تصريحات عن احتواء الفصائل المسلحة في العراق تثير تساؤلات عن واقعيتها

تصريحات عن "احتواء" الفصائل المسلحة في العراق تثير تساؤلات بشأن واقعيتها

26 ابريل 2024
أحد أعضاء كتائب الإمام علي خلال إحياء يوم القدس العالمي ببغداد، 5 إبريل 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حميد الشطري، رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي، أثار جدلاً بتصريحاته حول احتواء الفصائل المسلحة، مؤكداً على تطور الأجهزة الأمنية وأهمية العراق كنقطة التقاء إقليمية.
- الحكومة العراقية تسعى لحصر السلاح بيد الدولة والتعامل مع الفصائل المسلحة عبر الاحتواء والاتفاقات، في ظل تحديات تواجهها في مواجهة الفصائل القوية.
- الفصائل المسلحة، بعددها البالغ 73 فصيلاً وارتباطها بالحشد الشعبي، تشكل جزءاً من النسيج الأمني والسياسي في العراق، مما يجعل التعامل معها معقداً ويتطلب مقاربات متوازنة.

أثارت تصريحات رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، الأسبوع الماضي، بشأن ما سماه "احتواء" الفصائل المسلحة في العراق جدلا كبيرا حول أي من الفصائل المستهدف منها، ومدى جدية الحكومة العراقية، وإن كان القصد هو السيطرة على الفصائل أم تفكيكها، وخصوصاً أن الشطري تحدث عن طريقتين لمواجهة الفصائل المسلحة، الأولى "الاحتواء" والثانية "المواجهة".

وقال الشطري في كلمة له ضمن فعاليات "ملتقى السليمانية" بإقليم كردستان العراق، الأسبوع الماضي، إن "الأجهزة الأمنية العراقية قطعت شوطاً مهماً في التطور منذ عام 2003 رغم كل التحديات والمتغيرات وانشغالها في محاربة الإرهاب"، مؤكداً أن "الفصائل المسلحة في العراق يجب أن تكون واقعية في ظل هذه الظروف التي تواجه المنطقة"، في إشارة إلى إشعارها بالمسؤولية إزاء المشاكل والتوترات الإقليمية والدولية، واعتبر أن "العراق غادر سياسة الحرب والقتال ولديه موقع مهم ليكون نقطة التقاء بين الآخرين".

ولم يتطرق الشطري إلى تعريف أو تفصيل معنى "الفصيل المسلح"، من وجهة نظر السلطات الأمنية الرسمية، ولا سيما أن الكثير من الفصائل تعتبر نفسها تعمل وفق أطر قانونية، بالرغم من كونها تمارس أعمالا منافية للقانون. وجاء حديث الشطري بعد زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، برفقة مسؤولين ومستثمرين وقادة أمنيين، إلى الولايات المتحدة الأميركية في الفترة الواقعة بين 14 و18 إبريل/ نيسان الجاري، إذ حثت واشنطن الوفد العراقي على مواصلة اتخاذ إجراءات ضد الفصائل المسلحة في العراق.

قبلها كتب السوداني مقالة نشرها في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، جاء فيها أن "الفصائل المسلحة ستنتهي في العراق، وأنه يحتاج إلى الوقت لإدارة تعقيدات هذا الملف"، وأكمل أن "هذه الجماعات نشأت من الظروف المعقدة التي واجهها العراق خلال مواجهته للإرهاب، إلا أنه بالتدريج، ومع استعادة الأمن والاستقرار، ستتلاشى الحاجة إلى السلاح الموجود خارج سيطرة الدولة ومؤسساتها، ونحن نعمل على تحقيق هذه الغاية".

في السياق، قال مسؤول عراقي قريب من السوداني إن الأخير أقدم على حملة إعلامية للحديث عن خطط واستراتيجيات لمواجهة الفصائل المسلحة قبيل زيارته لواشنطن. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة وأجنحتها السياسية تعتبر حالياً لبنة أساسية من لبنات المشهد العراقي، ولدينا حضور في تحالف الإطار التنسيقي وفي التشكيلة الحكومية، بالتالي فإن مواجهتها بالطريقة التي تحدث عنها الشطري تعني انتحارا سياسيا"، وقال إن "السوداني غير قادر على مواجهة الفصائل المعروفة والقوية، لكنه قد يتفق على إنهاء عمل بعض الفصائل التي تأسست لحالات وقتية، وتحديداً المليشيات التي ظهرت بعد مقتل قاسم سليماني (2020)، مقابل صفقات واتفاقات سياسية".

وفي العراق يوجد نحو 73 فصيلاً مسلحاً، وأغلبها أسست أجنحة سياسية بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر دعم أشخاص مرتبطين بها لتأسيس أحزاب تهدف بالمحصلة لتعزيز وجودها في خريطة الفاعلين بالبلاد، وتعتمد معظم هذه الفصائل على الميزانية المالية للحشد الشعبي، بما يوفر لها غطاءً مهماً لمرتبات أفرادها ومكاتبها والتسهيلات في الحركة والتنقل، باعتبار أن الحشد الشعبي أضحى هيئة أمنية رسمية في البلاد، بعد التصويت على قانون عبر البرلمان العراقي عام 2017.

في السياق، قال القيادي في تحالف "قوى الإطار التنسيقي"، النائب في البرلمان العراقي عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف حصر السلاح بيد الدولة، والسيطرة على الجماعات المسلحة جاء ضمن المنهاج الحكومي الذي تعهد السوداني بتنفيذه، لكن في الحقيقة الأمور ليست سهلة، بل إن بعض الملفات تحتاج إلى وقت أطول من المتوقع، وأن الرؤية الحكومية لا تبحث عن المواجهة أو التصادم، ما قد يؤدي إلى مشاكل أمنية، بل تعمل من خلال الاحتواء وعدم الانفعال والاتفاقات".

بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن "الحديث عن احتواء الفصائل ومواجهتها جاء بناءً على رؤية وموقف رئيس الحكومة التي استعرضها في مقالته الأخيرة، وقال إننا سنمضي باتجاه إنهاء سلاح الفصائل المسلحة بشكل تدريجي. وكانت الفصائل قد تحدثت أيضاً بمثل هذه الطريقة، وذكرت أنها ستعمل على إنهاء وجود السلاح حال انتهاء وجود القوات الأميركية"، مبينا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "وجهة النظر العراقية ترى أن ربط الفصائل بهيئة الحشد الشعبي يعد احتواءً، مع العلم أن هذه الطريقة لا تعد استراتيجية للاحتواء".

وأكمل الشمري أن "المواجهة مع الفصائل غير ممكنة وصعبة ولن تتحقق، لأن حكومة السوداني قاعدتها الأساسية هي الفصائل المسلحة، وفي الحقيقة هناك صعوبة في التمييز بين الفصائل الموجودة داخل هيئة الحشد الشعبي التي تقول إنها لا تخرج عن إرادة الحكومة، والفصائل الأخرى التي تمارس أنشطة ضد الأميركيين".

وتنتشر الفصائل المسلحة في العراق بمقرات رسمية وغير رسمية، وأخرى سرية، في أغلبية المدن العراقية، لكنها تتركز في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وبابل والأنبار، تليها بغداد ثم كربلاء التي باتت تضم في ضواحيها مقار واسعة لعدد من هذه الجماعات. كما تمثل الحدود العراقية السورية ضمن محور التنف ـ القائم، مروراً بمدينة البوكمال، واحدة من أضخم نقاط تجمعاتها المسلحة في كلا البلدين، وقد تعرضت لهجمات صاروخية في أكثر من مرة من قبل الأميركيين والإسرائيليين بحجج نقل الأسلحة وإحباط مخططات "إرهابية"، بحسب وصفهم.