الانتخابات الرئاسية التونسية: سعيّد يلتزم سياسة الغموض

الانتخابات الرئاسية التونسية: سعيّد يلتزم سياسة الغموض

08 مايو 2024
سعيّد لدى إعلان فوزه بالرئاسة في 2019، بتونس (تييري موناسيه/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تونس تعيش حالة من الغموض والارتباك بشأن موعد الانتخابات الرئاسية المقررة خريف هذا العام، مع عدم تحديد الموعد بعد وارتباك المعارضة حول مشاركتها واختيار مرشحيها، مما يعزز فرص الرئيس قيس سعيّد للفوز بولاية ثانية.
- خالد شوكات ينتقد عدم نجاح الرئيس سعيّد في تحقيق وعوده بمكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات، ويشير إلى صعوبة بناء توافقات واسعة بين المعارضة بسبب الانقسامات الأيديولوجية.
- جبهة الخلاص الوطني المعارضة تعلن عدم مشاركتها في الانتخابات لعدم توفر مناخ نزيه، بينما يرى زهير إسماعيل أن البلاد دخلت في الزمن الانتخابي مع توازن ضعف بين المعارضة المشتتة ونظام عاجز عن مجابهة الأزمة.

تسود حالة من الغموض والارتباك بشأن الانتخابات الرئاسية التونسية المنتظرة خريف هذا العام، إذ لم يتبيّن موعدها المحدد إلى اليوم. وكانت هيئة الانتخابات قالت إنها يُفترض أن تجرى بين شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين، مؤكدة أن الرئيس قيس سعيّد هو من سيحدد هذا الموعد عبر دعوة الناخبين، ما يعني أن الرئيس وحده هو من يعلم تاريخ هذا الموعد الغامض. ولكن الارتباك يسود أيضاً داخل المعارضة، التي لم تحدد موقفها بوضوح حيال المشاركة من عدمها، وبخصوص اختيار مرشحها أو مرشحيها، في حال المشاركة، وهو ما سيؤثر على حظوظها بشكل كبير، وسيضع سعيّد في طريق مفتوح للفوز بولاية ثانية من دون عناء.

ضغوط لإجراء الانتخابات الرئاسية التونسية

ورأى رئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المشهد السياسي الراهن في تونس، مرتبط بشكل وثيق بالمرحلة التاريخية التي تمر بها تجربة الانتقال الديمقراطي التي أطلقتها الثورة في 2011، وبخلاف ما يظنّه أنصار الرئيس سعيّد، فإنني أظن شخصياً أنه (سعيّد) نهاية المرحلة السابقة وليس بداية مرحلة جديدة، فكل ما قام به منذ إعلانه الانقلاب على المؤسسات هو هدم ما تحقّق من منجزات، بينما لم ينجح إلى حد الآن، ولا أعتقد أنه سينجح مستقبلا، في بناء أي شيء ذي جدوى أو مصداقية". وأضاف شوكات أن "جميع وعود سعيّد في مكافحة الفساد واستعادة أموال التونسيين عبر العفو الجزائي وإصلاح المؤسسات العمومية المفلسة لم يتحقق منها شيء تقريباً، وبالتالي فإن مشروع الرئيس "القاعدي" يبدو إلى اليوم مشروع هدم للقديم أكثر مما هو بناء للجديد". واعتبر أن "المعارضة أيضاً في مكوّنها الغالب تنتمي إلى القديم، ولهذا ما تزال مشدودة إلى الانقسامات الأيديولوجية السابقة ومنطق الإقصاء المتبادل، ولهذا يصعب عليها بناء توافقات عريضة كما تقتضي اللحظة التاريخية".

شوكات: المعارضة في مكوّنها الغالب تنتمي إلى القديم، ولا تزال مشدودة إلى الانقسامات الأيديولوجية السابقة

وبخصوص التطورات التي قد يعرفها المشهد السياسي التونسي في الأسابيع المقبلة، رأى شوكات أنه "في ظل غياب المنجز الاقتصادي والاجتماعي للرئيس سعيّد، والتحديات التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية المستجدة على تونس، فإن الضغوط ستزداد على النظام الراهن للالتزام بتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، أي آخر العام الحالي". ورأى أن "المجازفة بعدم تنظيم الانتخابات الرئاسية التونسية يجعل النظام خارج سياق الشرعية، ولكن تنظيمها سيشكل مجازفة غير مضمونة العواقب، إذا ما كانت انتخابات حرّة ونزيهة وفقاً للمعايير الدولية، وعلى غرار ما جرى من انتخابات طيلة العشرية" الماضية.

وعن إمكان تقديم سعيّد بعض التنازلات للمعارضة بشأن شروط الانتخابات، أم أنه يفضّل أن يسير وحيداً من دون منافس على الرغم من التشكيك في الانتخابات الرئاسية التونسية كما هو متوقع، لفت شوكات إلى أنه "لا يمكن الاعتداد بانتخابات يسير فيها الرئيس وحيداً، ولا أظن أن هذا الأمر ممكن على الرغم من كل الهنات ونقاط الضعف التي تشير إليها المعارضة، من قبيل هيئة الانتخابات المعيّنة والقضاء الواقع تحت هيمنة السلطة التنفيذية". وتابع: "تزوير الانتخابات أصبح برأيي عملية شبه مستحيلة في تونس، ولو كانت لدى النظام قدرة على ذلك لفعل مع الانتخابات البرلمانية والمحلية، خصوصا بنسبة المشاركة شديدة التدني التي لم تتجاوز 11 في المائة، وكانت سبباً في ولادة مؤسسات سياسية ضعيفة الشرعية". ويأتي ذلك برأيه "إلى جانب أن المجتمع المدني المراقب ووسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي وأعين العالم المفتوحة، عناصر تجعل من التزوير مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة، إضافة إلى أن جانب الرئيس سعيّد لا يملك حزباً أو تنظيماً سياسياً وينطلق من مقاربات أقرب إلى الأوهام منها إلى الأدوات الملموسة القادرة على ممارسة التعبئة والتأثير في أرض الواقع".

وبخصوص الموقف الدولي من الانتخابات الرئاسية التونسية، أشار شوكات إلى أن "ما تؤكده مصادر متواترة هو أن شركاء تونس الدوليين نصحوا النظام، وما زالوا يفعلون، بضرورة الالتزام بتنظيم الاستحقاق الرئاسي في موعده، بما يحفظ للنظام شرعيته". وأضاف أن هذا الضغط يأتي "خصوصاً أن الأمر يتعلق بأهم مؤسسات النظام، أي رئاسة الدولة، في ظل التحوّل الذي جرى على طبيعته من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي مطلق"، متوقعاً أن تشكل الانتخابات الرئاسية التونسية "مجالاً لحراك سياسي غير مسبوق وربما تكون محور مفاجآت من العيار الثقيل".

ارتباك السلطة والمعارضة

وكانت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، قد أعلنت الأسبوع الماضي، قرارها بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، لعدم توفر مناخ لانتخابات نزيهة، مؤكدة أنها لن ترشح أي شخصية لا من داخلها ولا من خارجها إلا إذا توفرت شروط الانتخابات النزيهة، وترفض المشاركة في انتخابات مسرحية. وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، خلال ندوة صحافية عقدتها الجبهة، إنها "لن تختار أي مرشح لا من داخلها ولا من خارجها في الظروف الحالية، لأن الانتخابات تحتاج إلى مناخ من الحرية والنزاهة والشفافية، وهو غير متوفر الآن، وبالتالي فإن تقديم مرشح الآن يعني المساهمة في التزييف الحاصل"، مؤكدا أن "الجبهة تحترم من له رأي مخالف". في المقابل، أعلن المجلس الوطني لحزب العمل والإنجاز (أحد مكونات الجبهة)، الأحد الماضي، قراره بـ"المنافسة الجدية في الانتخابات الرئاسية المقبلة بمرشحه، والإعلان عنه في الوقت المناسب".

من جهته، اعتبر الباحث زهير إسماعيل (أحد أعضاء حراك مواطنون ضد الانقلاب) أن البلاد "دخلت في الزمن الانتخابي منذ ما يقارب الشهرين، وصار موعد 2024 الانتخابي، أي الانتخابات الرئاسية التونسية، إلى جانب ملف الحريات والمؤسسة القضائية والمحاكمات السياسية، أكثر ما يشدّ المشهد السياسي الإعلامي، رغم انشغال عامة الناس بآثار الأزمة المالية الاقتصادية ومشكل الهجرة غير النظامية المتوسعة هذه الأيام". وأضاف إسماعيل في حديث لـ"العربي الجديد"،  أن "المواجهة بين نظام 25 يوليو/تموز 2021 والمعارضة الديمقراطية، تُلقي بظلالها القاتمة على الحياة السياسية من خلال ما عُرف بملف التآمر على أمن الدولة وحملة الاعتقالات التي طاولت العشرات من قيادات الحركة الديمقراطية والمعارضة السياسية وعلى رأسهم رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي".

إسماعيل: هناك توازن ضعف بين المعارضة المشتتة الضعيفة، والنظام العاجز عن مجابهة الأزمة

وأوضح أن "سعيّد هو أوّل من تكلم عن الانتخابات العام الماضي (في إبريل/نيسان 2023 في مدينة المنستير) عندما سئل عنها في ذكرى وفاة الرئيس الحبيب بورقيبة. وأضاف أنه "على الرغم من إشارة سعيّد إلى أنها الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون في موعدها، فقد كان جوابه: لست مستعدا لتسليم وطني لمن لا وطنية له". وتابع: "أما في الذكرى نفسها هذا العام فلم يكن تصريحه أقلّ توتراً مما سبق حين اعتبر الانتخابات "قضية بقاء أو فناء"، وهذا ما يجعل من كل المرشحين عند سعيّد مرشّحي معارضة ومن منافستهم حرب وجود بعبارته".

وعن موقف المعارضة، اعتبر إسماعيل أنه "يتراوح بين موقف يرى في المشاركة في الشروط الحالية اعترافاً بالانقلاب وتسليماً بالأمر الواقع، وموقف يعتبر المشاركة في كل الأحوال، فرصة لإنقاذ البلاد". ورأى أن "المعارضة والحركة الديمقراطية تبدو في أسوأ حالاتها، وقد أثّر على حضورها وأدائها منحى النظام الاستبدادي واستهدافه الحريات وتدجين القضاء وتحويله إلى قضاء تعليمات، والتضييق على الأحزاب بالمحاكمات وغلق المقرات والملاحقات الأمنية". وبرأيه، فقد "كان منتظراً من جبهة الخلاص أن تُدرج مشاركتها في الانتخابات ضمن عنوانها السياسي الكبير: استعادة الديمقراطية، وتحته يكون كل برنامجها النضالي (الحريات، القضاء، المساجين…)، وتربط مشاركتها بنتائج الديناميكية التي يجب أن تطلقها من أجل فرض شروط الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة. وعلى ضوء نتائج هذه الديناميكية وما وفرته من شروط الانتخابات الديمقراطية يكون القرار بالمشاركة أو بالمقاطعة".

ورأى إسماعيل أنه "لو ركزت جبهة الخلاص على الشروط المطلوبة في شخصية المرشح للانتخابات لوفّرت على نفسها تدافع قيادتها الصامت، وهو ما ظهر في خروج حزب العمل والإنجاز عن موقف جبهة الخلاص المشروط". ولفت إلى أن "هناك أمرين مطلوبين في شخصية المرشح: أن يكون مرفقاً بفريق مالي اقتصادي عالي الكفاءة برؤية وببرنامج الانقاذ الاقتصادي، وأن يضمن الوصول بالمشهد إلى الديمقراطية".

واعتبر إسماعيل أن كل هذه المعطيات "تؤكد توازن الضعف بين المعارضة الديمقراطية المشتتة الضعيفة، والنظام العاجز عن مجابهة الأزمة المالية الاقتصادية لافتقاده الرؤية والبرنامج، ما يجعل من شروط الحل السياسي شروطاً إقليمية ودولية، وإذا ما قُدّر للانتخابات أن تتم فستكون تحت تغيير هذه الشروط. وما يعرفه المجال العربي من زلازل في السياسة واحتدام الصراع لا يمنح بلادنا ما ترجوه من اهتمام شركائها، فالجميع مضغوط بمصيره في صراع لم يفصح عن مآلاته بعد".