ما نعرفه عن المقابر الجماعية في غزة.. إسرائيل بالجرم المشهود

ما نعرفه عن المقابر الجماعية في غزة.. إسرائيل بالجرم المشهود

26 ابريل 2024
أثناء استخراج جثامين شهداء في خانيونس، 24 إبريل 2024 (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اكتشاف مقابر جماعية في مستشفيين بغزة يثير دعوات لتحقيق دولي، مع العثور على مئات الجثامين وإمكانية كشف جرائم حرب.
- المفوضية السامية لحقوق الإنسان والدفاع المدني بغزة يؤكدان على ضرورة التحقيق في الانتهاكات، مع الإشارة إلى انتشال 392 جثة والتعرف على 165 منها.
- منظمات دولية بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية تدعو لتحقيقات مستقلة وشفافة لضمان المساءلة عن الانتهاكات المحتملة.

مؤشرات على تنفيذ إعدامات ميدانية وشكوك حول دفن فلسطينيين أحياء

موقع دفن اكتشف في مستشفى ناصر عثر فيه على نحو 400 جثمان لشهداء

دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وآخرون لإجراء تحقيق دولي

أثار اكتشاف عدد من المقابر الجماعية في غزة دعوات من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان وآخرين لإجراء تحقيق دولي، فيما قالت السلطات الفلسطينية إن هذه المقابر التي اكتشفت في مستشفيين تحوي جثامين مئات الشهداء. ولا تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي، لكنها موقع دفن يحتوي على جثث عديدة، وقد يكون وجودها مهما في الكشف عن جرائم حرب محتملة.

وقالت السلطات الفلسطينية إن موقع دفن اكتشف في مستشفى ناصر، المنشأة الطبية الرئيسية في وسط غزة، عثر فيه على نحو 400 جثمان لشهداء فلسطينيين. واكتشف الموقع بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة خانيونس. وشاهد مراسلو "رويترز" يوم الاثنين عمال طوارئ وهم يستخرجون جثثا من تحت أنقاض مستشفى ناصر.

وعثرت السلطات الفلسطينية أيضا على موقع دفن آخر في مستشفى الشفاء بشمال غزة استهدفته عملية للقوات الخاصة الإسرائيلية. وتحققت "رويترز" من لقطات لحفر مقابر بالقرب من المستشفى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني. وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، يوم الثلاثاء، إنه يتعين إجراء تحقيق للتثبت من عدد الجثث، لكن "من الواضح أن جثثا كثيرة اكتشفت". وأضافت شمداساني: "كانت أيدي بعضهم مقيدة فيما يشير بالطبع إلى انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتعين إخضاع هذا لمزيد من التحقيقات".

وأكد الدفاع المدني في قطاع غزة، الخميس، في مؤتمر صحفي، أن طواقم الدفاع المدني انتشلت من مجمع ناصر الطبي 392 جثة تمّ التعرّف على 165 منها، وأنه جرى رصد وجود ثلاث مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي، الأولى أمام المشرحة والثانية خلفها والثالثة شمال مبنى غسيل الكلى، و"قد تكدّست فيها جثامين الشهداء"، مشددا على أن "هناك مؤشرات وشبهات حول تنفيذ إعدامات ميدانية، وشكوك بممارسة التعذيب، وشكوك حول دفن ضحايا أحياء (..) رصدنا عمليات تكبيل بطرق مختلفة بالحزام ومرابط القماش لبعض الجثامين من الأقدام إلى اليدين، وهذا يدلّ على عمليات تعذيب".

جريمة حرب

بموجب اتفاقات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها إسرائيل، يتعين على أطراف نزاع ما اتخاذ كل التدابير الممكنة لمنع أي عبث بجثث الموتى. ويدعو القانون الدولي الإنساني العرفي إلى احترام الموتى، بما في ذلك واجب منع العبث بالقبور وضمان التعرف على الرفات البشرية ودفنها بشكل لائق. ويحظر القانون الدولي الإنساني أيضا التشويه والتدنيس وغير ذلك من أشكال عدم الاحترام للموتى، ويجب على الأطراف اتخاذ تدابير لحماية مواقع الدفن، ومن بينها تلك التي تحتوي على رفات أعداد كبيرة من الموتى.

وفي عام 2002، في قضية تتعلق باستشهاد فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية مسؤولة، بموجب القانون الدولي، عن "تحديد موقع وهوية ونقل ودفن جثث" الشهداء الفلسطينيين. وقال القضاة إنه يجب ألا تدفن الجثث في مقابر جماعية، بل تُسلم إلى السلطات الفلسطينية. ويعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تدنيس جثث الموتى أو التمثيل بها بأنه جريمة حرب، وهو شيء محظور باعتباره إهانة للكرامة الشخصية. وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، إن تقارير السلطات الفلسطينية بأن قواته دفنت الجثث "لا تستند لأي أساس". وادعى أن المقابر الجماعية في غزة حفرها فلسطينيون، وأنها تعود إلى ما قبل عمليات الجيش الإسرائيلي. وارتكب جيش الاحتلال انتهاكات خطيرة وواسعة وممنهجة على امتداد 203 أيام من الحرب على غزة، وتحاكم دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في دعوى رفعتها جنوب أفريقيا.

سوابق من حروب ماضية

ولعبت الأدلة المستقاة من استخراج الجثث من المقابر الجماعية دوراً حيوياً في محكمة جنائية دولية للأمم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة، وأقرت المحكمة أن مذبحة سربرينيتشا عام 1995 التي قتلت فيها قوات صرب البوسنة نحو 8000 رجل وولد من المسلمين كانت إبادة جماعية. وفي محاكمة جنرال قوات صرب البوسنة راديسلاف كرستيتش، وهو أول شخص تدينه المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بالإبادة الجماعية عام 2001، وجد القضاة أن الأدلة المستمدة من عمليات استخراج الجثث التي تظهر أن مئات الضحايا قد دفنوا معصوبي الأعين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم على الأرجح، وهو ما كان كافيا لاستنتاج أنهم لم يلاقوا حتفهم في قتال.

وقالت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، في بيان الأربعاء من غزة، إن "المقابر الجماعية تحتوي على أدلة حيوية لإثبات حقيقة ما وقع من أحداث.. يتعين اتخاذ إجراءات على الفور لحماية وتوثيق المواقع التي وردت تقارير عن وجود مقابر جماعية فيها بغزة". وأضافت اللجنة، التي ساعدت في التعرف على آلاف الضحايا المدفونين في مقابر جماعية في حروب البلقان في التسعينيات، أنه في حالة وقوع جرائم حرب فإن "هذه العمليات تتيح تقديم الجناة إلى العدالة".

إذا أدت إعادة الدفن أو فتح المقابر الجماعية إلى تدنيس الرفات البشرية، فمن الممكن أن توجه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات. وبوسع المحكمة أيضا أن تستخدم تقارير عن محاولة التستر على جرائم بدفن جثث في مقابر جماعية كدليل يدعم أن الجناة كانوا يعلمون أن هذا القتل غير قانوني. ويستطيع القضاة استخدام الحالات المؤكدة لأشخاص قتلوا وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم للتوصل إلى أن الموتى لم يكونوا من النشطين في القتال. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر قتل أو جرح مقاتل أثناء الاحتجاز جريمة حرب.

دعوات لتحقيق دولي في المقابر الجماعية في غزة

وردا على سؤال حول حقيقة وجود أدلة على دفن بعض الأشخاص أحياءً في المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر وما يجب فعله بهذه الأدلة، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: "من المهم أن يتم الاحتفاظ بهذه الأدلة". وذكر أن الأمم المتحدة دعت إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعية في غزة. وأشار في الوقت ذاته إلى أنه ليس من الواضح متى سيجري ذلك التحقيق.

كما طالبت حركة حماس بإجراء تحقيق دولي فوري بشأن المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي، وأشارت إلى "استمرار الفرق الطبية في العثور على جثامين لشهداء تم إعدامهم من قبل جيش الاحتلال (الإسرائيلي)، ودفنهم في مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي"، مطالبة "الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ذات العلاقة بضرورة إرسال فرق متخصصة في الطب الشرعي ومعدات لازمة للبحث عن المفقودين والتعرف على الجثامين".

كذلك، أكدت منظمة العفو الدولية أن الاكتشاف "المروع" للمقابر الجماعية في قطاع غزة يستدعي "الحاجة الملحة للحفاظ على الأدلة وضمان الوصول الفوري" لمحققي حقوق الإنسان إلى القطاع. وقالت المنظمة الحقوقية في منشور عبر منصة "إكس" إن "الاكتشاف المروّع لمقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة الملحة لضمان الوصول الفوري لمحققي حقوق الإنسان إلى قطاع غزة المحتل لضمان الحفاظ على الأدلة". وطالبت بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بهدف ضمان المساءلة عن أي انتهاكات للقانون الدولي في القطاع.

وقالت كبيرة مدراء البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية، إريكا جيفارا روساس، إن "الاكتشاف المروّع لهذه المقابر الجماعية في غزة يؤكد الحاجة الملحة لضمان الوصول الفوري لمحققي حقوق الإنسان، بمن فيهم خبراء الطب الشرعي، إلى قطاع غزّة المحتل لضمان الحفاظ على الأدلة، وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بهدف ضمان المساءلة عن أي انتهاكات للقانون الدولي". وأضافت: "عدم تمكن محققي حقوق الإنسان من الوصول إلى غزّة قد أعاق إجراء تحقيقات فعَّالة تغطي النطاق الكامل لانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم بموجب القانون الدولي التي ارتكبت على مدى الأشهر الستة الماضية، مما سمح بتوثيق جزء ضئيل فقط من هذه الانتهاكات".