يعتبر محلل الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، أنّ أحداث اليومين الماضيين من شأنها أن تكون نقطة التحوّل في ظلّ توسّع مواقع العمليات التي طاولت أنحاء إسرائيل داخل الخط الأخضر من كريات جات في الجنوب حتى العفولة شمال مرج بن عامر، مروراً بعمليات متتالية في القدس المحتلة، وأخرى في تل أبيب وبتيح تكفا، وسط إسرائيل.
ويلفت هرئيل إلى أنّ عدد "الضحايا" الإسرائيليين، أقل بكثير من الأيام الموازية في الانتفاضة الثانية، مشيراً إلى أنّ حالة من الهستيريا الدرامية رافقت التغطية الإسرائيلية في نقل أحداث، تبيّن لاحقاً، أنّها وقعت مثلاً على خلفية جنائية مع ما رافقها من حالة رهاب إسرائيلية على صفحات التواصل الاجتماعي.
على صعيد متصل، يرى مراقبون آخرون أن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، "جاء خالياً من أية استراتيجية أو رؤيا واضحة تتعدى الخطوات التكتيكية التي لجأ إليها الاحتلال حالياً، مثل تقييد حرية المقدسيين في التنقل، والاعتقالات الإدارية، ونشر قوات معززة من الجيش وإطلاق يد الجيش في التعامل مع الأحداث من دون أي قيود"، وفقاً للمعلّق السياسي الإسرائيلي، براك رابيد.
أمّا هرئيل، فيعتبر أنّ دعوات حمل السلاح الشخصي، والتي صدرت عن رئيس بلدية القدس المحتلة، نير بركات، هي أيضاً حالة من الهستيريا التي قد يسارع للاستجابة لها إسرائيليون أنهوا الخدمة العسكرية منذ سنوات ولا يجيدون استخدام السلاح، مع ما يحمل ذلك في طياته من "مخاطر" الخطأ في التشخيص عند استخدام السلاح الشخصي، ووقوع حالات إطلاق نار من دون مبرر ما قد يفاقم الأوضاع.
وفي غياب الرغبة في إبراز الاحتلال كمسبّب رئيسي لاندلاع العمليات الفلسطينية، يحاول الإسرائيليون رسم ملامح منفذي العمليات الفردية، باعتبارهم جميعاً شباناً في مقتبل العمر، لا تتجاوز أعمارهم الـ20 عاماً، وهم متأثرون، على الرغم من أنّهم غير منظمين بما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، وخصوصاً في ما يتعلق بمخططات إسرائيل لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، عدا أنّ نجاح العملية الأولى يغذّي العمليات المقبلة، من دون الحاجة إلى أكثر من الجلوس أمام الحاسوب والإبحار في صفحات المواقع الإلكترونية.
ويتوقّف مراسل الشؤون العسكريّة في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، عند هذه النقطة، ليقول إنّ "حقيقة الدور الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعية في هذا السياق، تبرز أكثر من أي شيء آخر، حجم الفشل الذي كان من نصيب الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية التي تدّعي تفوّقاً في حرب السايبر، على الرغم من أنّ الحديث لا يدور هنا، عن شبكات عنكبوتية محمية، شأن أجهزة وشبكات المعلومات في إيران، مثلاً".
اقرأ أيضاً الضفّة المنتفضة: ما تحت اللهيب!
ويحاول هرئيل إيجاد تفسير منطقي لتردد الجيش الإسرائيلي في إطلاق تسمية "انتفاضة ثالثة" على التطورات، واضعاً غياب عنصر المشاركة الشعبية الواسعة، وخصوصاً قطاعات النساء والكبار في السن، عن الأحداث الحالية كمبرّر، على حد قوله. لكنه سرعان ما يقرّ أنّه "عملياً لا توجد انتفاضة شبيهة بأخرى، وبالتالي لا يوجد أدنى شك أننا أمام موجة إرهاب كبيرة، من المنطقي القول إنّه سيمرّ وقت طويل قبل أن تهدأ". ويلفت هرئيل إلى "تأكيد الجيش وجهاز الأمن العام، الشاباك، هذه المرة، على الجانب الإيجابي المتمثّل بدور السلطة الفلسطينية، خلافاً لعام 2000، لجهة عدم تشجيعها الإرهاب وإصدارها تعليمات للأجهزة الأمنية بكبح جماح العنف بشكل جدي".
وفي هذا السياق، يكشف المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، عن أنّه "غداة لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، صباح الأربعاء (الماضي)، مثّل رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مكتب قائد المنطقة الوسطى لجيش الاحتلال، المسؤول عن الضفة الغربية، الجنرال روني نوما، وتمخّض عن الاجتماع اتفاق لوقف موجة العنف".
وفي ما يخصّ السلطة الفلسطينية، يتّفق المحللون، هرئيل، وفيشمان ويهوشواع، على أن الأحداث المشتعلة حالياً، لا يمكنها أن تطمس في الوقت ذاته، تحت ألسنة اللهب ما يدور في ديوان عباس ولا حتى الحرب على خلافته بين مختلف الأجهزة الأمنية، إذ إن كل من يسيطر عليها، سواء كان العقيد جبريل الرجوب أو القيادي الأمني المطرود من حركة "فتح"، محمد دحلان، ستكون له فرصة في الوصول إلى الحكم بعد فترة عباس، ولن يخضع أي من الاثنين لسلطة أمين سر منظمة التحرير، الدكتور صائب عريقات.
وفي هذا السياق، يعتبر فيشمان، أن أحد نقاط القلق المحتملة، تكمن في تحرّك "التنظيم" التابع لحركة "فتح"، خلافاً لتعليمات عباس، وعودته إلى الشارع الفلسطيني، ما يثير السؤال المطروح إسرائيلياً، عمّا بعد عباس، وإذا ما كان سيواصل ورثته طريقه في التنسيق الأمني أم سيتجهون نحو التصعيد، لا سيما أن هذه الاستراتيجية تعتبر في نظر الفلسطينيين فاشلة، وبالتالي فإن الشارع الفلسطيني سيؤيد من يتبنّى موقفاً مغايراً.
ويخلص هرئيل، في حديثه عن ملامح المرحلة، إلى أن الوضع الحالي قد يستمر لفترة من الوقت، باعتبار أنّ إسرائيل لم تقدّم طرق بديلة أو جديدة لمواجهة الأحداث، بل تواصل العمل بالأدوات السابقة، في تعزيز انتشار قوات الجيش، وعدم تغيير الموقف الجوهري من السلطة الفلسطينية، وخصوصاً أن نتنياهو في وضع يناور فيه بين البلاغة الخطابية وبين توجّه براغماتي لاحتواء الأوضاع ميدانياً.
ويتضح من استعراض ما كتبه المعلقون الثلاثة، أنّ هناك شبه إجماع لدى القيادات العسكرية في إسرائيل على أنّه حتى وإن تم في نهاية المطاف وقف الانتفاضة الحالية وخفض منسوب التوتر والعمليات، فإن كل ذلك سيبقى أمراً مؤقتاً، ما لم يتم إطلاق عملية سياسية والسير باتجاه تسوية سلمية، لأنه لا يمكن الاكتفاء بالحل العسكري، باعتبار أنّ هذه النار قد تخمد حالياً، لكنها ستعود لتشتعل لاحقاً، مع أوّل أزمة.
اقرأ أيضاً: غزة و"الهبّة الجماهيرية"... في انتظار نضوج ظروف المشاركة