"حب أردوغان" يُشعل الخلافات داخل حزب أكراد تركيا

11 ديسمبر 2015
شنّ دميرتاش حملة على بعض أعضاء حزبه(ديميتار ديلكوف/فرانس برس)
+ الخط -
لم تقتصر تبعات الهزيمة الكبيرة للمعارضة التركية في الانتخابات البرلمانية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على كل من حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، الذي لم يستطع أن يحقق أي تقدُّم في شعبيّته، أو حزب الحركة القومية (يميني متطرف) الذي كان أكبر الأحزاب الخاسرة، بل طاولت حزب "الشعوب الديمقراطي" (ذا الغالبية الكردية)، الذي كانت الانتخابات الأخيرة انتكاسة كبيرة لمشروعه، إذ بدأت تتفجّر بعض الخلافات الداخلية، وتحديداً حول دور الحزب في السنوات المقبلة، قبل شهر من مؤتمره السنوي المقرّر بداية العام المقبل.

ووجّه زعيم "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش، انتقادات شديدة لمجموعات في حزبه، أطلق عليها اسم "محبي أردوغان"، ممن اعترضوا على الانقلاب الكبير، الذي حصل في الحزب بقيادة كل من دميرتاش وبدفع من القيادي المعروف في الحزب، سري ثريا أوندر، قبل الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، بإعلان العداء للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على خلفية مشروع الأخير بالتحوّل إلى نظام رئاسي.

وقال دميرتاش في آخر اجتماع لكتلة الحزب النيابية قبل انتخابات يونيو، موجّهاً حديثه إلى أردوغان بالقول: "لن نجعلك رئيسنا"، في إشارة إلى معارضة أهم أحلام أردوغان، وهو التحول إلى النظام الرئاسي في تركيا، والذي يعتبر محل إجماع بالنسبة لليمين التركي، والحل الوحيد بالنسبة لهم لمنع تكرار ضعف السلطة، الذي عاشته الجمهورية خلال فترة الحكومات الائتلافية في الثمانينيات والتسعينيات، وما أفرزته من مشاكل ضخمة لا تزال تركيا تدفع ثمنها حتى الآن، كان أهمها انهيار اقتصاد البلاد والانقلابات العسكرية وتمرّد حزب "العمال الكردستاني".

وجدّد دميرتاش خلال لقائه بعدد من الصحافيين، أمس الخميس، أنّه "لطالما كان هناك في الحزب مجموعات من محبي أردوغان"، في إشارة إلى تلك التي ترى أنّه لا مجال لحل القضية الكردية من دون التعاون مع "العدالة والتنمية"، الذي لا يمكن اعتباره إلّا أهم الأحزاب التي تشكّلت في تاريخ الجمهورية التركية.

وفي تعليقه على معارضة بعض المجموعات لإعلان العداء لأردوغان وما تبعها من انهيار لعملية السلام، قال دميرتاش: "وحدهم، محبي أردوغان، من يهتمون لذلك، لطالما كان هناك محبون له داخل حزبنا"، مضيفاً "كان هؤلاء دائماً من داعمي أردوغان السريّين، بعضهم عملوا كنواب عن حزبنا، وكنا دائماً حذرين من رغباتهم. هؤلاء يظنّون أنّ عملية السلام يمكن أن تتم من خلال حب أردوغان، وإقامة علاقات جيدة مع حزب (العدالة والتنمية)، بل تفضيل مغازلته. هؤلاء باتوا نواباً سابقين بسبب ذلك، وإلا لكانوا استمروا في عملهم لغاية اللحظة".

وكرّر دميرتاش دعوته لسحب ملف عملية السلام من يد "العدالة والتنمية" عبر إعادته إلى البرلمان، بعدما باتت العملية محل إجماع أكثر من 90 في المائة من الأتراك، بعد جهود كبيرة بذلها "العدالة والتنمية" للترويج للعملية على مدار سنوات، قائلاً: "يجب أن يتم تشكيل لجنة في البرلمان لتتولى المهمة".

اقرأ أيضاً:
لماذا خسر حزب الشعوب الديمقراطي؟

ويرى مراقبون، أنّ تصريحات دميرتاش تشير إلى خلافات ضمن حزبه، والتي لطالما بقيت بعيدة عن الإعلام، بين وجهتَي نظر؛ الأولى، التي وصفها دميرتاش بـ"محبي أردوغان"، التي ترى أنّ "الشعوب الديمقراطي" لا بد أن يعود إلى دور الوسيط، عبر إقامة علاقات جيدة مع "العدالة والتنمية" لاستغلال قوة، والتفاهم معه حول صفقة تقضي بمساندة أردوغان بالتحول نحو النظام الرئاسي مقابل الحصول على مكاسب في الدستور التركي الجديد. "مكاسب" تبدأ بالاعتراف بالقومية الكردية وإعادة تعريف الأمة التركية حتى لا تقتصر على العرق التركي، وأيضاً الحصول على صلاحيات أوسع في الإدارة الذاتية، بما يقترب من النموذج العثماني قبل التحوّل نحو المركزية الإدارية في عصر التنظيمات في القرن التاسع عشر. نموذج آخر يحلو للبعض التشبه به هو الأميركي، إذ يكون الولاة منتخبين، والقائممقامون أيضاً، لا أن يكونوا معيّنين من قبل رئاسة الجمهورية، فضلاً عن تشكيل مجالس نيابية للولايات، وصولاً إلى تشكيل مجالس مناطق أو أقاليم تضم الولايات ذات الغالبية الكردية شرقي البلاد في وحدة إدارية ضمن حدود الجمهورية التركية.

أما وجهة النظر الثانية، التي يمثّلها دميرتاش وعدد من القيادات الأخرى، فترى أنّ تركيا بحاجة إلى قائد تاريخي جديد لن يكون أردوغان "الثعلب والقومي التركي" الذي لطالما نكث بوعوده، والذي قدّم كل ما يمكنه خلال 13 عاماً من تسلّمه السلطة. بالتالي، لا بد من قطع العلاقة معه، والسير قدماً في التحول إلى حزب معارضة يساري تركي، يصرّ على النظام البرلماني وإعادة عملية السلام إلى البرلمان، مما يعني الاصطدام بقيادة "العمال الكردستاني" في جبال قنديل التي لن تسمح بخروج "الشعوب الديمقراطي" عن دوره كجناح سياسي لها، وأيضاً الانتظار للحظة التي ينتهي فيها دور "العدالة والتنمية" في الحكم، والتي لا تزال بعيدة للغاية، بحسب المراقبين أنفسهم.

وعلمت "العربي الجديد"، من مقربين في "الشعوب الديمقراطي"، أنّ تصريحات دميرتاش تقصد أطرافاً ضمن الحزب، تمهيداً لحسم استراتيجيته في المؤتمر المقبل، إذ بدأت التكهنات حول الأسماء التي قصدها دميرتاش بلقب "محبي أردوغان".

في هذا السياق، طالب النائب السابق، رئيس بلدية مدينة أغري، شرق البلاد، سري ساكك، الذي كان له موقف حاد ضد "الكردستاني" بسبب عدم التزامه بدعوة زعيمه، عبدالله أوجلان، للتحول إلى النضال الديمقراطي، بإتاحة المجال أمام "الشعوب الديمقراطي" للعمل سياسياً بدلاً من العودة إلى القتال، الذي لم يفرز شيئاً خلال ثلاثين عاماً سوى المزيد من الدماء.

ودعا ساكك دميرتاش إلى الإفصاح عمن يتهمه بحب أردوغان، مؤكداً أنّ علاقته مع الأخير كانت في الوقت، الذي كان فيه الجميع يقيم علاقة جيدة معه، قائلاً: "لا بد لدميرتاش أن يتحدث بصراحة، وأن يذكر الأسماء بشكل مباشر. أنا سياسي صريح، أقف إلى جانب حقوق الإنسان، ولا تزال تتم محاكمتي حتى اليوم ويطلبون لي السجن لسبع سنوات ونصف السنة، ولمواقفي الثابتة في وجه الظلم. يأتيني في كل انتخابات تكليف بالترشح كنائب، وعلى الرغم من ذلك لست قديماً، ولا أزال ناشطاً في مجال السياسة".

بدوره، دعا النائب، حسيب قبلان، الذي بقي خارج قوائم الحزب في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، دميرتاش إلى الإفصاح عن الأسماء، قائلاً إنه "في الحزب هناك قاعدة الدورتَين الانتخابيّتَين، لذلك لم أترشح، أما من يقصد، فلا بد من سؤال دميرتاش عن ذلك". كما أكّد النائب السابق، عادل زوزاني، الذي لم يتم ترشيحه في الانتخابات الماضية، أن "شعار لن نجعلك رئيسنا، كان خاطئاً"، مشدداً على إغلاق الأبواب حول النقاش في التحوّل عن النظام البرلماني، مشيراً إلى أنّه أمر غير صحيح.

اقرأ أيضاً: مرشح العدالة والتنمية رئيساً للبرلمان التركي