يبدو أن مساعي الإدارة الأميركية لعزل العراق عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لن تكون سهلة، في ظل استمرار إيران لمحاولة فرض الوصاية على البلدين، وتداخل الملفات الأمنية والسياسية التي ورثتها الحكومة العراقية الجديدة عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مع إصرار الجناح المحافظ في "التحالف الوطني" الشيعي على عدم قطع العلاقة مع الأسد.
وفي السياق، يكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، عن وصول مبعوث خاص للأسد إلى بغداد، على رأس وفد يضم أربعة شخصيات أمنية وعسكرية سورية، التقى خلالها بعدد من المسؤولين العراقيين في "التحالف الوطني"، وقادة مليشيات عراقية، فضلاً عن ممثلي مراجع دينية.
ويقول مسؤول عسكري عراقي في هيئة رئاسة أركان الجيش، لـ"العربي الجديد"، إن "الوفد السوري ناقش مع أطراف عراقية مسألة غارات التحالف الدولي" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فضلاً عن موضوعات تتعلق بـ"استمرار انتقال السلاح والمعدات العسكرية الثقيلة التي استولى عليها التنظيم من الجيش العراقي إلى سورية واستخدامها بشكل فعال، وأهمية إيقاف ذلك عبر الطلب من الولايات المتحدة استهداف القوافل".
ويوضح المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الوفد السوري التقى بقيادات عراقية شيعية في "التحالف الوطني"، وضباط كبار في وزارتي الدفاع والداخلية في منطقة الجادرية جنوب بغداد، وهي المنطقة التي تقطن فيها قيادات "التحالف" ومسؤولون مقربون من المالكي. ويضيف أن "اللقاءات جرت بشكل غير رسمي، وناقشت مسألة استمرار عودة مقاتلي المليشيات العراقية إلى بغداد وإحداثهم فراغا في سورية، وضرورة تنسيق الجهود في هذا الإطار لمواجهة العدو المشترك".
وكان القيادي في مليشيا "بدر" العراقية حسين الناصري، قد كشف الشهر الماضي، عن عودة من سمّاهم المئات من المجاهدين العراقيين من سورية إلى العراق للمساعدة في التصدي لتنظيم "داعش".
وفي هذا السياق، يقول المسؤول العسكري الذي يحمل رتبة عميد ركن إن "الوفد السوري أعرب عن قلقه من ظاهرة الهجرة العكسية لمقاتلي المليشيات التابعين لجماعات العصائب، أبو الفضل العباس والعقيلة زينب، إذ أحدثت فراغاً في مناطق سورية عدة من أهمها ريف دمشق".
ويضيف المسؤول أن "الوفد لم يلتق (رئيس الحكومة حيدر) العبادي أو أحد نوابه، لكنه التقى بمسؤولين مؤثرين في الملف الأمني الداخلي وقيادات سياسية، وكلاً من قائدي مليشيا بدر والعصائب، هادي العامري وقيس الخزعلي".
ويؤكد المسؤول العراقي أن "مثل هذه الزيارات باتت تشكل إحراجاً للعبادي أمام الأميركيين، إذ تتهم واشنطن بعض القادة العراقيين بتسريب معلومات إلى دمشق، من بينها موعد هجوم التحالف على سورية وعدد من مواقع التنظيم، آخرها مواقع نفطية"، كاشفاً عن أن "وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري هو المتهم الأول في الموضوع".
تسريب معلومات لدمشق
على صعيد متصل، يخشى الأميركيون، بحسب المسؤول، أن يؤدي استمرار "تسريب المعلومات التي تقدمها بغداد إلى دمشق في ما يتعلق بعمليات التحالف الدولي، إلى استفادة النظام منها في تعزيز مواقعه على الأرض على حساب المعارضة السورية"، مؤكداً أن "الأميركيين توقفوا منذ أيام عن تبادل المعلومات مع غرفة التنسيق المشتركة في بغداد، وقد يكون ذلك لهذا السبب".
وكان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قد أعلن عن إبلاغ واشنطن للنظام بموعد الضربات الجوية، وهو ما نفته الولايات المتحدة، ليعود المعلم إلى التأكيد بأن بغداد هي من أبلغته بذلك.
وتعليقاً على الموضوع، يقول المحلل السياسي العراقي، فؤاد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين باتوا أكثر حذراً في عملية تبادل المعلومات مع القادة العراقيين، ويخشون أن يتمكن نظام الأسد من استغلال النظام العراقي في الحصول على تلك المعلومات، وهو ما بدا واضحاً في توقف القوات العراقية عن الإعلان عن الغارات الدولية قبل أن تعلن قوات التحالف بنفسها عنها".
ويلفت علي إلى أن "الأيام المقبلة قد تشهد تغييرات في سلسلة مناصب أمنية واستخبارية مهمة في بغداد يقوم بها العبادي بضغط من الأميركيين، تكون مكملة لعملية تطهير سابقة نفذها العبادي بحق قيادات الجيش في عدة مفاصل من المؤسسة العسكرية".