استعرض مؤتمر هرتسيليا، الذي انعقد أمس، خارطة التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها دولة الاحتلال، كما يفعل كل عام. لكن هذه المرة، جاءت الخارطة التي رسمها رئيس الطاقم السياسي والأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، الجنرال عاموس جلعاد، أقل ظلمة مما كانت عليه في السابق.
فقد حدد جلعاد أنّ الجبهة الشرقية لم تعد تحمل للاحتلال الخطر التقليدي الذي كانت تحمله في السابق. وقال إن "وحدة أراضي العراق ذهبت أدراج الرياح، وتفككت الدولة العراقية عملياً، ولم تعد تشكل خطراً على إسرائيل، خصوصاً بعدما باتت في واقع الحال منطقة نفوذ إيرانية، وجزءا من المخطط الإيراني لبناء الإمبراطورية الشيعية"، على حدّ تعبيره.
اقرأ أيضاً: تعزيز عقيدة الأمن الإسرائيلية وإيران والمبادرة العربية في "هرتسليا"
واعتبر جلعاد أن "الواقع القائم غربي العراق، بعدما سيطر الأكراد على شمال العراق، وخضوع الحكومة المركزية للتأثير الإيراني، دفع بأهل السنة في ظل يأسهم إلى أحضان تنظيم "داعش"، الذي بات يشكل عمليا الخطر على إسرائيل بشكل غير مباشر بفعل تهديده للأردن".
وشخّص المسؤول الأمني الإسرائيلي وضع الأردن بقوله إن "النظام الأردني يملك من عناصر القوة والاستقرار ما يجعله قادراً على مواجهة تهديدات "داعش"، وهو (أي الأردن) بات بعد معاهدة السلام (وادي عربة)، بمثابة العمق الاستراتيجي لإسرائيل في الشرق، خصوصاً أن سورية تفككت كدولة هي الأخرى ولم يعد الجيش السوري، الذي كان قبل 3 سنوات أكبر تهديد لإسرائيل، يشكل مصدراً للتهديد؛ لأنه في حالة تفكك متواصلة. كما فقد عناصر قوته وتماسكه".
ولم يغفل جلعاد أن يذكر وصول تنظيم "داعش" و"القاعدة" إلى هضبة الجولان، إلا أنه أشار إلى أن "أجندة هذه التنظيمات والاقتتال فيما بينها يحول بينها وبين استهداف إسرائيل في المرحلة الحالية، ناهيك عن أن قوة الردع الإسرائيلية تحول دون أي تحرك في هذا السياق"، وهو ما ينطبق أيضاً، بنظر جلعاد، على حالة حزب الله، لا سيما بعد تشتت قواته في سورية.
وفي ظل تفكك الدول التقليدية وظهور المنظمات، رأى جلعاد أنه لم تعد هناك "عناوين واضحة"، وبالتالي فإن إسرائيل مطالبة بأن تعرف كل تنظيم مهما كان صغيراً، وأن تعرف طبيعة العلاقات وتشابكها بين هذه التنظيمات، ومعرفة هوية كل رئيس تنظيم أو جماعة، لأن كل واحد من هؤلاء قادر على أن ينفذ عملية أو هجوما قد تكون بالغة الأثر.
وفي حين أعلن جلعاد أن لبنان وسورية والعراق تفككت، من المنظور الأمني الإسرائيلي، فإنه في ظل اتفاقية السلام مع الأردن، يبقى أمام إسرائيل، بحسبه، مصدر خطر أساسي ورئيسي من الجبهة الشرقية، وهو إيران وطموحاتها الإقليمية، معتبراً أن اللافت في خريطة الشرق الأوسط هو تفكك الدول التي تحررت من الاستعمار، فيما ترسخ واستقرت الدول التي تحكمها أنظمة ملكية، مما يلزم إسرائيل تحسين علاقاتها مع هذه الأنظمة وتطويرها.
ويشاطر جلعاد، الذي يشغل منصبه هذا منذ عام 2003، منظور رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الأمني والسياسي، ويروج هو الآخر إلى مقولة تراجع منسوب الكراهية لإسرائيل في العالم العربي المنشغل بحروبه الداخلية "لتبقى إيران التي تطل برأسين، كما الإله اليوناني يانوس، رأس يمثله (وزير الخارجية الإيراني محمد جواد) ظريف و(الرئيس الإيراني حسن) روحاني، ورأس يمثله المرشد الأعلى خامنئي، الذي هو في واقع الحال صاحب الكلمة الأخيرة، ولم يوقف يوماً عداءه لإسرائيل ولا أخرجها من حساباته".
ويرى جلعاد أن النظام الإيراني "يجيد اللعبة الدولية والخداع في كل ما يتعلق بمشروعه النووي، ولا يضيره أن يواصل الخداع وصولاً إلى تحقيق هدفه الأعلى بالتحول إلى دولة ذات قدرات نووية، مع خطة استراتيجية لبسط السيطرة الإيرانية والانتقال بعد العراق واليمن إلى شرق السعودية والبحرين لبناء الإمبراطورية الشيعية". وهو يرى أن "إيران تعتبر حزب الله كرأس حربة تجربة ناجحة، بينما تشكل سورية الجسر للوصول إلى هذا الرأس، وبالتالي فإنها تبذل كل ما في وسعها لحماية النظام السوري قدر الإمكان ومنع سقوطه".
السيسي المعجزة
وتوقف رئيس الطاقم الأمني والسياسي في وزارة الأمن الإسرائيلية عند الانقلاب المضاد الذي قام به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مصر على محمد مرسي، واعتبر أن هذا الانقلاب هو بمثابة "معجزة أمنية من المعجزات التي حصلت لإسرائيل".
وقال إن "نظام السيسي، وخلافاً للمقولة العربية (الكلام ليس عليه ضريبة)، يطبق كل ما يقوله؛ فهو يشن الحرب على "الإخوان المسلمين" في مصر، ويحارب الإرهاب في سيناء، ويمنع عمليات التهريب لغزة، كما يواصل هدم الأنفاق".
واعتبر جلعاد أن "الجيش المصري بات عملياً، بفعل اتفاقية السلام، وتحت قيادة السيسي، جيشاً سلمياً لا يهدد أمن إسرائيل، بل على العكس يشكل كنزاً لا يجب التفريط فيه، ويجب تعزيز وتنمية هذه العلاقة".
نزع الشرعية
وعلى الصعيد الفلسطيني، اعتبر جلعاد أنه خلافاً للانطباعات التي سادت في العام الماضي، فإن واقع الحال القائم في الضفة الغربية المحتلة يشي بسيطرة أمنية ثابتة تجعل من سيناريوهات اندلاع انتفاضة ثالثة بعيدة، بفعل قوة الردع الإسرائيلية العسكرية. في المقابل، فإن الخطر أو التحدي الرئيسي هو بالذات على الصعيد الدولي، في سياق الحملة التي يقودها الفلسطينيون لنزع الشرعية الدولية عن إسرائيل.
ورأى جلعاد أنه على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يمثل الفلسطينيين، لكن على أرض الواقع هناك كيانان فلسطينيان، (حماستان) في غزة والسلطة في الضفة الغربية، ولن تسمح حركة "حماس" بأن يكون لأبومازن سيطرة أو سلطة في قطاع غزة.