وتتفاوت المواقف الدولية وتتباين ردود أفعال بين من يعرب عن قلق من تقسيم بريطانيا، وبين من يخشى ارتدادات الحدث على كيانه، وبين من يقف مؤيداً وشامتاً. ويترجم الاهتمام بالاستفتاء على استقلال اسكتلندا عبر تقديمه في وسائل الإعلام، وكأنه استفتاء على مصير بريطانيا بكاملها.
قلق وخوف وتأييد
البداية من واشنطن التي يتصاعد قلقها مع اقتراب موعد الاستفتاء على استقلال اسكتلندا، والتي تأمل أن تكون نتيجة الاستفتاء سلبية. أعلن البيت الأبيض، في أحدث تصريحات له حول المسألة، أنه يحترم حق الاسكتلنديين في أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم في استفتاء الخميس المقبل، لكنه جدد الإعراب عن أمله في أن تبقى بريطانيا "قوية وموحدة".
ويرى الساسة الأميركيون، الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، أن الاستقلال المرتقب سيضعف العلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة وما تبقى من الاتحاد البريطاني. ولم تخف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، دعمها للاتحاد البريطاني، وأعربت عن تخوفها من انفصال مقاطعة اسكتلندا عنه.
وكان أوباما قد قال، في يونيو/حزيران الماضي، إن "المملكة المتحدة ستكون أكثر قوة أذا بقيت متماسكة".
بدوره، يعرب عضو الحزب "الديمقراطي"، الذي يتزعم الحملة المؤيدة للاتحاد البريطاني داخل الكونجرس، براد شيرمان، عن قلقه من أن يفضي الاستفتاء إلى الاستقلال. ويقول إنه "لن تجد مسؤولاً أميركياً واحداً يعمل في السياسة الخارجية، إلا ويرى أن الانفصال سيضعف حلفنا مع البريطانيين". ويضيف: "الاتحاد البريطاني حليف قوي لنا".
ويرى شيرمان أن الانفصال سيفضي إلى إضعاف القوات العسكرية البريطانية، التي قد تصبح غير قادرة على العمل بفاعلية مع القوات الأميركية في المناطق الساخنة في العالم.
يتفق السيناتور الديمقراطي، كرس مرفي، وزميله في الحزب الجمهوري، رون جونسون في هذا الطرح، فهما يعتبران أن "الانفصال لا يصبّ في صالح العلاقة الأميركية - البريطانية". وكان مجلس النواب الأميركي قد أصدر، الصيف الماضي، قراراً يدعو فيه إلى دعم "اتحاد بريطاني مزدهر وآمن".
وقبل أسبوع من اجراء الاستفتاء، باشرت وزارة الخارجية الأميركية إطلاق تصريحات واضحة على لسان المتحدثة باسمها، ماري هارف، تؤكد على تأييد أوباما لـ"اتحاد بريطاني قوي ومتين"، مع العلم أن هارف كانت قد وصفت، في وقت سابق، الاستفتاء بأنه "شأن داخلي بريطاني".
في المقابل، رحب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإجراء الاستفتاء على استقلال اسكتلندا. وهو أمر متوقع ما دامت روسيا، التي تتظاهر بعدم الاهتمام، ترغب في رؤية بريطانيا تفقد الكثير من وزنها على الساحة الدولية في حال انفصال اسكتلندا.
ويتناقض موقف بوتين المؤيد لاستفتاء اسكتلندا مع مواقف روسيا من قضية الشيشان وداغستان، حيث تستخدم موسكو القوة لمنع الحركات الانفصالية من الاستقلال.
أما الحكومات الأوروبية فتراقب تطورات الاستفتاء بحذر شديد، وترى أن الاستقلال، إن حصل، سيفضي إلى ارتدادات قوية قد تصل آثارها إلى جميع أنحاء القارة.
وسيمثل الاستقلال سابقة، كونها المرة الأولى التي ستطلب فيها دولة انفصلت عن دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، الانضمام إلى الاتحاد. وهذا ما يقف وراء التحذير الذي أطلقه رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باراسو، لاسكتلندا بأن مسعاها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي لن يكون سهلاً، حالها كحال كوسوفو التي اعترضت إسبانيا على طلب انضمامها للاتحاد.
ويتعاطف صناع القرار في كندا، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، ستيفن هاربر، مع المدافعين عن الاتحاد البريطاني. وحثّ هاربر، خلال حضوره قمة الحلف الأطلسي في ويلز، الأسبوع الماضي، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، على بذل المزيد من الجهود لإقناع الاسكتلنديين بالبقاء في الاتحاد البريطاني.
ويرى هاربر أن ما يحدث في بريطانيا يشبه ما حدث في كندا خلال الأيام التي سبقت الاستفتاء على إقليم كيبيك قبل عشرين عاماً. ويقول هاربر إن "سبب عدم التصويت لصالح انفصال كيبيك، هو تدارك الموقف عبر الشروع بتكثيف الحملات المناهضة للانفصال، المخاطبة لوجدان شعب المنطقة".
الانفصاليون يترقبون
تأمل الحركات الانفصالية في جميع أرجاء العالم حصول الاسكتلنديين على الاستقلال، لأن ذلك يعني لهم إمكانية تحقيق أحلامهم الخاصة بالاستقلال.
وقبل أسبوع على موعد الاستفتاء في اسكتلندا، خرج الآلاف في عاصمة إقليم كاتالونيا، برشلونة، للمطالبة بإجراء استفتاء على استقلال الإقليم عن إسبانيا.
ولوح المشاركون، الذين حصلوا على الكثير من الزخم من استفتاء اسكتلندا، بعلم كاتالونيا والعلم الاسكتلندي.
وتعارض إسبانيا منح كاتالونيا تقرير مصيرها، مع أن حكومة الإقليم قررت تنظيم استفتاء شعبي في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لتحديد مستقبل الإقليم.
وفي مقاطعة فينيتو شمال إيطاليا، نظّم عدد من النشطاء الانفصاليين استفتاء عبر الانترنت، مستلهماً من الاستفتاء على استقلال اسكتلندا، وأعلنوا أن نحو 90 في المئة من سكان المقاطعة يؤيدون الانفصال عن روما.
ويراقب الفلامان في شمال بلجيكا، التطورات حول استقلال اسكتلندا عن قرب، آملين حصول اسكتلندا على الاستقلال، لأن ذلك سيمنحهم دافعاً قوياً للمطالبة بالاستقلال عن بلجيكا.
وبعيداً عن أوروبا، يأمل سكان جزيرة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، أن تكون نتيجة الاستفتاء في اسكتلندا لصالح المؤيدين للاستقلال، لأن ذلك سيمنحهم زخماً في مباحثاتهم مع بكين حول مستقبل الجزيرة.
وفي إقليم كردستان العراق، والذي طالما لوّح بالانفصال عن بغداد كلما تصاعد النزاع بينهما حول الموارد النفطية والمناطق المتنازع عليها وبعض القضايا الدستورية، يراقب الأكراد التطورات حول الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن قرب، آملين حصول اسكتلندا على الاستقلال للتسريع في تحقيق حلمهم بدولة كردية.