انتخابات إندونيسيا: 3 مرشحين للرئاسة وعشرات الآلاف للتشريعيات

14 فبراير 2024
سوبيانتو خلال تجمع انتخابي في شمال سومطرة، 7 فبراير الحالي (محمد زلفان داليمونتي/Getty)
+ الخط -

يتجه نحو 205 ملايين ناخب في إندونيسيا، اليوم الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار خلف للرئيس الحالي جوكو ويدودو، الذي قاد منذ عام 2014، ولولايتين متتاليتين، أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، ولا يحق له الترشح لولاية ثالثة.

وفي خامس انتخابات يعرفها هذا البلد منذ أن بدأ يطبّق الإصلاحات الديمقراطية في عام 1998، يصوّت الناخبون، و40 في المائة منهم من الشباب لأحد ثلاثة متنافسين، أولهم وزير الدفاع الحالي برابوو سوبيانتو (72 عاماً)، الذي سعى طوال الحملة الانتخابية، إلى تبديل الصورة النمطية عنه، كوزير للدفاع، ارتبط اسمه أيضاً في الحقل العسكري بمرحلة الديكتاتورية، فيما عمد - وهو المرشح الأكثر تقدماً في استطلاعات الرأي - إلى اختيار ابن ويديدو، ويدعى جبران راكابومينغ راكا، لمنصب نائب الرئيس.

انتخابات رئاسية وتشريعية في إندونيسيا

كما يخوض السباق الرئاسي حاكم جاكارتا السابق (ووزير التعليم السابق) أنيس باسويدان (54 عاما)، الذي لا ينتمي إلى أي حزب في البلاد، وحاكم ولاية جاوا الوسطى السابق غنجار برانوو (55 عاماً)، الذي رشحّه "الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال" الحاكم.

وتتصدر القضايا الاقتصادية والبيئية عناوين اهتمامات للناخبين ما يرفع من حظوظ سوبيانتو المرشح المدعوم من الرئيس السابق، نظراً لإرث ويديدو الذي عرفت إندونيسيا في عهده نمواً مطرداً وحافظت عليه في عزّ أزمة كورونا. كما يبرز أيضاً ملف إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة والصين، كأحد أهم الأولويات على أجندة الرئيس المقبل، علماً أن هذا الملف قد لا يؤثر كثيراً على توجهات الناخبين.

ويحتاج الفائز بالانتخابات الرئاسية، إلى أكثر من 50 في المائة من الأصوات، لتجنب الذهاب إلى دورة انتخابات رئاسية ثانية، مقرّرة في هذه الحال هذا العام، في يونيو/حزيران المقبل. أما إذا ما كان ممكناً الحسم من الدورة الأولى، فلن تصدر النتائج الرسمية قبل حلول مارس/آذار المقبل.

52 في المائة من الناخبين اليوم، هم دون سنّ الـ40

وإلى جانب انتخاب الرئيس، يصوّت الإندونيسيون اليوم، أيضاً، في الأرخبيل الذي يضمّ أكثر من 17 ألف جزيرة، للاختيار بين عشرات آلاف المرشحين لعضوية البرلمان المركزي، والبرلمانات المحلية، حيث أن 10 آلاف شخص، قدموا أوراق ترشحهم، للمنافسة فقط على مقاعد البرلمان الوطني الـ580. ويحقّ لكل مواطن يبلغ الـ 17 عاماً وما فوق، الإدلاء بصوته في صناديق الاقتراع، فيما يحظر على رجال الشرطة والعسكر التصويت.

وفي هذا العام، حوالي 52 في المائة من الناخبين، هم دون سنّ الـ40، وثلث هؤلاء تحت سنّ الـ30، ما جعل "التصويت الشاب" هدفاً للمرشحين الثلاثة، الذين انتقلوا سريعاً من أجواء الحملات التقليدية، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لجذب أكبر عدد ممكن من الناخبين الشباب. وكان على رأس هؤلاء، وزير الدفاع برابوو سوبيانتو، الذي واظب منذ أشهر على منصتي "إكس" و"تيك توك"، على نقل صورة له إلى الجمهور كجدّ محب، يرقص مع حفيده، ويتقاسم الشهرة على "تيك توك"، مع قطّته "بوبي"، حيث تمكن من حصد ملايين المشاهدين.

ولكن رغم كل محاولات "التحديث"، يبقى سوبيانتو بالنسبة لملايين الناخبين، حتى من المعجبين به، جزءاً من النخبة السياسية القديمة، حيث أنه متحدر من أغنى العائلات في البلاد، والتي تملك نفوذاً سياسياً واسعاً. وهو خريج ثانويات وأكاديميات لندن العسكرية، ثم الكلية العسكرية في إندونيسيا، حيث اختير سريعاً للانضمام إلى القوات الخاصة، وتزوج الابنة الثانية للرئيس الأسبق الراحل، محمد سوهارتو، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، بقبضة من حديد.

شارك سوبيانتو، الذي شغل والده مناصب وزارية أيضاً وكان معارضاً لأحمد سوكارنو أول رؤساء إندونيسيا بعد الاستقلال، في بعثة عسكرية إلى تيمور الشرقية في عام 1976 لقمع الحركة الانفصالية هناك. تنقل لاحقاً في مراكز قيادية عسكرية عدة، إلى أن أصبح عام 1996، القائد العام للقوات الخاصة (كوباسوس)، ثم قائداً للاحتياط الاستراتيجي للجيش (كوستراد)، إلى أن تمّ تسريحه بعد تنحي سوهارتو بفترة إثر توجيه الاتهامات له بالتورط في اختطاف طلاب نشطاء في 1998 وانتهاكات لحقوق الإنسان في بابوا وتيمور الشرقية.

عاش لفترة في الأردن، ثم في دول أوروبية، وانتقل إلى عالم الأعمال، فرضت عليه الولايات المتحدة حظر سفر إلى أراضيها حتى عام 2022، بسبب الاتهامات الحقوقية. خسر أمام ويدودو في الانتخابات الرئاسية عامي 2014، و2019 حين قبل لاحقاً بمنصب وزير الدفاع.

ويخوض سوبيانتو السباق نحو الرئاسة هذا العام، وإلى جانبه النجل البكر لويدودو، جبران راكابومينغ راكا (36 عاماً) الذي ترشح لمنصب نائب الرئيس. ولم يرشح ويدودو نجله مع وزير الدفاع، إلا بعدما لمس الشعبية المفاجئة التي اكتسبها الأخير خلال الأشهر الأخيرة، وتقدمه في كل استطلاعات الرأي، التي ترى بعضها أنه قد يحسم السباق لصالحه من الدورة الأولى.

تبادل منافع بين المرشح والرئيس

لكن رغم ذلك، هناك تبادل منافع بين الرجلين، إذ لا يزال ويدودو الأب (62 عاماً)، محتفظاً بشعبية واسعة في إندونيسيا، رغم الانتقادات التي تعرض لها في الآونة الأخيرة، لما رأى فيه منتقدوه محاولته ترسيخ سلالة سياسية. ففي حكم قضائي مثير للجدل صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قرّر رئيس المحكمة الدستورية في إندونيسيا، القاضي أنور عثمان، صهر ويدودو، تعديل شروط الترشح لمنصبي الرئيس ونائبه، من خلال خفض الحدّ الأدنى لسنّ الترشح بحال سبق للمرشحين أن شغلوا مناصب عامة. وقد أُقيل عثمان من منصبه على خلفية هذا القرار الذي سمح لنجل ويدودو، راكا، بالترشح لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات التي ستُجرى اليوم.

ويعدّ في العموم سجل ويدودو الأب، ملتبساً. فبينما عرفت إندونيسيا في عهده نمواً مطرداً على خلفية أجندته الاقتصادية التي تركّز على البنية التحتية وتأميم الموارد، ظلّت نسبة البطالة مرتفعة جداً خصوصاً في أوساط الشباب (وصلت إلى 13 في المائة في 2022 لدى من هم بين 15 و24 عاماً)، وانسحب ذلك على معدلات الفقر، واستشراء الفساد.

إلى ذلك، يتمحور السؤال الرئيسي في الانتخابات الإندونيسية اليوم، حول ما إذا كان خليفة ويدودو سينفذ مشروعه المتمثل بنقل العاصمة من جاكارتا التي تشهد ازدحاماً مرورياً إلى نوسانتارا، المدينة الجديدة في جزيرة بورنيو.

تعهّد سوبيانتو بالحفاظ على سياسة عدم الانحياز

ومن المقرر أن تبدأ نوسانتارا العمل كمركز سياسي جديد لإندونيسيا في أغسطس/آب المقبل. وتعهد سوبيانتو وبرانوو بمواصلة الجهود لتنمية العاصمة الجديدة، فيما يرى المرشح باسويدان أن حلّ مشاكل المدن الكبرى مثل جاكارتا، حيث يُتوقع أن تصبح أجزاء كبيرة مغمورة بالمياه بحلول 2050، يجب أن يكون أولوية. بدورهم، انتقد نشطاء يدافعون عن البيئة والسكان الأصليون مشروع نقل العاصمة، مؤكدين أنه سيؤدي إلى "تدهور البيئة"، وسيزيد من تقليص الأنواع المهددة بالانقراض مثل إنسان الغاب، وسيؤدي لنزوح السكان الأصليين الذين يعتمدون على الأرض لكسب عيشهم.

في غضون ذلك، ستكون المهمة الأصعب لخلف ويدودو العمل على تحقيق توازن دقيق في التعامل مع القوى الكبرى المتنافسة، خصوصاً الولايات المتحدة والصين. كما سيتولى الرئيس المقبل لإندونيسيا السلطة مع تزايد حزم الصين في الدفاع عن مطالبها في بحر الصين الجنوبي.

وحافظت جاكارتا منذ فترة طويلة على سياسة خارجية محايدة بموجب عقيدتها "الحرة والنشطة"، وهو ما أكدّه سوبيانتو لجهة التزامه بسياسة عدم الانحياز الخارجية لإندونيسيا، مؤكداً خلال حملته أنه يسعى للحفاظ على العلاقات مع جميع القوى.

وكان الرئيس المنتهية ولايته ويدودو قد تجنب انتقاد بكين أو واشنطن خلال ولايتيه، متمسكاً بعدم الانحياز لأحد منهما طوال عقد. وأدّى ذلك إلى حركة تجارة نشيطة بين بلاده والصين، ورفع مستوى الاستثمارات بين الطرفين، بما ذلك مشروع قطاع سريع بمليارات الدولارات في إندونيسيا، بتمويل من الصين، في وقت عزّزت فيه إندونيسيا من جهة أخرى، روابطها وتعاونها العسكري مع الولايات المتحدة.

ويتوقع مراقبون على نطاق واسع أن يواصل خليفة ويدودو، هذه السياسة الخارجية، لا سيما إذا ما كان الرئيس المقبل، وزير الدفاع الحالي، فيما كان وزير التعليم السابق، باسويدان، الذي يحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي، قد لمّح إلى تغيير في نهجه إذا ما وصل إلى الرئاسة، بقوله "إنه إذا اجتاحت دولة دولة أخرى ذات سيادة، فيجب أن ندين ذلك، ونتخلى عن سياسة عدم الانحياز"، في إشارة إلى احتمال شنّ الصين غزواً برياً لتايوان.

غير ذلك، ستسلط الانتخابات الرئاسية في إندونيسيا، ثالث أكبر ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان، الضوء على الاختيارات التي يتعين على المواطنين اتخاذها في ظل سعي البلاد للاستفادة من احتياطيها الضخم من النيكل وغيره من الموارد، التي تشكل أهمية بالغة للتحول العالمي البعيد عن الوقود الأحفوري.

وكان ويدودو استفاد من احتياطيات البلاد من النيكل والفحم والنفط والغاز الوفيرة، حيث قاد أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا خلال عقد من النمو السريع والتحديث الذي أدى لتوسيع نطاق شبكات الطرق والسكك الحديدية بشكل كبير. وعلى نحو متزايد، يطالب الناخبون المرشحين لخلافته في الانتخابات، بالنظر في المفاضلات بين النمو السريع والبيئة الصحية في رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)

المساهمون