لا يزال صدى تبعات التجارب الصاروخية الباليستية التي أجراها الحرس الثوري الإيراني مطلع شهر مارس/آذار الماضي، يتردد في الأوساط الغربية، بفعل سعي بعض الدول لطرح الملف في جلسة نقاش جدية في مجلس الأمن الدولي، قد تخرج بقرار فرض عقوبات جديدة على إيران مستقبلاً. مع العلم أنه لم يمرّ وقت طويل على انتهاء الحظر الاقتصادي الغربي الذي فُرض عليها لوقت طويل، قبل التوصّل لاتفاق نووي مع دول 5+1 في شهر يوليو/تموز الماضي.
في هذا السياق، وجّهت كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، رسالة للأمم المتحدة للمطالبة بتحرّك مجلس الأمن بعد إجراء إيران لتجارب صاروخية باليستية. رأوا أنها مناقضة للقرار الأممي 2231 المتعلق بالاتفاق النووي، والذي سمح بإلغاء العقوبات على إيران، باستثناء التسليحية منها، التي تمنعها من الحصول على أسلحة غير دفاعية أو تجهيزات مزدوجة الأغراض، فضلاً عن منع البلاد من امتلاك صواريخ باليستية، قابلة لحمل رؤوس نووية.
وفي وقتٍ أعرب فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن قلق مجلس الأمن من الأمر، علقت الخارجية الروسية على كل هذا الكلام بالقول إن "القرار 2231 لا يمنع طهران من اختبار صواريخها، والتي لا يوجد أي دليل يثبت أنها تصلح لاستخدامات نووية".
إيران من جهتها، صعّدت من تصريحاتها الصادرة على لسان مسؤولين رفيعي المستوى، فرفضت الموقف الغربي بشدة، واعتبرت أن تطوير الصواريخ يأتي لأغراض مشروعة كونها صواريخ دفاعية تحقق للبلاد قوة ردع، وتسمح لها بالوقوف ضد أي تهديد قد يواجهها مستقبلاً.
أما عن أبرز التصريحات فكانت تلك الصادرة عن المرشد علي خامنئي، يوم الأربعاء، التي حملت رسائل داخلية وخارجية على حدّ سواء، فخامنئي رأى أن "المستقبل سيكون للحوار وللصواريخ على حدّ سواء"، معتبراً أن "عدم امتلاك نظام بلاده الإسلامي لقدرات عسكرية متطورة، يعني التراجع والانسحاب أمام تهديد أي دولة حتى وإن كانت ضعيفة".
وفي وقتٍ تسيطر فيه سياسة الاعتدال والانفتاح على سياسة طهران الخارجية، وهو الخطاب الذي يحظى بتأييد طيف سياسي حاضر في البلاد، يبدو واضحاً أنه "لا مجال للمساومة على الملف الصاروخي، الذي يمسك العسكر بزمام أموره، سواء العسكريين التابعين للجيش أو للحرس الثوري الإيراني".
كما جاءت تصريحات خامنئي مباشرة بعد الرسالة الغربية المطالبة بمحاسبة إيران، كما جاءت رداً على تصريحات لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، والتي ذكر فيها أن "مستقبل إيران هو مستقبل الحوار لا الصواريخ".
ومع ذلك أكد المرشد على أنه لا يعارض الحوار السياسي مع الآخرين، بالتزامن مع امتلاك كافة وسائل القوة، التي تسمح لبلاده بمواجهة تهديدات من وصفهم بـ"الأعداء غير المؤمنين على قدرة النظام الإسلامي على الاستمرار" حسب تعبيره.
بدورها، الخارجية الإيرانية التي تمثل القطب الدبلوماسي في البلاد وتُطبّق دور الاعتدال، فقد جاء ردها على لسان وزيرها محمد جواد ظريف، الذي غرّد على صفحته الرسمية على موقع "تويتر"، أنه "يؤكد على موقف الحرس الثوري"، الذي ذكر أن "استخدام المنظومة العسكرية الإيرانية لن يتم إلا لأغراض دفاعية".
كما رأى ظريف أنه من "الضروري امتلاك هذه الصواريخ، لأنها لا تخالف القرار الأممي، ولا نصّ الاتفاق النووي"، داعياً القوى الغربية لإعادة قراءتهما جيداً، مضيفاً أنه "لو كان لدى إيران ذات الصواريخ خلال حربها مع العراق ثمانينيات القرن الماضي، لما تجرأ أي طرف بشن حرب على البلاد، أو على الأقل لاستطاعت طهران منع القوات العراقية من ضرب المناطق المدنية المأهولة" بحسب وصفه.
في سياق متصل، دخل وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان، على الخط، حين ذكر أمس الخميس، أن "إيران لم ولن تسعى لامتلاك أسلحة غير تقليدية"، معتبراً أن "تطوير المنظومة العسكرية والصاروخية لا يحتاج لإذن من أحد، كونه أمرا طبيعيا يأتي في سياق تحقيق الجهوزية".
ورأى دهقان أن "مجلس الأمن الدولي غير قادر على إصدار قرار بحق بلاده بسبب تجاربها الصاروخية، كونها لا تخالف القرار الأممي"، داعياً كلا من واشنطن ولندن وبرلين وباريس لـ"الاهتمام بشؤونهم وإيقاف محاولاتهم الداعمة لإسرائيل".
لا تبتعد كل هذه التصريحات عن تلك التي صدرت عن عسكريين في الحرس الثوري الإيراني، الذين اختبروا هذه الصواريخ في وقت سابق، خلال عمليات مناورات "قوة الولاية" التي جرت على مراحل عدة، في نقاط جغرافية مختلفة، الشهر الماضي.
جربت إيران حينها صاروخين باليستيين جديدين، فأطلقت من مرتفعات جبال البورز الشرقية، صاروخ "قدر" المتوسط المدى، ليصيب أهدافاً في سواحل مكران، بالقرب من خليج عمان على بعد 1400 كيلومتر، كما أطلقت الصاروخ نفسه من صحراء قم، فضلاً عن اختبار الصاروخ الثاني من نفس النقطة وهو من طراز "شهاب" البعيد المدى.
كما أنه قبل فترة اختبر الحرس الثوري صاروخ "عماد" الباليستي المحلي الصنع، الذي يبلغ مداه 1700 كيلومتر، وعرض الحرس أيضاً شريطاً مصوّراً على التلفزيون المحلي الإيراني، يصوّر مقاطع من منصات ومدن صاروخية تحت الأرض لم يكشف عن مكانها، لكن قوات الحرس أصدرت بياناً جاء فيه أن هذه النقاط موزّعة جغرافيا، وستكون الصواريخ فيها جاهزة للإطلاق في أي لحظة تتعرض فيها البلاد لتهديد حقيقي أو هجوم.
وكان قائد القوات الجوفضائية، التابعة للحرس، أمير علي حاجي زاده، قد أكد حينها في تصريحات للصحافيين، أن "كل هذه الإجراءات تهدف لتحقيق قوة الردع والتأكد من الجهوزية". كما لفت أيضاً إلى أن "التجارب الصاروخية الباليستية استمرت لأسبوع كامل"، قائلاً إن "الصواريخ ليست ملكاً لإيران وحدها، وإنما تعود لفلسطين، سورية، العراق ولبنان".
رغم ذلك، قال إن "بلاده لا تسعى لتوسيع نفوذها إقليمياً، بل تريد مساعدة المدنيين المظلومين، وصواريخها هذه لن تستخدم في الحرب على الإرهاب في المنطقة، لكنها ستوجّه لمصدر الخطر على الأمة الإسلامية"، حسب تعبيره.
من جهته، تطرّق نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي، إلى حزب الله اللبناني، مشيراً إلى أنه "يخزن أكثر من مائة ألف صاروخ، كما أنه لدى إيران عشرات أضعافها"، مؤكداً أن "طهران تمتلك صواريخ باليستية متنوعة ذات أبعاد وطرازات مختلفة، ومستعدة لنقل تكنولوجيا صنع الصواريخ، وحتى تصديرها لحلفائها في العالم الإسلامي".