لم تصمد قرارات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإبعاد مليشيات "الحشد الشعبي" عن معارك الموصل، وقبلها الأنبار أكثر من شهر واحد، إذ سرعان ما عاد للإعلان عن دعمه للمليشيات المتهمة بارتكاب جرائم حرب بدوافع طائفية، مؤكداً مشاركتها في معركة الموصل المقبلة، وهو ما دفع قيادات تلك المليشيا إلى الترحيب بقرارات العبادي، ووقف حملتها الإعلامية ضدّه.
اقرأ أيضاً: قرار العبادي بإشراك مليشيا الحشد يهيئ لتأجيل معركة الموصل
وتشنّ هذه المليشيات حملة إعلامية ضدّ العبادي عبر ست قنوات فضائية تبث من داخل العراق، وتتبع لقادة تلك المليشيات أو أحزاب مقربة منها، أبرزها كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
ورأى اتحاد القوى العراقية، وكتل كردية مختلفة، أنّ القرار مفاجئ ويخالف ما تم الاتفاق عليه، إلا أنّهم أكّدوا حصولهم على تطمينات أميركية بعدم جدوى تلك التصريحات، خصوصاً أنّ القوات الأميركية أبلغت العبادي أنها لن تشارك بالمعركة في حال وجود "الحشد الشعبي"، وهو ما يعني استحالة الدخول إلى الموصل، في ظل غياب الدعم الأميركي؛ فالمدينة التي تحل الثانية في العراق بعد بغداد مساحة، تمتاز بجغرافية معقدة يتعذر التوغل فيها من دون غطاء جوي.
وتؤكّد تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" عن تلقي العبادي إشارات من الولايات المتحدة بعدم مشاركة قواتها في تحرير الموصل، أو أي مدينة أخرى في حال وجود "الحشد" فيها، وهو ما يؤدي الى تحوّل المدن التي ترغب المليشيات بالتقدّم نحوها بمثابة ثقب أسود يستنزف قواتهم، كما حصل في مدن جنوب محافظة صلاح الدين نهاية العام الماضي.
ويقول مسؤول سياسي عراقي بارز لـ"العربي الجديد" إن "واشنطن أبلغت العبادي بصراحة أنّ مشاركة "الحشد" تعني عدم مشاركة التحالف الدولي بمعركة الموصل أو أي معركة أخرى". وبين أنّ "ذلك جرى قبل أسابيع من إعلان العبادي عن قرار مشاركة "الحشد" وهو ما يثير علامات استفهام حول السبب الذي دفع العبادي الى هذا الإعلان".
وربط المصدر بين الإعلان عن دعم المليشيات وبين زيارة وفد رفيع من الحرس الثوري الإيراني الأسبوع الماضي إلى بغداد ولقائه العبادي، وإبلاغه بدعم طهران للإصلاحات التي يعتزم تنفيذها ويفترض أن تطاول شخصيات مقربة من إيران موجودة حالياً بحكومة العبادي.
ورجّح أن "يكون هذا الدعم المريح للعبادي الذي سيتخلص من ضغوط الكتل السياسية بالتحالف مقابله ثمن مشاركة "الحشد"، خصوصاً إذا ما علمنا أن زيارة الوفد الإيراني لبغداد نتج عنه تقديم غالبية الكتل الشيعية الموالية لطهران استقالات وزرائها، وموافقتهم على التعديل الحكومي، وهو ما يعني أن ثمناً كبيراً مقابل ذلك، وهو مشاركة الحشد في الموصل أو حتى الفلوجة".
في السياق، أبلغ القيادي الكردي البارز ومقرّر لجنة الأمن والدفاع العراقية شاخوان عبد الله "العربي الجديد" بأنّ إقليم كردستان لن يتعامل إلا مع القوات النظامية، الجيش والشرطة، في مسألة المرور عبر أراضيه إلى الموصل"، في إشارة إلى رفض الإقليم مرور المليشيات من خلاله إلى الموصل.
وأضاف عبد الله "إذا ما أرادت تلك المليشيات الذهاب للموصل عليها أن تحرر البعاج والشرقاط وبقية المدن التي تصل للموصل أولاً، أما من خلال الإقليم، فنحن لا نتعامل إلا مع القوات النظامية ومرور مثل تلك المليشيات في مدن الإقليم غير وارد".
وأشار إلى أنّ "الموصل يجب أن تحرر على يد الجيش والشرطة وأبناء الموصل والبشمركة، وفقاً لرغبة كل الأطراف المعنية. ومن حقنا أن نرفض دخولهم عبر أراضي الإقليم". واستغرب كلام" العبادي عن مشاركة الحشد"، وأعرب عن اعتقاده بأنه (العبادي) "يريد عرقلة عملية التحرير أو تأخيرها أو خلق فتنة طائفية أو أن هناك ضغوطا مورست عليه من أجل هذا الإعلان"، مضيفاً أن "أهالي الموصل أنفسهم يقولون إن الحشد يخلق فتنة".
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة المحلية لمحافظة نينوى عن رفضها ورفض أهالي الموصل مشاركة المليشيات في تحرير المدينة. وقال المتحدث باسم المجلس علي خضير في مؤتمر صحافي عقد أمس، في مدينة أربيل "تجري حالياً الاستعدادات الجدية لمشاركة الفرقة 15 من الجيش العراقي، وقيادة عمليات نينوى، وثلاثة أفواج من الشرطة المحلية، وقوات البشمركة فضلاً عن مقاتلات التحالف الدولي لإطلاق معركة الموصل، التي تستهدف عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)". وأكّد أنّ "مشاركة مليشيات (الحشد) مرفوضة من قبلنا ومن قبل أهالي الموصل".
وأضاف خضير "نبدي تخوفنا من هذه المليشيات، ويتخوف سكان الموصل من الزجّ بالحشد الشعبي لإنقاذ مدينتهم من سيطرة (داعش) على غرار الأحداث التي رافقت معارك تكريت وبيجي، وتخللتها أعمال قتل ونهب وسلب للممتلكات".
وعزا تخوف سكان الموصل ومجلس محافظة نينوى من الزج بالحشد إلى "السمة الطائفية" و"القيادات المتعددة وغير المنضبطة"، ما قد ينذر باندلاع أعمال عنف يستغلها تنظيم داعش لإثارة الأهالي، على حدّ تعبيره.
وفي السياق، أكّد عضو الحزب الشيوعي العراقي حسام العيسى وجود إملاءات إيرانية على العبادي حيال (الحشد). ولم يستبعد العيسى خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "يكون إعلان العبادي عن مشاركة (الحشد) ثمن لحصوله على الدعم الإيراني أخيراً في تعديل الحكومة ووقف تدخلات نوري المالكي".
وبين أن "المليشيا التي تدين بالولاء لإيران تغولت لدرجة أنها قادرة على قلب نظام الحكم في البلاد، ومن الطبيعي أن تكون هناك عملية ابتزاز وضغوط. لكن أعتقد أن الإعلان غير واقعي ولن تتم مشاركة المليشيات، وإنما هي عملية مجاراة للضغوط الإيرانية الحالية على رئيس الحكومة".
في المقابل، يطرح القيادي بالتحالف الوطني الحاكم للبلاد ماجد الغراوي سيناريو مشاركة (الحشد) المتوقع، في حال استمر رفض القوى الأخرى لها. ويتمثل هذه السيناريو في المشاركة بعمليات وصفها بالمحدودة. ويضيف الغراوي لـ"العربي الجديد" أنه "قد يقتصر على تطويق المدينة وتحرير بعض أطرافها، وليس المدينة نفسها".
خلال ذلك تبقى مسألة الإعلان عن مشاركة المليشيات في معركة الموصل المرتقبة مجرد ورقة جدل داخلية أخرى في العراق استغلت خلال الساعات الماضية في إشغال العراقيين عن ملف إحالة عدد من الوزراء والمسؤولين للقضاء بتهم الفساد المالي، ووفقاً للنائب في البرلمان العراقي محمد الجاف. وأكد الجاف لـ"العربي الجديد" أن "الأسطوانة الجديدة (مشاركة الحشد بالموصل) خلقت جوا مريحا للفت الأنظار عن ملفات أخرى لا تصب في صالح السياسيين". وخلص إلى القول إن "العبادي لا يملك هذا القرار، إذ إن مفاتيح بوابات الموصل باتت بيد الأميركيين حصراً، كما الرقة في سورية".
اقرأ أيضاً: السفارة السعودية في العراق... زحمة تنافس الدبلوماسيتين الإيرانية والأميركية