قمة سعيّد وتبون والمنفي: الوقائع تكبح التطلعات

قمة سعيّد وتبون والمنفي: الوقائع تكبح التطلعات

24 ابريل 2024
المسؤولون الثلاثة خلال لقائهم في تونس (Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في قمة ثلاثية بتونس بين قيس سعيّد، عبد المجيد تبون، ومحمد المنفي، نوقشت قضايا الأمن، الهجرة، الطاقة، والوضع الليبي، مع التركيز على تعزيز التعاون الإقليمي رغم غياب بعض الدول.
- البيان الختامي يُشير إلى إمكانية تشكيل تكتل إقليمي جديد، مؤكداً على الحاجة لصوت موحد وتعاون مشترك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، مع إمكانية تطور هذا التعاون إلى شراكة استراتيجية.
- اللقاء يعكس رغبة في تعزيز التعاون الإقليمي والبحث عن حلول مشتركة، مع التأكيد على أهمية هذه الخطوة للتصدي للتحديات والصعوبات الهيكلية التي تواجه الاندماج الإقليمي.

تطرح القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس التونسي قيس سعيّد، ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، أمس الأول الاثنين في تونس، أسئلة كثيرة عن خلفياتها الحقيقية وجدواها وآفاقها، وتداعياتها الممكنة إقليمياً، وانعكاساتها على كل بلد. وهذا اللقاء هو الثاني من نوعه بعد لقاء أول عُقد في الجزائر في مارس/ آذار الماضي، على هامش قمة الغاز، إذ كان القادة الثلاثة قد اتفقوا وقتها على إجراء هذه الاجتماعات كل ثلاثة أشهر.

الاجتماع الثلاثي أمس الأول شمل ملفات عديدة، من الأمن المشترك على الحدود، إلى الهجرة، والطاقة، والملف الليبي، ولكنه يُعقَد من دون حضور مغربي وموريتاني، وهو تحوّل لافت في مسار ما كان يُعرف باتحاد المغرب العربي الكبير (تأسس في فبراير/ شباط 1989 في مراكش) الذي لم يُكتب له النجاح، على الرغم من كل المحاولات على مدى العقود الماضية، ومن أسبابه فشله الرئيسية الخلاف الجزائري المغربي حول الصحراء وغيره من الملفات.

الجويني: لم يصدر شيء يؤكد أن الاجتماع موجّه ضد طرف ما، ونأمل أن يكون مثمراً ذا بُعد استراتيجي عميق

ولم يُشِر اجتماع الاثنين صراحة إلى توجّه لتشكيل تكتل إقليمي جديد، ولكن من خلال أبرز مخرجاته يبشّر بذلك ويضع خطوطاً عريضة له، خصوصاً أن البيان الختامي يشير إلى "صوت موحد ومسموع للدول الثلاث"، وكذلك إلى "حضور لافت وتفاعل في الانتماءات الإقليمية والدولية". كذلك قال القادة الثلاثة، إنه "مع بروز مستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة، لا يمكن لأي دولة أن تواجه تداعياتها بمفردها"، داعين إلى الاهتمام بالجانب الاقتصادي وعدم الاقتصار على الجانب السياسي فقط في التشاور بينهم.

ويعتبر الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظل الظروف الدولية المتقلبة بشكل عام، وفي ظل الاضطرابات في المنطقة المغاربية في جنوب الصحراء والمتوسط، يكون من المهم، بل ومن المحبذ، تداول المسائل ذات الاهتمام المشترك في إطار ثنائي أو ثلاثي، فهذا الإطار أو هذا اللقاء بشكل مبدئي سُنّة حميدة ومطلوبة، لأن التشاور بين البلدان ذات الحدود المشتركة والتحديات المشتركة أمر ضروري".

وعن غياب المغرب وموريتانيا عن اللقاء، يشير الجويني إلى أن "البعض قد يقول إن هذا الاجتماع موجّه ضد طرف أو ضد باقي أطراف الاتحاد المغاربي، والمقصود المغرب وموريتانيا، ولكن لم يصدر شيء يؤكد هذه التكهنات، وكل ما نأمله من هذا الاجتماع أن يكون اجتماعاً مثمراً ذا بُعد استراتيجي عميق لا يتعلق فقط بمناكفات سياسية من هنا أو من هناك، وأن يرشح عنه ما ينفع المواطنين في هذه البلدان الثلاثة، ويُقدّم ولو خطوة بسيطة جداً في الحلم المغاربي وفي بناء هذا التكتل المغاربي المنشود". ويشدد على أنه "على الرغم من مرور كل هذه السنوات ومن كل العقبات الموجودة، الهيكلية والموضوعية والدولية والظرفية الإقليمية، إلا أنه يبقى الحلم المنشود لكل المغاربيين، والسبيل الأوحد والأمثل للتصدي للتهديدات الداخلية والخارجية".

منصر: الاقتصادات المغاربية ذات اندماج ضعيف جداً، وحجم المبادلات البينية متدنٍّ جداً

وعن هذه المتغيرات المهمة في المنطقة المغاربية، يستبعد مؤسس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "يكون لهذا اللقاء أي انعكاسات استراتيجية خارج منطقة المغرب العربي، سواء تعلق الأمر بأوروبا أو بمنطقة جنوب الصحراء"، مضيفاً: "الأمر في اعتقادي لا يعدو أن يكون أحد مظاهر التوتر في المنطقة، خصوصاً التوتر القديم والمتصاعد بين الجزائر والمغرب".

وعن الاستفادة الاقتصادية الممكنة لبلدان تلتقي حول حدود مشتركة، يقول منصر: "فعلياً، وفي السياق الحالي، يصعب أن تكون لهذا المحور خطط تكامل اقتصادي أو مجرد زيادة معتبرة في حجم المبادلات، لأن هيكلة الاقتصادات الثلاثة وغياب الإرادة الفعلية، يمثّلان عوائق موضوعية أمام هذا الهدف".

وعن إمكانية تطور هذا التكتل واستمراره مستقبلاً، يشدد منصر على أنه "حتى ينجح تكتل ما، يجب أن تسنده كثير من العوامل الموضوعية، أي يجب أن يكون بناؤه ضرورة موضوعية"، مضيفاً: "عملياً، إن الاقتصادات المغاربية ذات اندماج ضعيف جداً، وحجم المبادلات البينية متدنٍّ جداً، والأقسى من ذلك أنه منذ إحداث الاتحاد المغاربي قبل 35 عاماً، لم تتغير الأمور بتاتاً". ويتابع: "هذا يدل على أن الذين حكموا البلدان الخمسة عجزوا عن وضع تصوّر يحقق الاندماج أو حتى تحسينه، وعجزوا عن تحقيقه. معنى ذلك أنهم لم يروا ضرورة له، فبقي الاتحاد المغاربي هيكلاً بيروقراطياً بلا فائدة، بل إن قيادات الدول الخمس عجزت حتى عن تنظيم قمة مغاربية منذ قمة التأسيس قبل ثلاثة عقود ونصف".