توتر العلاقات الأميركية الباكستانية: أبعد من المخاوف بشأن الترسانة النووية

17 أكتوبر 2022
خلال تظاهرة لحركة "إنصاف" في مدينة بيشاور ضد أميركا، إبريل الماضي (عبد المجيد/فرانس برس)
+ الخط -

حتى الأيام القليلة الماضية، كانت باكستان تتوقع تغيراً إيجابياً وتحسناً كبيراً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد زيارات لثلاثة مسؤولين باكستانيين كبار إلى واشنطن في الأشهر الأخيرة، لاقت حفاوة كبيرة. والزيارات هي لرئيس الوزراء شهباز شريف في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الماضي، ولقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوه بداية أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقبلهما زيارة لوزير الخارجية بلاول بوتو منتصف مايو/أيار الماضي.

غير أنّ تصريحاً للرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الخميس الماضي، حول الترسانة النووية الباكستانية التي وصفها بـ"الأخطر في العالم" قلب الأجواء لسلبية مرة أخرى، وسط تساؤلات حول توقيت هذا التصريح وأهدافه الحقيقة ومدى تأثيره على العلاقات بين البلدين.

وتعززت في الفترة الأخيرة قناعة في باكستان، بأنّ الوضع السائد في أفغانستان يشير إلى أنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى استمرار الشراكة مع إسلام أباد ودعمها بشكل متواصل وتطبيق خططها المستقبلية عبرها، لا سيما إذا استمر التوتر في العلاقات بين كابول وواشنطن. وهذا ما اعتبره مراقبون محور النقاشات الطويلة بين المسؤولين الأميركيين وقائد الجيش الجنرال قمر باجوه خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

في المقابل، فإنّ إسلام أباد بحاجة إلى دعم واشنطن في أكثر من ملف، خصوصاً لمواجهة آثار الفيضانات التي اجتاحت ثلث البلاد أخيراً، واستمرار الحصول على الديون من صندوق النقد الدولي، فضلاً عن دعم باكستان في محاولات إخراج اسمها من القائمة الرمادية لهيئة الرقابة الدولية لغسل الأموال.

هذا علاوة على المساعدة في مواجهة الوضع الأمني السائد في شمال غرب باكستان، في ظل تدهور العلاقة بين كابول وإسلام أباد واتهام الأخيرة للأولى بأنّها تدعم المقاتلين والأحزاب المسلحة التي تنشط ضد مصالحها.

وصف بايدن الترسانة النووية الباكستانية بـ"الأخطر في العالم"

وبالنظر إلى كل مواقف المسؤولين في واشنطن وإسلام أباد في الأشهر الأخيرة، كان يظهر أن العلاقات بين الطرفين تسير نحو الأفضل، حتى ظن البعض أنه قد تتم إعادة سيناريوهات ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، عندما أصبحت الأراضي الباكستانية بمثابة جسر للقوات الأميركية لاستهداف حركة طالبان في أفغانستان.

لكن فجأة جاءت تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس الماضي، بشأن الترسانة النووية الباكستانية، وقوله خلال حفل استقبال للجنة حملة الحزب الديمقراطي لانتخابات التجديد النصفي بالكونغرس، إنّ باكستان من أخطر دول العالم لأنّ لديها ترسانة نووية غير منظمة، لتقضي على كل تلك التوقعات بشأن تحسن العلاقات، ولتثير حفيظة الباكستانيين على كلّ المستويات؛ السياسية والرسمية والشعبية.

حسابات باكستان النووية بمواجهة الهند

وكانت باكستان قد أجرت تجربة نووية في إبريل/نيسان من عام 1998، رداً على تجربة مماثلة للهند، معلنة بذلك نفسها رسمياً قوة نووية. وقد مورست ضغوط كبيرة على إسلام أباد للتخلي عن برنامجها أو وقفه، لكنّها رفضت، خصوصاً أنّ لها تاريخاً طويلاً من العداء مع جارتها النووية، الهند، منذ استقلالها عنها في عام 1947. واشتد الصراع بين الدولتين بعد انفصال بنغلادش (باكستان الشرقية) عام 1971.

وبعد تجارب الهند النووية في عام 1974، باتت باكستان تعمل بشكل جدي على إنتاج القنبلة النووية. وبحسب رواية رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو، نقلاً عن والدها رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو، والذي بدأ في عهده العمل على إنتاج القنبلة نووية، فإنّ أول قنبلة نووية باكستانية كانت جاهزة في عام 1977، وقد بدأ العمل عليها، عالم الفيزياء النووية، عبد القدير خان، الذي يلقب بـ"أبي القنبلة النووية"، في عام 1975، في حين أن أول اختبار لهذه القنبلة بشكل بارد، وهو أقل من التجارب التي وقعت في عام 1998، قد أجري في عام 1983.

الترسانة النووية في باكستان خط أحمر

وبات مكرساً في باكستان أن كل شيء قابل للنقاش، ما عدا المسّ بالمؤسسة العسكرية والاستخبارات، والترسانة النووية. والأخيرة تعدّ الموضوع الأخطر والأكثر حساسية، إذ إن اسلام أباد لا تقبل بأي حال الحديث حول ترسانتها النووية، فهي خط أحمر، وهو ما كان ظاهراً في ردود الأفعال التي تلت بسرعة تصريحات بايدن.

ولم تكتف باكستان باستدعاء السفير الأميركي لديها، دونالد بلوم، إلى وزارة الخارجية، وتسلميه رسالة احتجاج شديدة اللهجة، دانت فيها تصريحات الرئيس الأميركي، لا بل إنها طلبت، وفق بيان للخارجية، إيضاحات بشأن ما قاله بايدن، معتبرة ذلك أمراً "غير ضروري ولا أساس له من الصحة". كذلك، علق على تصريحات بايدن أكثر من مسؤول.

وقال رئيس الوزراء شهباز شريف في تغريدة على "تويتر"، أول من أمس "إني أكرر بشكل لا لبس فيه، أن باكستان دولة نووية مسؤولة". وأضاف "إن أمن وسلامة البرنامج والأسلحة النووية الباكستانية يتفق مع كافة المعايير الدولية، ومع متطلبات الأمن والسلامة الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويجب ألا يشك أحد في ذلك".

من جهته، قال وزير الخارجية بلاول بوتو، في مؤتمر صحافي في مدينة كراتشي، أول من أمس، إن "باكستان تعرب عن تحفظها على ما قيل، ولكننا نؤكد أن تصريحات بايدن لم تكن في حفل رسمي، ولم تكن ضمن خطاب للأمة أو خطاب أمام البرلمان، وبالتالي علينا أن نمنحهم فرصة لشرح هذا الموقف".

وأعرب بوتو عن أمله في أن "لا يؤثر ذلك سلباً في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه "بإمكان المسؤولين معالجة أي مخاوف محددة لدى واشنطن بشأن البرنامج النووي".

بدوره، قال وزير الطاقة الباكستاني خرم دستكير خان، في مؤتمر صحافي أول من أمس، إنه عندما كان وزيراً للدفاع، عرف تفاصيل كثيرة حول الترسانة النووية الباكستانية، مؤكداً أنها "في أيادٍ آمنة ومحمية ببرنامج كامل ونظام تحكم وقيادة دقيق، وهو ما اعترفت به الوكالات الدولية المعنية". وأشار إلى أن "ما قاله الرئيس الأميركي بشأنها أمر غير واقعي، ولا صحة له".

خان: تحسّن العلاقات مع واشنطن مجرد ادعاءات

المعارضة الباكستانية تستغل موقف بايدن لمهاجمة الحكومة

على الضفة الأخرى، استغلت المعارضة الباكستانية موقف الرئيس الأميركي جو بايدن، لتوجيه انتقادات لاذعة للحكومة، لكنها في الوقت نفسه دانت تصريحات بايدن واعتبرت الترسانة النووية "خطاً أحمر لا يمكن المساس به".

وقال رئيس الوزراء السابق عمران خان، في تغريدة له على "تويتر" أول من أمس، إنه بحكم أنه كان رئيساً سابقاً للوزراء، "أعرف جيداً مدى ضبط النظام النووي في باكستان والتحكم فيه، وهذا لا لبس فيه".

وأضاف "لكن السؤال هو لماذا الرئيس الأميركي قال هذا الكلام؟ وما أساس ما قاله؟"، مشيراً إلى أن "هناك أمرا واضحا، وهو أن كل ما ادعته الحكومة الباكستانية بشأن تحسّن علاقاتها مع واشنطن، والعمل على ذلك، ليس إلا ادعاءات لا صحة لها".

من جهتها، قالت شيرين مزاري، وزيرة الشؤون الإنسانية في الحكومة السابقة، وهي قيادية في حزب عمران خان "حركة إنصاف"، في بيان لها أول من أمس، إن "تصريحات بايدن تشير إلى أن الحكومة الحالية فشلت في سياستها الخارجية".

واعتبرت أن "الزيارات الثلاث (لرئيس الوزراء، ووزير الخارجية، وقائد الجيش) إلى واشنطن، كلها فشلت في إقناع الولايات المتحدة بأن باكستان ما زالت شريكة مهمة لها". ورأت أنه "لا يوجد لدى الحكومة جرأة كافية للتنديد بما تراه واشنطن، حتى لو كان ذلك حول الترسانة النووية".

تساؤلات حول توقيت تصريحات بايدن

وبعيداً عن ردود الأفعال، فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون في باكستان، لماذا جاءت تصريحات بايدن في هذا التوقيت؟ وهل تعبّر عن موقف أميركي رسمي، أم أنها مجرد كلام عابر؟

في السياق، قال المحلل السياسي الباكستاني، محمد واحد خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما قاله بايدن ليس كلاماً عابراً، لا سيما أن البيت الأبيض قد نشر نص ما قاله الرئيس الأميركي، ولكنني أعتقد أن تلك التصريحات سياسية أكثر من كونها واقعية ذات دلالات تكون لها آثار على مستقبل العلاقات بين إسلام أباد وواشنطن".

ولفت إلى أن "بايدن حاول توظيف تلك التصريحات، من أجل تعزيز شعبيته والمحافظة عليها قبل الانتخابات النصفية، لكن على باكستان أن تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، لأنها جاءت ضمن الحديث عن دول أخرى أيضاً، وبايدن بحكم ارتباطه الوثيق بقضية باكستان منذ ما قبل وصوله إلى الحكم، يعرف جيداً أن الترسانة النووية الباكستانية آمنة للغاية، وباكستان لا تقبل أي مساس بها".

شفاعت علي: قد تكون للولايات المتحدة مطالب من باكستان وجاءت هذه التصريحات من أجل الضغط عليها

لكن المحلل الأمني، العميد المتقاعد شفاعت علي، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "قد تكون للولايات المتحدة مطالب من باكستان وجاءت هذه التصريحات من أجل الضغط عليها".

وأوضح أنه "قد تكون من بين تلك المطالب، مراجعة علاقاتها مع روسيا والصين"، مؤكداً "أننا بحاجة لاستيراد النفط بأسعار رخيصة من روسيا، ولنا عدد من المشاريع الحيوية مع الصين، وأميركا غير راضية عن كل ذلك، لكنّ بلادنا ذات سيادة ولها حق توطيد العلاقات وإبرام الصفقات مع أيّ جهة شاءت".

ويتفق مراقبون في أن تصريحات بايدن لن تؤدي إلى تدهور العلاقات بين الدولتين، لا سيما وأن هذه العلاقات شهدت على مر التاريخ الكثير من المد والجذر. فحاجة كل من واشنطن وإسلام أباد إلى بعضها بعضا، والمصالح المشتركة في المنطقة، كانت تؤدي دائماً إلى تطبيع تلك العلاقات وترميمها من جديد.

غير أن هؤلاء المراقبين يرون في الوقت نفسه أن العلاقات لن تكون مثالية، في ظل محاولة باكستان التقرب من الروس واستمرار شراكتها مع الصين. كما بات الملف الأفغاني، ولو بشكل جزئي، خارجا عن سيطرة باكستان. فالولايات المتحدة لم تعد ترغب في شن أي حرب في أفغانستان كي تساعدها إسلام أباد في ذلك، و"طالبان" الحاكمة على كابول، لم تعد تعتمد على باكستان كقناة دبلوماسية بينها وبين واشنطن، فلديها بدائل أخرى، بل هي تريد الحديث مباشرة مع واشنطن.

مع العلم أن هناك مؤسسة مشتركة بين باكستان وأميركا خاصة بالرقابة النووية، تسمى "المركز الباكستاني للتميّز في الأمن النووي"، وهي تضم خبراء دوليين ينظرون في الأمن النووي ويقدمون تقاريرهم بشكل دوري إلى الجهات الدولية المعنية، وتلك التقارير تؤكد أن الترسانة النووية الباكستانية آمنة للغاية، وهو ما يشير إلى أن تصريحات بايدن ربما جاءت لأهداف أخرى غير المقصودة علناً.

المساهمون