خلال الفترة الأخيرة، شهدت عدن خروقاً أمنية عديدة، عبر عمليات تفجير واغتيالات. وهي ما سارعت السلطات الشرعية إلى اتخاذ إجراءات أمنية جديدة للحد منها. وقد شملت هذه الإجراءات منع خروج المعدات الثقيلة وخصوصاً العسكرية من عدن، إلا بموافقة محافظ عدن وقائد المنطقة العسكرية الرابعة، فضلاً عن منع استيراد الدراجات النارية، التي تشكل "موتاً متحركاً"، فيما اتخذ، أمس الاثنين، قرار جديد قضى بمنع السلطات المحلية والأمنية في عدن الدراجات النارية من التجول في الشوراع بشكل مؤقت.
وتعدّ الدراجات النارية أو ما بات يطلق عليه "الموتور السياسي"، من عوامل التهديد الأساسية كونها تحولت منذ سنوات إلى الوسيلة الأبرز التي تستخدم في عمليات الاغتيال سواء في الشمال أو الجنوب، وقد عادت لتستخدم من جديد في الأيام الماضية. وتستهدف عمليات الاغتيال في الجنوب ناشطين في الحراك الجنوبي فضلاً عن ضباط جنوبيين.
لكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأمنية الشرعية، يبدو أن الجماعات المسلحة، وتحديداً الخلايا النائمة، قد سارعت للرد عليها والتأكيد أنها لا تؤثر عليها، عبر ما شهدته عدن خلال اليومين الماضيين. وتم اغتيال مدير عمليات أمن عدن العقيد عبدالحكيم السنيدي، والقيادي في المقاومة نصر الشطيري اليافعي، يوم الأحد الماضي، بعد أقل من خمسة عشر ساعة على إعلان اللجنة الأمنية العليا لإقليم عدن عن إجراءاتها الأمنية الجديدة، فيما أرجأت وزارة الداخلية فتح أبوابها في عدن.
اقرأ أيضاً اليمن: "المقاومة الجنوبية" تتجاوز اختبار قرار الدمج بالجيش والأمن
وتتهم السلطات الأمنية الجماعات المتطرفة باغتيال مدير عمليات أمن عدن، في إشارة إلى تنظيم "القاعدة" الذي يتنامى الحديث عن محاولته فرض نفسه في الجنوب وخصوصاً عدن. وتعتبر الأحداث الأخيرة أكبر تحدٍ تواجهه السلطات الشرعية والأطراف الجنوبية على حد سواء منذ تحرير عدن وأغلب المحافظات الجنوبية.
وفي السياق، يشدد مراقبون وسياسيون على ضرورة أن يقف الجميع مع الشرعية والتحالف العربي، في بسط السيطرة الأمنية على كامل المناطق المحررة في الجنوب.
وتطالب بعض الأطراف، من ضمنها قيادات في "المقاومة" والسلطة المحلية وبعض مكونات الحراك والأحزاب، ممن تحدثت إليها "العربي الجديد"، بسرعة دمج "المقاومة" في صفوف الجيش وسحب السلاح من كل الجماعات المتواجدة على الأرض. في المقابل، يقترح البعض أن تقتصر الخطوات على قيام التحالف العربي والحكومة بسرعة استيعاب "المقاومة" وتدريبها خارج اليمن، حتى تستتب الأوضاع في عدن.
ويتخوف البعض من أن عدم الإسراع في دمج "المقاومة" يتيح حدوث بعض الخروق وانتشار المليشيات لتتحول إلى الطرف الأقوى على الأرض، ما يهدد بالإطاحة بجميع المنجزات التي تحققت في الجنوب خلال الأسابيع الماضية.
ومنذ تحرير عدن ومحيطها، بدا واضحاً أنّ محافظات جنوب اليمن، تخطو نحو رسم خارطة جديدة لجنوب بعيد عن هيمنة الشمال على الرغم من تعاونها مع ممثلي الشرعية اليمنية والتحالف العربي.
وقد سارعت الأطراف الجنوبية إلى دعم أي إجراءات تتخذها السلطات الشرعية والتحالف، في سبيل ترتيب الأوضاع الجنوبية، السياسية والعسكرية والخدمية، بأيادٍ جنوبية حصراً.
وكانت البداية منذ تأسيس "المقاومة" لتحرير عدن والمناطق المحيطة بها ومنع مشاركة قوات الجيش الموالية للشرعية نتيجة عدم الثقة في حقيقة ولاء هذه القوات، وخصوصاً أن بعضها كان سبباً في إسقاط الكثير من المعسكرات والألوية والمدن الجنوبية، بيد مليشيات الحوثيين، بما فيها تسليم قاعدة العند العسكرية للمليشيات بداية الحرب.
ورفض الجنوبيون أي دور في الجنوب لقيادات عسكرية شمالية موالية للشرعية، بما فيها رئيس الأركان العامة اللواء علي محمد المقدشي، المنحدر من الشمال، من محافظة ذمار تحديداً.
وهو ما دفع قيادة الشرعية والتحالف إلى الاعتماد على طاقم جنوبي بحت في عملية تطهير المناطق الجنوبية، بعدما قامت بتدريب المئات من أبناء الجنوب ليكون المتدربون نواة لإنشاء جيش جديد تتولى دول التحالف العربي تدريبه وتسليحه.
اقرأ أيضاً اليمن: المليشيات تسعى لإبطاء الهزائم شمالاً
في موازاة ذلك، اعتمدت الحكومة والتحالف إنشاء جهاز أمني وإداري جديد، بدأ في عدن وسيكتمل في محافظات لحج وأبين والضالع وشبوة، وفق ما يسمى "إقليم عدن".
وبدأت عمليات استيعاب الراغبين في الالتحاق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية والخدمية، في ما يعد الانتماء إلى الجنوب شرطاً أساسياً للمتقدمين. وبعد تحرير عدن ولحج والضالع وأبين، توقفت "المقاومة الجنوبية" وقوات الشرعية، عند الحدود بين الشمال والجنوب التي كانت موجودة ما قبل الوحدة اليمنية. ففي الوقت الذي وصلت فيه "المقاومة" في لحج إلى حدود تعز وتوقفت فيها، عمدت إلى منع دخول أبناء الشمال إلى الجنوب. بدورها توقفت "المقاومة الجنوبية" في الضالع عند الحد الفاصل بين مديريات الضالع الجنوبية وبين مديريات الضالع الشمالية، فيما توقفت "المقاومة" في أبين عند حدود المحافظة مع البيضاء.
وتشير مصادر في "المقاومة الجنوبية" وقوات الجيش الجنوبية، التي دربتها الحكومة والتحالف، إلى أنها تتخوف من أن عدم وجود حاضنة في مناطق الشمال، في حال دخولها، قد يكلفها الكثير. لكنها تؤكد أن القوات الجنوبية قد تدعم "أي مقاومة في الشمال ضد مليشيات الحوثيين والمخلوع"، في حين كانت تصريحات منسوبة لقيادات في "المقاومة" والجيش قد أكدت أنها تنتظر التحالف العربي للتوغل نحو مناطق الشمال، لمساعدة" المقاومة" فيها.
وتشير مصادر إلى أن بعض الإجراءات التي اتخذتها "المقاومة الجنوبية"، تنبع من مخاوفها من تمكن حوثيين من دخول الجنوب باسم المدنيين، ولا سيما في ظل المخاوف من الخلايا النائمة. وتتعزز هذه المخاوف، بعدما حاولت مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع تغيير مكان ميلاد الكثير من عناصرها من الشمال إلى الجنوب، وكانت تستعد لإرسالهم الى المحافظات الجنوبية.
من جهته، تحدث مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" عن الترتيبات التي كانت قد أطلقت في الجنوب قبل أسابيع، مشيراً إلى أنها ستشمل جميع الأقاليم، التي أقرت في مخرجات الحوار الوطني. ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّ "كل الأقاليم سيحكمها أبناؤها، ولا سيما المحافظات الجنوبية، التي عانت من النظام السابق والحوثيين".
وكانت إعادة ترتيب الأوضاع قد وصلت إلى إقليم حضرموت، والذي شهد قبل أسابيع تعيينات جديدة طاولت العديد من المناصب العسكرية من قيادات الالوية والوحدات العسكرية، إذ تم تكليف قيادات عسكرية حضرمية.
لكن حضرموت باتت اليوم تمثل تحدياً جديداً في الأوضاع بعد ارتفاع أصوات حضرمية تطالب بانفصال حضرموت ونفي انتسابها لليمن وحتى الجنوب، فضلاً عن تواجد تنظيم القاعدة في المحافظة، وتحديداً في عاصمتها المكلا.
وقد حاولت مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع، خلال الفترة الماضية، استغلال هذه التطورات لإظهار التحالف العربي كراعٍ للانفصال عبر الترويج أن التحالف العربي والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اكتفيا بتحرير الجنوب. ويرى مراقبون أن الهدف الأساسي للمليشيات من وراء هذه الحملة محاولة كسب تعاطف الشارع في الشمال الذي بدأ يثور ضدها ولا سيما مع اقتراب "المقاومة" من تحرير تعز كأول محافظة شمالية من أيدي المليشيات، فيما تتواصل المعارك في إب والبيضاء وذمار. ويضاف إلى ذلك معركة مأرب المشتعلة والتي تأتي ضمن الاستعدادات لتحرير صنعاء، في ظل التعزيزات العسكرية الكبيرة للشرعية والتحالف العربي.
اقرأ أيضاً: أنظار اليمنيين تتّجه إلى المعركة الحاسمة في مأرب