فرانشيسكا ألبانيز: لا يمكن تبرير رد إسرائيل بالدفاع عن النفس

فرانشيسكا ألبانيز: لا يمكن تبرير رد إسرائيل بالدفاع عن النفس

06 نوفمبر 2023
فرانشيسكا ألبانيز (موقع الأمم المتحدة)
+ الخط -

قدّمت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية في حالة حقوق الإنسان للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، تقريرها الثاني أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة في نيويورك حول الوضع في الأراضي المحتلة. وكان لـ"العربي الجديد" في نيويورك هذا الحوار معها حول الحرب على غزة وردود الفعل الدولية والإعلام والمعايير المزدوجة.

*دعينا نبدأ من آخر التطورات على الأرض والحصار المفروض على غزة والحرب الإسرائيلية. كيف تُقيّمين ردود الفعل الدولية؟

قلت مراراً وتكراراً هذه الأيام، إنه لا توجد طريقة أخرى لوصف ما يحدث في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل، اعتباراً من 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه كارثة إنسانية وسياسية ذات أبعاد هائلة، وأنا أتفق تماماً مع ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بشأن خطورة ما حدث في إسرائيل وما فعله المسلحون الفلسطينيون من غزة... كما أنه لا يجوز قتل المدنيين وأخذهم كرهائن تحت أي ظرف من الظروف. لكن رد إسرائيل، غير طبيعي، ولا يمكن تبريره باعتباره دفاعاً عن النفس. الجميع يستخدم كلمة الدفاع عن النفس، لا يوجد دفاع عن النفس هنا. هذا هجوم. الدفاع عن النفس هو استخدام القوة لصدّ هجوم، وبمجرد صدّ الهجوم على الأرض، فأي إجراءات يتم اتخاذها ووقوع أعمال عدائية، يجب أن تحترم مبدأ التمييز والتناسب والتدابير الاحترازية، أي يجب الحفاظ على أرواح المدنيين.

كيف يمكن ذلك وهناك قصفٌ شامل، دمّر بالفعل، خلال قرابة أسبوعين، 45 في المائة من البنية التحتية المدنية والمباني السكنية، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات؟ لم يتم ادخار أي شيء، والتقارير تشير إلى أن هناك الآن 7 آلاف مدني قُتلوا من بينهم 3 آلاف طفل (العدد ارتفع خلال أيام لأكثر من 9 آلاف شخص، أغلبهم من المدنيين، من بينهم 4 آلاف طفل). كما يقدّر وجود الكثير من الضحايا تحت الأنقاض. وهناك كذلك التقارير التي تفيد بقتل 1400 إسرائيلي. وكانت تلك لحظة، كان يمكن للمجتمع الدولي أن يعمل من خلالها من أجل خلق تضامن مع الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنه كما قال الأمين العام، فإن هذا لم يحدث من فراغ. لقد كان هناك الكثير من العنف الناتج عن 56 عاماً من الاحتلال غير القانوني، الذي حرم الفلسطينيين من الحقوق والحرية والكرامة. هذا هو السياق الذي كان يجب التعامل معه، وقد حذّر الكثيرون، بمن فيهم أنا وسلفي، من العنف الذي قد يولده هذا النوع من القمع.

ألبانيز: يجب تحرير الرهائن، لكن ماذا عن 700 طفل تعتقلهم إسرائيل سنويا، وغالبا في منتصف الليل؟

وماذا كان ردّ المجتمع الدولي؟ كان جديراً بالازدراء، لأنه، من ناحية، هناك العالم الغربي الذي احتشد لدعم إسرائيل. وهذا صحيح عندما يتعلق الأمر بدعم التضامن مع ضحايا الهجمات، ولكن هناك أيضاً ضحايا مدنيين من الفلسطينيين وحتى قبل السابع من أكتوبر، لم نر احتجاجاً مشابهاً على الإطلاق لما يحدث مع الفلسطينيين. بالتأكيد يجب تحرير الرهائن، الأطفال أولاً وقبل كل شيء، لأنهم الضحايا الرئيسيون دائماً، ولكن ماذا عن 700 طفل، تعتقلهم إسرائيل سنويا، وغالبا ما يتم اختطافهم في منتصف الليل.

هذا القدر من العنف، لماذا لا يتم احتسابه؟ وهذا الانقسام، هذا الغضب الأخلاقي الانتقائي هو ما أجده مثيراً للقلق وخطيراً للغاية. العالم منقسم أكثر من أي وقت مضى. هناك العالم العربي وآخرون ينتقدون، لكنهم ليسوا أقوياء بما يكفي للرد على ما تفعله الدول الغربية.

*كيف تُقيّمين ردود فعل الأمم المتحدة وقيادتها السياسية، بمن فيهم الأمين العام، على الأرض؟

هناك العاملون في المجال الإنساني الموجودون على الأرض، الذين يحاولون احتواء تسونامي بأيديهم العارية، وهذا ما يفعلونه. وهم يبذلون قصارى جهدهم، يدقون ناقوس الخطر. وقد فقدت وكالة "أونروا" العديد من موظفيها. وهم يحاولون تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات. تقوم "أونروا" بإيواء أكثر من نصف مليون شخص في مرافقها التعليمية، وهم ليسوا محميين، كما لم يكونوا محميين في حروب سابقة.

استخدم الأمين العام للأمم المتحدة أخيراً كلمات قوية. كما ذهب إلى معبر رفح ووقف على الحدود لإدخال المساعدات الإنسانية، لكن هذه مجرد قطرة في محيط. كما هناك حاجة إلى الوقود، إسرائيل مستمرة بالحصار، وهو أمر لا يصدق. كان هناك بالفعل حصار غير قانوني على غزة منذ 16 عاماً، ناهيك عن احتلالها لمدة 56 عاماً. والآن، بينما يقصفون قطاع غزة بشكل مكثف، فإنهم يقومون أيضاً بتشديد الحصار. لا ماء ولا طعام ولا كهرباء ولا وقود يدخل. هذه جريمة ضد الإنسانية. إنها تؤدي إلى المجاعة والوفاة المؤكدة للكثيرين، بما في ذلك الأطفال الذين ولدوا قبل الأوان، ويحتاجون حضانات لإبقائهم على قيد الحياة لتشغيلها هناك حاجة للوقود ولا يوجد.

هناك شلل في المستويات السياسية العليا (في الأمم المتحدة، مجلس الأمن المسؤول عن الأمن والسلم الدوليين)، إنهم يتشاجرون على كلمات وصياغات بينما يموت الناس. إذا استمر الفشل الهائل بعدم القدرة على الدعوة بقوة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، فيجب على كل دولة أن تدعو إلى وقف إطلاق النار بشكل فردي. وحقيقة أن الدول الغربية على وجه الخصوص، تستمر في الادعاء بأن هذا (حرب إسرائيل على غزة) دفاع عن النفس، فهذا يعني أنهم لم يفهموا شيئاً عن القانون الدولي ومسؤولياتهم بموجب القانون الدولي. إنه قصر نظر.

*في ما يخص دور الولايات المتحدة، فهي لا تقدم الأسلحة والدعم المادي واللوجستي والاستخباري فحسب، بل ترفض وقف إطلاق النار واستخدمت الفيتو ضد أحد قرارات مجلس الأمن لمطالبته بهدنة إنسانية، كما تشكيك الرئيس الأميركي جو بايدن بأرقام الضحايا من الفلسطينيين. ما رأيك بالدور الذي يلعبه الجانب الأميركي وبالتشكيك بأرقام الضحايا من الفلسطينيين؟

ألا يرى (الرئيس بايدن) مستوى الدمار؟ كل ما عليه القيام به هو أخذ خريطة والنظر إلى الصور الجوية للدمار الكامل للمباني السكنية التي تدمر ليلاً ونهاراً. هناك تقارير عن استخدام الفوسفور الأبيض. هل يعقل هذا؟ موقف الولايات المتحدة لا يتعارض مع القانون الدولي فحسب، بل إنها مسؤولة بشكل كامل كذلك. أسمع الكثير من الانتقادات حول إمكانية تدخل دول أخرى لكن لا أحد يتساءل أو ينتقد تدخل الولايات المتحدة في المنطقة. هي تتدخل حتى في السياسة الإقليمية، فلماذا يسمح للولايات المتحدة أن يكون قولها مؤثراً أكثر من الآخرين؟

*إلى أين تتجه الأمور؟ ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث؟

إنه يحدث الآن. لقد كان هناك 8 آلاف قتيل في سربرنيتسا (البوسنة والهرسك - عام 1995). في هذه الحرب وحدها، فإننا تجاوزنا هذا الرقم والمجتمع الدولي غير قادر على رؤية ذلك. لذا، لم يتم تجريد سكان غزة من إنسانيتهم فقط من قبل إسرائيل، بل تمّ تجريدهم من إنسانيتهم من قبلنا جميعا. ومن المؤلم للغاية أن نرى أن المجتمع الدولي غير قادر على منع ارتكاب الفظائع.

*كيف ترين الدور الذي يلعبه الإعلام، الغربي بالتحديد؟

يلعب الإعلام (الغربي) دوراً قذراً جداً. لأن وسائل الإعلام الغربية، لا تنظر بالضرورة إلى الحقائق بموضوعية وحيادية. لقد أجريت مقابلات أعطيت فيها مساحة كبيرة لما حدث في إسرائيل (في السابع من أكتوبر) وهذا مهم، ولكن لم يتم إعطاء أي مساحة تقريباً للأشخاص الذين قتلوا في غزة، ناهيك عن الذين قتلوا في الضفة الغربية. حيث لا توجد أعمال عدائية، فكيف قُتل أكثر من 100 شخص في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها على يد قوات الاحتلال والمستوطنين؟

ألبانيز: هناك شلل في المستويات السياسية العليا وهم يتشاجرون على كلمات وصياغات بينما يموت الناس

ولا يذكر السياق التاريخي. يصرخ السفير الإسرائيلي (لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان) على الجميع هنا (في اجتماعات الأمم المتحدة) ويقول إنه في اللحظة التي يتم الحديث فيها عن السياق، فإنك تدعم الإرهاب، لكن هذه كذبة. لماذا يقبل المجتمع الدولي ذلك؟ وهذا ليس ما يحتاجه الإسرائيليون، وهم يثقون بالإسرائيليين. قد يكون الكثيرون منهم منزعجين للغاية الآن، ويصدقون ما تقوله قيادتهم السياسية، والأمر هكذا منذ فترة طويلة، وإلا لما كانت هناك مثل هذه الحكومة المتطرفة التي وصلت إلى السلطة العام الماضي. لكن هناك العديد من الإسرائيليين الذين لا يريدون هذا ويطالبون بالسلام من أجل إنقاذ غزة. وهم يريدون السلام، ويريدون الكرامة للجميع، مثل الفلسطينيين.

وينعكس هذا على ما يحدث على المستوى الدولي. وتُقمع التظاهرات في الشوارع والميادين بما في ذلك في أوروبا وتحظر أعمال التضامن مع الفلسطينيين. ومع ذلك فهناك شوارع مليئة بالناس. وهذا يذكرني مرة أخرى بالعراق، حيث كان الناس يحاولون حقاً حماية العراقيين من الهاوية (والغزو). لكن الكثير من السياسيين في ذلك الوقت وقعوا على حكم الإعدام بحق ملايين العراقيين. أخشى حقا أن يحدث هذا للفلسطينيين، مرة أخرى، كما حدث من قبل.

*ماذا عن المعايير المزدوجة، أعني الطريقة التي نسمع بها الكثير من السفراء الغربيين يتحدثون عما يحدث في فلسطين عموما واحتلالها وخروقات حقوق الإنسان مقابل طريقة حديثهم عما يحدث في أوكرانيا. كيف يمكن رؤية هذه المعايير المزدوجة في السياق الدولي الأوسع؟

لا أعتقد أنه من الصعب فهم ما يحدث، إذا نظرنا إليه من منظور عالمي. بطريقة ما، فإن العلاقة بين إسرائيل وفلسطين تلخص العلاقة بين الشمال العالمي والجنوب العالمي. فلننظر أيضاً إلى كيفية تعامل الدول الأوروبية، والغربية عموماً من دون استثناء، ككندا وأستراليا والولايات المتحدة، مع المهاجرين واللاجئين. هناك غياب للإنسانية لا يمكن تفسيره إلا بالعنصرية، والعنصرية المستمرة. وأنا أتكلم هنا كأوروبية، فالكثيرون منا في الغرب غير قادرين على رؤية الآخر على قدم المساواة. وبالطبع، ينعكس ذلك في الطريقة التي يُعامل بها اللاجئون الأوكرانيون، وطريقة معاملة اللاجئين الآخرين، ولا يختلف الأمر في الطريقة التي يستجيب بها العالم الغربي للعدوان الروسي ضد الشعب الأوكراني، مقابل عدوان إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

نبذة مختصرة

فرانشيسكا ألبانيز حقوقية وباحثة إيطالية اختيرت مقررة خاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل مجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار من العام الماضي. وهي باحثة منتسبة إلى معهد دراسة الهجرة الدولية في جامعة جورج تاون الأميركية، وكبيرة المستشارين المعنية بالهجرة والتشريد القسري.

لها العديد من المقالات حول القضية الفلسطينية. وصدر كتابها الأخير "اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي" (مطبعة جامعة أكسفورد، 2020). عملت لسنوات مختصة وخبيرة في مجال حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية وقضايا أخرى.

المساهمون