آن للنكبة أنّ تنتهي

28 مايو 2023
من احتجاج الجالية الفلسطينيّة في إسبانيا على جرائم الاحتلال (ماركوس ديل مازو/Getty)
+ الخط -

ما زالت النّكبة الفلسطينيّة مستمرّةً بعد 75 عاماً، وعاماً بعد عام تزداد جراحها عمقاً وتعقيداً، إذ تعود بداية فصولها إلى نهايات القرن التاسع عشر، مع محاولات المنظّمات الصّهيونيّة شراء أو استئجار أراضٍ فلسطينيةٍ من الدّولة العثمانيّة، ما كانت تلك المحاولات لتترك أثراً يذكر لولا الاحتلال البريطانيّ لفلسطين، ودخوله القدس في 11 ديسمبر/ كانون الأوّل عام 1917، بعد أسبوعٍ واحدٍ من صدور وعد بلفور، الذي ضمنَ لاحقاً في صك الانتداب، الصادر عن عصبة الأمم. هيّأت بريطانيا كل الظّروف الممكنة أمام المؤسسات الصّهيونيّة، فالمسموح لها ممنوع على الفلسطينيّين، سكّان الأرض الأصليّين، إذ سَمَح لها بإنشاء الجامعات، وتسلم الإدارات، كما دَربت وسَلحت العصابات الصّهيونيّة المسؤولة عن التطهير العرقيّ، وعن سرقة وتدمير الممتلكات الفلسطينيّة.

لم تكن النّكبة حدثاً ماضياً وانقضى، إنّما هي حدثٌ مستمرٌّ إلى يومنا هذا، فما زال الاحتلال الصّهيونيّ يمارس سياسات التطهير العرقيّ، والتمييز والفصل العنصريّ، ليس بحق الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة عام 1967 فحسب، إنّما أيضاً ضد الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة عام 1948، من حاملي الجنسية الإسرائيليّة.

لم يكن من الممكن حدوث النّكبة لولا الدعم العالمي للمنظمات والعصابات الصّهيونيّة، الذي لم يقتصر على القوى الإمبرياليّة الرأسماليّة، بل تعداه للأسف إلى منظومة الدول الاشتراكيّة، التي دعمت الكيان الغاصب في بداياته بالسلاح وفي المحافل الدولية. كذلك أبت الأنظمة العربيّة على نفسها إلا أن تشارك في المأساة الفلسطينيّة، فارتكبوا المجازر بحق اللاجئين الفلسطينيّين والثورة الفلسطينيّة، وأقاموا العلاقات؛ بالسر أو بالعلن، مع دولة الاحتلال.

ما زال الفلسطيني يفاجئ العالم بقدرته على خلق الممكن من الأمل والألم، لم تستطع شبكة المراقبة، وماكينة الاحتلال الأمنية، وقف العمليات الفدائية، التي تقضّ مضجعه باستمرار

كانت الطامة الكبرى في اعتراف منظمة التّحرير الفلسطينيّة بدولة الاحتلال، وتحولها من حركة ثوريّة لتحرير فلسطين، إلى أداة تقمع الفلسطينيّين، عبر جهاز السلطة الوطنية، الذي يأتمر بأوامر الاحتلال، ويتفاخر بإنجازاتها في الحفاظ على أمنه.

النّكبة ما زالت مستمرّةً في حلم ابن الضفة بالبحر، وحين يقطّع جدار الفصل العنصريّ، وشبكة المستوطنات والحواجز، أوصال المدن والقرى والطرق الفلسطينيّة، وعندما يُقتل الفلسطينيّين يومياً، على يد قوات الاحتلال والمستوطنين، وحين تجرَّف أراضيّهم وتُقتَل مواشيهم. وأيضاً؛ عندما يُحوَّل قطاع غزّة إلى سجنٍ يحاصر قرابة مليونين ونصف مليون إنسانٍ، وتُستباح أراضيه بالقصف والتّجويع.

النّكبة مستمرّة ما دام فلسطينيّو 48 يعيشون في ظلّ نظام فصلٍ عنصريّ، جاعلاً منهم "مواطنين" درجة ثانية أو أدنى، ومهددين من دولة الاحتلال والعصابات العربية المدعومة من قبل جهازه الأمني "الشاباك". وكذلك طالما بقيت رؤية فلسطين حلماً يراود اللاجئين المقموعين من أنظمة الاستبداد العربيّ، منذ أكثر من سبعة عقود. وحين تزداد معاداة الفلسطينيّين في أميركا وأوروبا ودول عديدة، تحظر عليهم النضال حتى في منظمات النضال السلمي، مثل حركة الـ BDS، وكأنها تحارب الفلسطينيّ بفلسطينيته.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

نعم النكبة مستمرّة؛ إلا أنّها لم تكسر الفلسطينيّ أو تقتل حلمه، فلا شيء يخلق من العدم، لذا ما زال الفلسطيني يفاجئ العالم بقدرته على خلق الممكن من الأمل والألم، لم تستطع شبكة المراقبة، وماكينة الاحتلال الأمنية، وقف العمليات الفدائية، التي تقضّ مضجعه باستمرار، كما هدم ستة أبطال جدران سجنهم بملعقة طعام، وكما أحبط الصوت الفلسطينيّ مساعي الأسرلة لقتل الانتماء الفلسطينيّ في الأراضيّ المحتلة عام 1948، كما لم تعد غزّة تهاب مواجهة الاحتلال. الفلسطيني محكومٌ بالأمل، بدونه تستمرّ النّكبة استمراراً أقسى عليه، ومعه يمكن لفصولها أنّ تنتهي. فقد آن للنكبة أنّ تنتهي.