تونس: ماذا يعني صدور الحكم في قضية اغتيال شكري بلعيد؟

تونس: ماذا يعني صدور الحكم في قضية اغتيال شكري بلعيد؟

28 مارس 2024
اغتيل اليساري شكري بلعيد باطلاق النار عليه أمام بيته في فبراير 2013 (حسن مراد/UCG)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد عقد من اغتيال شكري بلعيد، أصدرت المحكمة التونسية أحكامًا تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد للمتهمين، وسط ترحيب من حركة النهضة التي نفت تورطها، مؤكدة على ملاحقة من يشوه صورتها.
- جبهة الخلاص الوطني المعارضة أشادت بالأحكام، معتبرة إياها دليلًا على استقلالية المحكمة ونجاحها في تجنب التوظيف السياسي، مما يعزز الثقة في القضاء ويجنب الصراع السياسي الانتقام.
- القاضي بشير العكرمي، المعتقل حاليًا بتهم تتعلق بالإرهاب، لعب دورًا محوريًا في التحقيقات، مع دعوات لإنصافه وإطلاق سراحه بناءً على الأحكام الأخيرة التي تبرئ ساحته، مسلطة الضوء على التعقيدات السياسية والقضائية في تونس.

يتوقع مراقبون أن تلقي الأحكام الصادرة في قضية اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد، بظلالها على الساحة السياسية في تونس بعد 10 سنوات من الانتظار والترقب واتهام أطراف سياسية بالمشاركة في الاغتيال.

وأصدرت المحكمة، مساء أول أمس الثلاثاء، أحكاماً تراوح بين الإعدام والسجن المؤبد بحق المتهمين في قضية اغتيال بلعيد، الذي قتل أمام منزله رمياً بالرصاص في 6 فبراير/ شباط 2013. وسارعت حركة النهضة إلى إصدار بيان، الثلاثاء، أكدت فيه أن هذه الأحكام تدحض كل الاتهامات التي روجت ضدها بالوقوف وراء عملية الاغتيال.

وكشف المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، أيمن شطيبة، أن المحكمة أصدرت حكماً بالإعدام في حق أربعة متهمين، والسجن بقية العمر في حق اثنين آخرين، وعدم سماع الدعوى في حق خمسة، والسجن من عامين إلى مائة عام في حق البقية، مشيراً إلى أنّ عدد المتهمين كان 14 بحالة إيقاف، و9 بحالة سراح.

"النهضة": سنلاحق كل من يواصل تشويه الحركة

وقال القيادي في حركة النهضة، محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "حركة النهضة وبعد صدور هذه الأحكام ستتولى متابعة كل من عمل وسعى إلى تشويهها وتوجيه تهم باطلة للحركة"، مبيناً أنه "سبق القيام بتتبعات قضائية في هذا الصدد وستتم ملاحقة كل من يواصل تشويه الحركة، لأنه من غير المعقول أنه بعد 10 سنوات من التحقيقات وصدور أحكام أن تواصل بعض الجهات اتهام النهضة. هذا لا يمكن أن يمر".

وأكد السوداني أن "هذه الأحكام لم تفاجئنا وكانت منتظرة، خاصة وأن قرار ختم البحث الذي تم بمقتضاه إحالة المتهمين على المحاكمة لم يرد فيه أي اسم من حركة النهضة، لا من قياداتها ولا من منخرطيها، وهم بعيدون كل البعد عن القضية".

وأشار إلى أن المحاكمة جرت و"النهضة" خارج الحكم، وهو "ما يفند الاتهامات بأن النهضة تهيمن على القضاء وتتحكم في الأحكام بل العكس تماماً، لأن السلطة في تونس هي التي تهيمن على كل شيء وأغلب قيادات النهضة هم في السجون"، مبيناً أنه "من الناحية السياسية فإن هذه الأحكام يجب أن تدفع باتجاه الكف عن الخطابات التحريضية والمشككة في النهضة".

ورأى القيادي في حركة النهضة أنّ "على المدافعين عن بلعيد وبعض أطراف اليسار أن يقوموا بمراجعة نقدية ووقفة تأمل، لأن من قام بالاغتيالات هو عدو الجميع في تونس من اليسار والنهضة" وفق قوله، مؤكداً أنه "لا بد من تقبل الحقيقة بعيداً عن المشاحنات الأيديولوجية".

وأضاف أنّ "القضية متواصلة والبعض لا يزال يتحدث عن البحث عمن خطط، ولكن هذا الاندفاع لا يقود إلا لاستنزاف الدولة. ومثل هذا الخطاب غير جيد لتونس، فالقضاء بحث طيلة 10 سنوات ولم تفته أي ثغرة وبالتالي مثل هذه العملية هي تدمير لليسار لنفسه".

وكان عضو هيئة الدفاع عن بلعيد عن حزب الديمقراطيين الموحد، محمد جمور، قد قال لإذاعة "موزاييك" الخاصة في تونس، أول أمس الثلاثاء، إن "الأحكام كانت مُنتظرة والعدالة نطقت في ملف يخص حلقة من حلقات السلسلة التي ساهمت في الاغتيال"، مضيفاً: ''تتحقق العدالة بصفة تامة عندما يتم الفصل في جميع القضايا المتعلقة بجريمة اغتيال شكري بلعيد''.

من ناحية أخرى، اعتبر المحامي مختار الجماعي أن "الأحكام كانت منتظرة لكل من تابع الملف"، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه كملاحظ حضر طوال الجلسات الماضية، يرى أن الأحكام المزدوجة التي تجمع بين الإعدام والسجن من الناحية القانونية هي أحكام عادية، ولكن ما كان مفاجئاً هو العودة إلى حكم الإعدام حيث عادة يتم تلافي تنفيذه، و"لكن الأحكام في هذا الملف بالذات كانت حرفية ووسائل الإثبات قاطعة للمحالين على المحكمة، وكان منتظراً عدم إدخال أطراف سياسية في الملف وهذا يجبر الجميع على التقبل"، وفق قوله.

وأضاف الجماعي أنّ "مواصلة التشكيك في الأحكام لن تقود إلى أي حكم جديد، فلكل شخص مصلحته، ومن توافقت مصلحته مع الحكم سيقبله ومن لا يقبلها سيشكك، والدليل أنه قبل نهاية آجال الاستئناف سيتم الطعن في الحكم حتى لمن قبله"، مشيراً إلى أنه "في هذا الملف هناك مسألة سياسية، إذا اختلطت بالقضائي يكون مشكلة وفي هذا الملف هناك عدة تقاطعات بين ما هو سياسي وقانوني". ولفت إلى أن "الدعوة إلى محاسبة من خطط غير مقبولة، لأن المسؤولية الجزائية واضحة وذات أركان، أما المسألة السياسية فإن التاريخ كفيل بحلّها في إطار البحث عن الحقيقة".

قاضي ملف اغتيال بلعيد مسجون في تونس

وقال محامي هيئة الدفاع عن القاضي المسجون البشير العكرمي، محمد علي غريب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة الدفاع ستتفاعل مع الأحكام الصادرة لأنها أحكام أكدت المجهود الكبير الذي بذله القاضي بشير العكرمي، المسجون حالياً، والذي سبق له أن حقق في هذا الملف"، مبيناً أنّ "العكرمي حقق وأحال مجموعة من الأشخاص بالتهم الموجهة إليهم، وهذا القرار وقع تأييده على مستوى دائرة الاتهام، ومحكمة التعقيب رفضت طعون الخصوم في خصوص هذا القرار"، مشيراً إلى أن "الدائرة الجنائية أصدرت أحكاماً بالإدانة في دلالة وتأكيد بأن عمل القاضي بشير العكرمي أقل ما يقال عنه أنه عمل ناجح".

ورأى أنّ "البطل الحقيقي في هذه القضية هو البشير العكرمي الذي هو الآن وراء القضبان"، مؤكداً أن "هيئة الدفاع، بعد صدور هذا الحكم، قد تعقد مؤتمراً قريباً لأنّ هذا دليل على أن العكرمي قام بعمله على أحسن ما يكون".

ويُذكر أن هيئة الدفاع عن بلعيد كانت تتهم العكرمي بالتلاعب بالقضية ووجهت له اتهامات صريحة بهذا الشأن. واعتقلت السلطات التونسية العكرمي في 12 فبراير/ شباط 2023 على ذمة "قضايا إرهاب". وكان العكرمي قد أعفي من مهامه بأمر رئاسي، في يونيو/ حزيران 2022، ضمن إعفاء الرئيس قيس سعيّد عشرات القضاة بتهم بينها "تغيير مسار قضايا" و"تعطيل تحقيقات" في ملفات إرهاب وارتكاب "فساد مالي وأخلاقي"، وهو ما ينفي القضاة صحته.

وقال القاضي المعزول حمادي الرحماني إنّ "الأحكام القضائية لم تأتِ بجديد في قضية اغتيال بلعيد، وكان القاضي المسجون بشير العكرمي قد ختم التحقيق فيها قبل 10 سنوات"، مبيناً في تدوينة له أن "قرار ختم البحث في قضية اغتيال شكري بلعيد أصدره القاضي المظلوم بشير العكرمي منذ سنة 2014 وكل الإيقافات تقريباً تمت في تلك السنة، ولم تُضف السنوات العشر الماضية شيئاً كثيراً لهذا الملف" وتساءل الرحماني: "لماذا يُتهم بشير العكرمي ظلماً ويودع السجن؟".

جبهة الخلاص: المحكمة لم تخضع لمحاولات التوظيف السياسي

وأصدرت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، بياناً، اعتبرت فيه أن المحكمة "أسدلت الستار على المرحلة الابتدائية من مسار قضائي استمر لأكثر من عشر سنوات"، مشيرة إلى أن الحكم سبب "ارتياحاً واسعاً لدى مختلف الأوساط، لأنه سلط العقاب على من تورط في عملية الاغتيال الشنيع والجبان التي ذهب ضحيتها الزعيم اليساري شكري بلعيد".

وعبرت الجبهة عن ارتياحها لتمسك هيئة المحكمة باستقلاليتها في وجه كل المؤثرات الخارجية وتقيدها بما أنتجته الأبحاث وبأحكام القانون المنطبق على الواقعة.

وأضافت: "المحكمة لم تخضع لمحاولات التوظيف السياسي في قضية شغلت بال الرأي العام ومثلت حدثاً تاريخياً اهتزّ له ضمير الشعب التونسي بأسره، وقد أسهم حكمها في تبديد أجواء الريبة والشك وفي الحيلولة دون الانحراف بالصراع السياسي إلى مستنقعات الانتقام والاستئصال".

واعتبرت الجبهة أن "حكم الدائرة الجنائية جاء مصدقاً للتحريات والأبحاث التي أجراها القاضي بشير العكرمي بحياد وموضوعية ومهنية عالية، وأنه حان وقت إنصافه وتبرئته من التهم التي كيلت له جزافاً، وتطالب بإنهاء معاناته وبإطلاق سراحه فوراً".