قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن اللقاء الذي جمع وزيري الخارجية المصري سامح شكري واليوناني نيكوس ديندياس، أول من أمس الأحد، في القاهرة، ركّز بشكل أساسي على التطورات الجديدة في العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة، إذ كانت أثينا قد عبّرت من قبل عن قلقها من هذا التقارب، مشيرة إلى أن زيارة ديندياس الثانية للقاهرة في ظرف شهرين جاءت للوقوف على طبيعة التطورات. ويأتي ذلك بسبب استمرار الحديث التركي عن وجود تقدم "كبير" في المباحثات الدبلوماسية والأمنية مع مصر، واتخاذ بعض الخطوات لوقف الحملات الإعلامية المعارضة للنظام المصري، مقابل استمرار التحفظ المصري حول المسألة في الخطاب الرسمي المعلن في وسائل الإعلام، ما يثير أسئلة لدى اليونان وقبرص، وغيرهما من الدول التي تتخذ مواقف سلبية جذرية من تركيا. ويترافق ذلك مع محاولة الإمارات عرقلة هذا التقارب المصري - التركي، وعدم ارتياح السعودية للأمر ذاته.
مستقبل العلاقات المصرية - التركية، وأثرها على العلاقات مع اليونان وقبرص والاحتلال الإسرائيلي، وما إذا كان يمكن لتركيا الانضمام يوماً إلى منتدى غاز شرق المتوسط، كانت المحاور الأساسية للقاء شكري وديندياس، لكن الحديث الرسمي للوزيرين تجاهل هذه القضايا وركّز على توثيق العلاقات الثنائية والاطلاع على الأوضاع في ليبيا. كما لم يشر الطرفان أيضاً إلى وجود أي مشاكل أو خلافات بينهما على الاستغلال المستقبلي للمناطق الاقتصادية البحرية، إذا حدث اتفاق بين مصر وتركيا على ترسيم الحدود البحرية، وما سيستتبع ذلك من تساؤلات بشأن اليونان وقبرص، اللتين لن تعترفا بمثل هذا الترسيم. وأضافت المصادر أن الوزير اليوناني والوفد المرافق له استفسروا مرّات عدة عن "الضمانات الإقليمية التي ترغب مصر في الحصول عليها من تركيا، بالتوازي مع الضمانات الخاصة بعدم التدخل في الشؤون المحلية المصرية، ووقف الهجوم الإعلامي من القنوات المصرية في تركيا".
استفسر وزير الخارجية اليوناني عن الضمانات الإقليمية التي تريد مصر الحصول عليها من تركيا
وذكرت المصادر أن الجانب المصري كشف للمرة الأولى، خلال لقاء أول من أمس، أن هناك "مناقشات متقدمة حول انسحاب شامل للأتراك من ليبيا، وانتزاع تعهدات تركية بعدم التدخل العسكري مرة أخرى في الشأن الليبي، كنوع من الطمأنة الاستراتيجية لمصر على عمقها الغربي، مقابل تنسيق الجهود المصرية - التركية لدعم سلطة سياسية في ليبيا ترعى مصالح الطرفين". ومع ما يمثله هذا الحديث من تهديد محتمل لمصالح الإمارات وفرنسا، الحليفتين الأساسيتين لمصر في ليبيا، ودول أخرى قلقة من تدخل تركيا وتأثيرها السياسي الممتد على البرلمان والحكومة الانتقالية، فإن الجانب المصري أكد لليونانيين أنه "سيرعى مصالح أبوظبي وباريس ويطلعهما باستمرار على مستجدات النقاش حول هذا الموضوع".
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن القاهرة كانت هي صاحبة القرار بشأن عدم المشاركة في المنتدى الذي انعقد يوم الجمعة الماضي في قبرص، بمشاركة كلّ من اليونان والإمارات وإسرائيل وقبرص. ولفتت إلى أن "القرار المصري يأتي في إطار عمليات التمهيد وإظهار حسن النوايا بين تركيا ومصر، على ضوء لقاءات بمستوى استخباري بين الجانبين ترمي للوصول إلى اتفاق تهدئة، تعول عليه تركيا كثيراً في دعم موقفها في مواجهة اليونان في ما يتعلق بأزمة الحدود البحرية بين البلدين".
وأضافت المصادر أن "القاهرة من جانبها تقدّر تحالفاتها جيداً، وتتعاون مع حلفائها بصدق، وهو ما يتطلب تعاملاً من جانب الحلفاء يعكس ذلك التعاون". وأشارت المصادر إلى أنه "على الرغم مما قدمته القاهرة، إلا أن بعض الحلفاء كانت لهم مواقف مغايرة، أثّرت سلباً على الوضع المصري، حيث فوجئت مصر بتحركات تستبعدها من اتفاقيات اقتصادية بشكل لم يتم تفسيره على نحو مقنع".
وقالت المصادر إنه على ضوء التباين الآخذ في الاتساع بين القاهرة وأثينا، بدأت اليونان محاولة، وصفتها المصادر بـ"اليائسة"، في مسعى لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا التي تعد حليفاً استراتيجياً لتركيا، في محاولة للضغط من جانب أثينا على أنقرة، بملف التقارب مع مصر والذي من شأنه في حال حدوثه، إضعاف الموقف اليوناني.
ورجّحت المصادر أن "التحالف بشكله السابق بين مصر واليونان ليس من المرجح عودته من حيث القوة، نظراً لتجاوب تركيا مع مصر في المطالب الخاصة ببعض الملفات التي كانت تؤرق النظام المصري، وعلى رأسها قنوات المعارضة المصرية التي تبث من إسطنبول". وقالت المصادر إن التحركات التركية في هذا الملف "لاقت استحساناً مصرياً، في وقت تسعى فيه القاهرة للتخلص من هذا الملف، وهو ما سيحتم اتفاقاً مع أنقرة في ملف شرق المتوسط، سيؤثر بالتبعية على التحالف المصري اليوناني القبرصي، في ظلّ التحولات التي تشهدها تحالفات المنطقة".
كشف الجانب المصري عن مناقشات متقدمة حول انسحاب شامل للأتراك من ليبيا
وفي ملف التعاون في مجال الغاز، قالت المصادر إن كلا من اليونان وقبرص ودولة الاحتلال لا تجد غضاضة في انضمام تركيا إلى منتدى شرق المتوسط، لكن مصر من ناحيتها تضع لذلك بعض الشروط، التي أطلعت عليها الجانب اليوناني أيضاً، ومنها وجود تنسيق كامل بين آليات التنقيب والاستكشاف والإسالة والتصرف وأسعار البيع بين جميع الدول. لكن هذه المناقشات تبدو حتى الآن مرجأة على طاولة المفاوضات المصرية - التركية، إلى حين الاتفاق على البنود الأكثر أهمية والخاصة بالعلاقات المباشرة بين البلدين.
وتتوحد مصالح جميع الأطراف على ضرورة تدعيم سوق المنتجات الهيدروكربونية والإسراع في جهود الاستكشاف والاستخراج وإبرام عقود التنقيب والتوريد، نظراً للتوقعات المتناقضة في العديد من الدوائر الاقتصادية بدول المنطقة والعالم والشركات العاملة في المجال، بشأن استمرار اعتماد أوروبا على الغاز والمنتجات الهيدروجينية في العقود المقبلة، في ظلّ توجه دول أوروبية عدة إلى التوسع في استخدام الطاقة النظيفة وسنّ تشريعات لضمان ذلك.
وبينما يعتبر التحاق تركيا بالمنتدى هدفاً طبيعياً لها، لأنه يضمن مشاركتها في صنع القرار الاقتصادي في المنطقة، كما يحميها من الصراع الأكبر بين الولايات المتحدة وروسيا حول الاستفادة من المنطقة والتواجد الاستراتيجي فيها، فإن التوصل إلى تفاهم بين دول المنتدى وأنقرة يغني جميع الأطراف عن حسابات التنافس والمضاربة، كما يعظم إمكانية الاستفادة من إمكانات الجميع.
فضلاً عن ذلك، فإن تركيا، بحسب المصادر، ترغب في ربط النقاش حول فرص وشروط انضمامها للمنتدى بموضوع أهم بالنسبة إليها، وهو ترسيم الحدود البحرية بينهما، والذي وصفته المصادر بأنه "هدف منشود للبلدين"، لكن الاتصالات الجارية حالياً تركز على اتخاذ خطوات تجعل مفاوضات الترسيم مستقبلا ممكنة وسهلة، والعامل المسهل الأول لذلك هو حسم إمكانية مشاركة اليونان وقبرص فيها، ومدى قبول كل طرف بتقديم تنازلات بغية التوصل إلى اتفاق. وأوضحت المصادر ذاتها أن المفاوضات المصرية - التركية ماضية في دراسة مقترح اشتراكهما مع إسرائيل في المشروع الطموح لتصدير الغاز لأوروبا، باعتبار أن مصر ودولة الاحتلال هما المالكتان حالياً لأكبر حقول الغاز في المنطقة، إذا ما قورنت بالحقول المكتشفة في منطقتي قبرص واليونان، وكذلك الحقول المكتشفة حديثاً في تركيا.