسي بمداخلة مشفرة: "سيناء تمام"...وساخرون: "وحماس لبسوا طاقية الإخفا"

تجاهل السيسي، في مداخلته، كل هذه الاعتبارات ومضى في الحديث الذي كان قد ذكر بعضه من قبل عن دعم مشاريع التنمية في سيناء بمبلغ 10 مليارات جنيه، بإنشاء مدن سكنية جديدة، بدلاً من التي أزيلت بشكل شبه تام بسبب "الحرب على الإرهاب"، وإنشاء مشاريع للاستزراع السمكي، وتمهيد عشرات الطرق ومحاور النقل. ويضاف إلى ذلك، مدّ أنفاق جديدة تحت قناة السويس لتقريب سيناء بالوادي، وتوزيع أراضي بعض المزارع الجديدة على الشباب وأهالي محافظات القناة وشرق الدلتا.

ولم يشرح السيسي، كعادته في عدم ذكر التفاصيل، كيفية تدبير الموارد المالية أو البشرية لإقامة كل هذه المشاريع، والتي تم التخطيط لبعضها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولم تستطع الدولة تنفيذها بسبب ضعف الموارد، مع الأخذ في الاعتبار أنه قد أسند كل هذه المشاريع إلى قسم محدّد في الجيش، وهو طرف أصيل في معركة حربية ممتدة فشلت الدولة المصرية في تحديد موعد حسمها على مدار 3 سنوات، في سيناء.

هذا الغموض والاكتفاء بالأرقام الإعلامية الرنّانة الذي صاحب جميع مشاريع السيسي منذ توليه الحكم، هو أول ما لفت نظر المراقبين في هذه المداخلة التي جاءت من دون سياق زمني أو موقف يبررها، لمجرد أن تعرّض أديب في حديثه المسترسل لسيناء، وإعرابه عن قلقه لعدم تنميتها. وهو ما عبّر عنه السيسي بقوله "اسمع يا أستاذ عمرو، أنتم لا تعرفون ما يحصل في سيناء في الوقت الذي أكلمك به".

وحملت مداخلة السيسي رسالة أخرى أثارت مشاعر متضاربة بين الاستغراب والتهكم لدى البعض، والقلق بين المراقبين السياسيين وروّاد مواقع التواصل. فالرجل اختار برنامجاً غير نموذجي لظهور رئيس جمهورية ليدلي فيه بمداخلة يتحدث فيها عن موضوع جاد ووعود تنموية. وأصبح برنامج عمرو أديب، أخيراً، مسرحاً لسجالات غير لائقة، شبيهة بما يصفه المصريون بـ"خناقات القهاوي". وكانت تجري هذه المشاجرات بين أديب والمدير الفني السابق للزمالك، أحمد حسام ميدو، من جهة، وبين رئيس نادي الزمالك، النائب البرلماني مرتضى منصور، وسجالات أخرى بين أديب والنائب السابق توفيق عكاشة. واتسمت جميعها بترديد ألفاظ وقحة وسباب وتلميحات جنسية، للدرجة التي دفعت أديب لتوجيه النصائح لمشاهدي برنامجه بعدم عرضه على العائلات.

ويرى بعض المراقبين أن السيسي أجرى المداخلة مع أديب المعروف بعدائه الحديث والمفاجئ مع مرتضى منصور، بعد ساعات فقط من تقديم النائب علاء عبدالمنعم في تحالف الأكثرية المسمى "دعم مصر"، طلباً للتحقيق مع منصور وإسقاط عضويته. وهو ما فسره بعض رواد مواقع التواصل بأنه "إذن رئاسي" للتنكيل بمنصور، لا سيما أن حملة أديب على خصمه الآخر عكاشة كانت المقدمة الرسمية لازدرائه والتنكيل به رسمياً. وتبعها قرار منعه من الظهور إعلامياً، ثم إجراءات إسقاط عضويته في البرلمان.

ولا يختلف موقف عكاشة الذي كان يوماً بوقاً لدوائر نافذة في النظام عن موقف مرتضى منصور الذي كان يحتمي بالسيسي، ويفتخر على الملأ بحرص الأخير على علاقته به وترضيته والاتصال به شخصياً. كما حظي بدعم النظام في انتخابات نادي الزمالك والبرلمان. ولا ينسى أحد صورة السيسي وهو يصلح بين مرتضى منصور وخصمه اللدود الإعلامي أحمد شوبير خلال حملته الانتخابية.

ويبدو تدنّي السيسي إلى هذا المستوى من العلاقات خلال حملته الانتخابية، بحسب مراقبين، متسقاً مع حرصه على مشاهدة برنامج تخصص نسبة كبيرة من وقته لتصفية الحسابات الشخصية والخلافات على المصالح بين مجموعة من المشاهير، للحد الذي يحرص معه السيسي على إجراء مداخلتَين في هذا البرنامج خلال شهر واحد، على الرغم من أن هذه القناة مشفّرة وليست من بين أعلى القنوات مشاهدة في البيوت المصرية.

وفي محاولة للتعرف على أسباب تكثيف السيسي من إجراء المداخلات في الآونة الأخيرة، يقول مصدر حكومي في إحدى الوزارات الاقتصادية، إن "السيسي أصبح على ثقة بأن الحكومة لا تستطيع الترويج لمشاريعه التي يعتبر التخطيط لها إنجازاً بحد ذاته"، مشيراً إلى "اعتقاد السيسي الشخصي بأن حديثه للمواطنين مباشرة يؤدي دوراً دعائياً أكثر فاعلية من حديث الوزراء والمسؤولين الأصغر".

ويعتبر المصدر ذاته في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "رؤية السيسي لنفسه كمسؤول عن ترويج ما يفعله، وما تقدّمه الحكومة، بالإضافة إلى عدم ثقته بالمسؤولين الآخرين واعتقاده بكثرة سقطاتهم ومشاكلهم، هو ما دفعه لتوجيه رئيس الوزراء شريف إسماعيل بعدم السماح للوزراء بالحديث إلى وسائل الإعلام خلال هذه الفترة إلى حين إجراء تعديل وزاري أو موافقة البرلمان على بيان الحكومة المقرّر عرضه في 27 مارس/ آذار الحالي"، وفقاً للمصدر.

اقرأ أيضاً: نظام السيسي ينتقل من معركة الأجهزة إلى صراعات الدوائر