02 نوفمبر 2024
السعودية.. مراهقة فوق صفيح ساخن
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لم تنجح خطة السعودية لتحريك الشارع اللبناني ضد حزب الله وإيران، من خلال لعب ورقة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري. وتبين أن الحبكة كانت تنقصها الدراسة الكافية، بدليل أن التطورات التي رافقت العملية لم تأت وفق هوى ربّان السفينة السعودي. وبالتالي لم يفلح القائمون على الخطة في إحداث الأثر الذي كانت تتوخّاه الرياض منها، بل على العكس تماما، حيث انقلب السحر على الساحر، وجاءت النتائج على هيئة ردود فعل ومواقف لم تكن السعودية مستعدّة لها في هذا الظرف الذي تسلط فيه الأضواء على أخطائها الكارثية في اليمن، وسوء حساباتها في ما يتعلق بحصار قطر.
جرى استدعاء الحريري إلى الرياض، في يوم كانت فيه العاصمة السعودية تتحضر لحملة اعتقالات واسعة، شملت حوالي 200 شخصية من أمراء ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال وإعلاميين. ووسط تلك العاصفة الهوجاء، ظهر الحريري على شاشة تلفزيون العربية حصرا، ليتلو بيان استقالة مكتوبا بلغةٍ غير تلك المعهودة في لبنان.
كان الارتباك واضحا على رئيس الحكومة اللبنانية. وعلى الرغم من أنه بذل جهدا كبيرا كي يبدو في وضع طبيعي، إلا أن ملامحه الشاحبة، وطريقته في الأداء فضحتا المشهد الذي جرى تحضيره على عجالةٍ ليس هناك ما يبرّرها.
أكبر خطأ ارتكبته السعودية في موضوع استقالة الحريري هو عدم اختيار الزمان والمكان المناسبين. وكان في وسعها أن تؤجلها عدة أيام، حتى تتمكن من الانتهاء من مسلسل الاعتقالات الداخلية، حيث إنها كانت ستكون وجيهة لو أن الحريري قدم الاستقالة من بيروت. ولو أن السعودية راعت ذلك، لجاء وقع الاستقالة مختلفا عما تركته من آثار عكسية، أقلها أن إجماعا تحقق ضد الرياض التي لم يصدق أحد روايتها عن الاستقالة، وما أحاط بها من تداعيات، وجرى التعامل مع الاستقالة على أنها حصلت تحت الضغط والتهديد، ولم تنفع كل المحاولات من أجل تغيير هذا الانطباع، لأن لبنان الرسمي، ممثلا برئيس الجمهورية، ميشال عون، تحرّك على هذا الأساس، إعلاميا وسياسيا.
تقول إحدى الفرضيات إن السعودية أرادت أن ترد على تدخلات إيران في المنطقة العربية، فدفعت الحريري إلى الاستقالة، من أجل إحداث خضة كبيرة، والهدف منها هو الضغط على اللبنانيين، لكي يثوروا ضد حزب الله، غير أن الحريري، في حواره مع تلفزيون المستقبل مساء الأحد الماضي، وضع استقالته في إطار ما وصفه بإحداث "الصدمة الإيجابية"، من أجل البحث عن تسويةٍ لإعادة إحياء المبادئ التي نص عليها البيان الوزاري الذي تشكلت حكومته على أساسه، وخصوصا اتفاق الأطراف على مسألة "النأي بلبنان عن النزاعات الإقليمية"، لاسيما مشاركة حزب الله في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري. هذا أمر يختلف عمّا كانت ترمي إليه السعودية من تحريك للوضع في لبنان إلى حد الدفع باتجاه ضربة عسكرية لحزب الله من إسرائيل والولايات المتحدة.
ما يمكن استنتاجه بعد قرابة أسبوعين على الاستقالة أنها تعبير صارخ عن مراهقة وارتجال في الحسابات السياسية، وتكشف أن من يتولى القيادة والتخطيط في السعودية لا يتقن أبسط قواعد العمل السياسي، ويقود تقاطع الإشارات إلى أن مقاربة الوضع اللبناني على هذا النحو هو من تخطيط الفريق الذي قام بقرصنة وكالة الأنباء القطرية وقاد إلى حصار قطر. وعلى رأس هذا الفريق ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وفي الحالتين جاءت العملية بنتائج عكسية.
الدرس الذي تقدّمه قضية الحريري هو ضرورة فضح هذا النهج المغامر العبثي الطفولي الذي يحمل مخاطر كبيرة على المنطقة، فهناك تهوّر لا حدود له في اتخاذ خطواتٍ ذات طابع انتحاري من دون حساب العواقب.
جرى استدعاء الحريري إلى الرياض، في يوم كانت فيه العاصمة السعودية تتحضر لحملة اعتقالات واسعة، شملت حوالي 200 شخصية من أمراء ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال وإعلاميين. ووسط تلك العاصفة الهوجاء، ظهر الحريري على شاشة تلفزيون العربية حصرا، ليتلو بيان استقالة مكتوبا بلغةٍ غير تلك المعهودة في لبنان.
كان الارتباك واضحا على رئيس الحكومة اللبنانية. وعلى الرغم من أنه بذل جهدا كبيرا كي يبدو في وضع طبيعي، إلا أن ملامحه الشاحبة، وطريقته في الأداء فضحتا المشهد الذي جرى تحضيره على عجالةٍ ليس هناك ما يبرّرها.
أكبر خطأ ارتكبته السعودية في موضوع استقالة الحريري هو عدم اختيار الزمان والمكان المناسبين. وكان في وسعها أن تؤجلها عدة أيام، حتى تتمكن من الانتهاء من مسلسل الاعتقالات الداخلية، حيث إنها كانت ستكون وجيهة لو أن الحريري قدم الاستقالة من بيروت. ولو أن السعودية راعت ذلك، لجاء وقع الاستقالة مختلفا عما تركته من آثار عكسية، أقلها أن إجماعا تحقق ضد الرياض التي لم يصدق أحد روايتها عن الاستقالة، وما أحاط بها من تداعيات، وجرى التعامل مع الاستقالة على أنها حصلت تحت الضغط والتهديد، ولم تنفع كل المحاولات من أجل تغيير هذا الانطباع، لأن لبنان الرسمي، ممثلا برئيس الجمهورية، ميشال عون، تحرّك على هذا الأساس، إعلاميا وسياسيا.
تقول إحدى الفرضيات إن السعودية أرادت أن ترد على تدخلات إيران في المنطقة العربية، فدفعت الحريري إلى الاستقالة، من أجل إحداث خضة كبيرة، والهدف منها هو الضغط على اللبنانيين، لكي يثوروا ضد حزب الله، غير أن الحريري، في حواره مع تلفزيون المستقبل مساء الأحد الماضي، وضع استقالته في إطار ما وصفه بإحداث "الصدمة الإيجابية"، من أجل البحث عن تسويةٍ لإعادة إحياء المبادئ التي نص عليها البيان الوزاري الذي تشكلت حكومته على أساسه، وخصوصا اتفاق الأطراف على مسألة "النأي بلبنان عن النزاعات الإقليمية"، لاسيما مشاركة حزب الله في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري. هذا أمر يختلف عمّا كانت ترمي إليه السعودية من تحريك للوضع في لبنان إلى حد الدفع باتجاه ضربة عسكرية لحزب الله من إسرائيل والولايات المتحدة.
ما يمكن استنتاجه بعد قرابة أسبوعين على الاستقالة أنها تعبير صارخ عن مراهقة وارتجال في الحسابات السياسية، وتكشف أن من يتولى القيادة والتخطيط في السعودية لا يتقن أبسط قواعد العمل السياسي، ويقود تقاطع الإشارات إلى أن مقاربة الوضع اللبناني على هذا النحو هو من تخطيط الفريق الذي قام بقرصنة وكالة الأنباء القطرية وقاد إلى حصار قطر. وعلى رأس هذا الفريق ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وفي الحالتين جاءت العملية بنتائج عكسية.
الدرس الذي تقدّمه قضية الحريري هو ضرورة فضح هذا النهج المغامر العبثي الطفولي الذي يحمل مخاطر كبيرة على المنطقة، فهناك تهوّر لا حدود له في اتخاذ خطواتٍ ذات طابع انتحاري من دون حساب العواقب.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024