"تحرير الشام" تستنسخ أساليب النظام: اعتداءات ووعود لتطويق الاحتجاجات

"تحرير الشام" تستنسخ أساليب النظام: اعتداءات ووعود لتطويق الاحتجاجات

26 ابريل 2024
من التظاهرات في إدلب ضد الهيئة، مارس الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في شمال غربي سورية، تتصاعد الاعتداءات على المتظاهرين المعارضين لهيئة تحرير الشام، مع محاولات الهيئة قمع الحراك الشعبي في ريف إدلب وإسكات الأصوات المطالبة بإصلاحات.
- التظاهرات مستمرة ضد زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني والجناح الأمني بسبب تجاوزاته، مع محاولات لتحييد قادة الحراك عبر الاعتداءات والتهديدات دون تحقيق إصلاحات حقيقية.
- رغم وعود بإجراء إصلاحات، مثل تشكيل مجلس استشاري وإعادة تشكيل جهاز الأمن، التظاهرات ضد الهيئة مستمرة، مع تقليل الباحثين من أهمية الإجراءات المتخذة واستمرار الحراك السلمي.

تتصاعد الاعتداءات على متظاهرين ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع شمال غربي سورية، في مؤشر على أن الجهاز الأمني التابع للهيئة يحاول تطويق الحراك المشتعل ضدها في ريف إدلب منذ أشهر، في ظل بطء الإجراءات والإصلاحات التي وعدت بها والتي يرى البعض أنها مجرد مناورة لكسب الوقت. وتعرّض أحد شبان الحراك في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، يوم الاثنين الماضي، للضرب أمام منزله بالعصي والهراوات من قِبل شخصين ملثمين، في حادث يُضاف إلى حوادث مماثلة خلال الأيام القليلة الماضية. وذكر الشاب في تسجيل مصور أن لا عداوات له مع أي شخص، مشيراً إلى أنه يخرج في تظاهرات مناهضة للهيئة منذ شهرين، مطالباً بكف يد الأمنيين التابعين لها عن المتظاهرين في مدن وبلدات محافظة إدلب.

وكان الناشط الإعلامي مفيد عبيدو قد أكد يوم الخميس من الأسبوع الماضي تعرّضه لاعتداء وضرب مبرح أفضى إلى جرح بليغ في رأسه، من قبل "الأمنيين"، مشيراً إلى أنه تمت سرقة الكاميرا ومعدات للعمل الإعلامي الخاصة به، لافتاً إلى أن الأمنيين في الهيئة كانوا يتابعونه ويترصدونه على مدى شهرين قبل حادثة الاعتداء عليه. وتابع في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "سيارات الأمنيين منزوعة النمر تسير بلا مساءلة وتقوم بتتبّع عدد من الناشطين".

وتتعرّض "تحرير الشام" منذ أواخر فبراير/شباط الماضي للتحدي الأكبر لها منذ فرض سيطرتها الكاملة على شمال غرب سورية، إذ تخرج باستمرار تظاهرات في مناطق سيطرتها وخصوصاً في ريف إدلب منددة بتفرد الهيئة بالقرار، وداعية إلى إسقاط زعيمها أبو محمد الجولاني. كما تُوجّه انتقادات واسعة للجناح الأمني للهيئة لارتكابه تجاوزات وصلت إلى حد القتل تحت التعذيب في السجون والمعتقلات التي يديرها هذا الجهاز الذي كان السبب المباشر في الغضبة الشعبية ضد الهيئة، فضلاً عن أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية لا تقل أهمية تراكمت خلال السنوات الماضية.

رامي عبد الحق: الهيئة تحاول تحييد رؤوس الحراك والفاعلين فيه عبر الاعتداء عليهم، أو التهديد بالقتل

وبيّن الناشط السياسي في شمال غرب سورية رامي عبد الحق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجهاز الأمني في الهيئة "دفع بعناصر تابعة له بمظهر مدني إلى صفوف المتظاهرين لاستفزازهم وحرف الحراك من السلمية إلى خلافات ضمن التظاهرة الواحدة". وتابع: "الهيئة تحاول تحييد رؤوس الحراك والفاعلين فيه والمؤثرين بالناس عبر الاعتداء عليهم وضربهم، أو التهديد بالقتل، وتكسير الأملاك، وهو ما حدث الاثنين في مدينة جسر الشغور حيث تم استهداف أبرز الفاعلين في حراكها". وأضاف أنه "حتى اللحظة لم تتحقق أي إصلاحات حقيقية (وعد بها الجولاني) على الأرض"، مضيفاً: "الشرط الأول لأي إصلاح هو في إبعاد الجولاني عن السلطة". وتابع: ما يقوم به إصلاحات وهمية لا أكثر، ومحاولات للالتفاف على الحراك الثوري السلمي.

وكان زعيم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، قد حذر مطلع مارس/آذار الماضي المتظاهرين من تجاوز ما سماها "الخطوط الحمراء"، مؤكداً قدرة الهيئة على "حماية المحرر (تسمية محلية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام)"، مضيفاً: "إذا تدخّلنا سنتدخّل بشكل شديد". وفي محاولة لتطويق الحراك الشعبي ضده، والظهور بمظهر المستجيب للمطالب الشعبية، وعد الجولاني في حينه، خلال اجتماع مع فعاليات محلية، بإجراء سلسلة إصلاحات، منها "تشكيل مجلس استشاري أعلى من أهل الرأي والاختصاص، للنظر في السياسات العامة والقرارات الاستراتيجية في المناطق المحررة". كما وعد بـ"إعادة تشكيل جهاز الأمن العام"، والدعوة إلى انتخابات مجلس الشورى العام في المناطق المحررة، وإعادة النظر في القانون الانتخابي، فضلاً عن "تشكيل ديوان المظالم والمحاسبة، وتشكيل جهاز رقابي أعلى، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية، ومكافحة الفساد ومنع الاحتكار، وتفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية". ولكن هذه الوعود لم تحل دون استمرار التظاهرات ضد الهيئة وزعيمها، وهو ما يفسر محاولة الهيئة إرهاب المتظاهرين من خلال الاعتداء عليهم، ولا سيما الأشخاص الفاعلين في الحراك السلمي الذي يقترب من دخول شهره الثاني على التوالي.

وقال مصدر مطلع على ما يدور داخل الهيئة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنها "شرعت بالفعل في إجراءات الهدف منها الإصلاح والتأسيس لمرحلة جديدة"، مشيراً إلى أن "حكومة الإنقاذ (تابعة للهيئة)، أصدرت مرسوم عفو عام عن السجناء والمحكومين وفق معايير محددة". وأشار إلى أن الحكومة أصدرت أيضاً قراراً يتضمّن استحداث إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية، مؤكداً أنه "يجري العمل على تجهيز محكمة الجنايات الثانية المختصة بالقضايا الأمنية، كما ستكون هناك رقابة وضبط للمخالفات المسلكية ضمن إدارة الأمن العام". وفي السياق، قال المصدر إن "حكومة الإنقاذ" قررت تخفيض رسوم البناء بنسبة 75 في المائة، والإعفاء من الموافقات الأمنية في معاملات نقل الملكية، مشيراً إلى أنه "تم تشكيل لجنة لإعداد نظام عمل خاص بالمجالس المحلية وآلية انتخابها في المناطق المحررة".

محمود السايح: كرة التظاهرات والحراك السلمي شمال غربي سورية لا تزال تتدحرج

كما أوضح مصدر مطلع في شمال غرب البلاد، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الإجراءات بدأ العمل بها مثل موضوع مجلس الشورى". وبيّن أن اللجنة المسؤولة عن إنشاء المجالس المحلية "تابعة للهيئة عكس اللجنة المنوط بها وضع النظام الداخلي وآليات انتخاب أعضاء مجلس الشورى"، مشيراً إلى أنه جرى إطلاق سراح معتقلين "ولكن ليس بالشكل المطلوب"، مضيفاً: "هناك بطء في القيام بالإجراءات التي ستفضي إلى الإصلاح ربما بسبب ضعف الكوادر، أو لأن الهيئة تناور لكسب الوقت وتطويق الحراك".

من جهته، قلل الباحث السياسي محمود السايح، الموجود في الشمال السوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أهمية الإصلاحات التي وعد الجولاني بها كدليل التجاوب مع مطالب الناس. وتابع: "هو حوار داخلي بين السلطة والسلطة، وهذا لم يعد ينطلي على الناس. أعتقد أن كرة التظاهرات والحراك السلمي شمال غربي سورية لا تزال تتدحرج".