عندما يرتفع الإنفاق العربي على التسلح

05 مارس 2016

طائرات سعودية قبل هبوطها في قاعدة انجرليك التركية (26فبراير/2016/Getty)

+ الخط -
أصدر معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام (سيبري) نهاية فبراير/ شباط 2016 تقريراً مقتضباً حول اتجاهات تحويل الأسلحة في العالم في 2015. وتوضح الأرقام فيه ارتفاعاً حاداً في حجم الإنفاق العسكري العربي، وهو اتجاه ثقيل، يعود إلى عقدين تقريباً. ونستخدم هنا مفردة "عربي" مجازاً فقط، لأن خمس دول فقط، هي السعودية والجزائر والمغرب وقطر والإمارات، تستحوذ على أغلب الإنفاق العسكري العربي، بل ويتبوأ بعضها المراتب الأولى عالمياً، فالسعودية تحتل المرتبة الثانية عالمياً (ضمن 10 دول) للدول الأكثر اقتناء للأسلحة، وذلك بنسبة 7%.
جاء في التقرير أن حجم تحويل الأنظمة الكبرى من الأسلحة في العالم ارتفع بنسبة 14% من 2011-2015 مقارنة بالفترة 2006-2010، وأكبر الدول المصدرة للأسلحة من 2011-2015 على التوالي: الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا. حيث استحوذت هذه الدول الخمس على 74% من إجمالي صادرات الأسلحة في العالم.
ارتفعت، في الشرق الأوسط، واردات الأسلحة بين الفترتين (2006-2010 و2011-2015) بنسبة 61%. واستحوذت ثلاث دول على نصيب الأسد من واردات الشرق الأوسط من الأسلحة من 2011-2015، وهي السعودية (27%) والإمارات (18%) وتركيا (14%). أما مصادر هذه الأسلحة فهي: الولايات المتحدة (52%) وبريطانيا (9.2%) وروسيا (8.2%).
يُرجع سيبري انتعاش سوق التسلح في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يخص السعودية، إلى التدخل في اليمن، حيث أن النفقات العسكرية المرتفعة للدول المتدخلة فيه سمح لها بقيادة الحملة العسكرية المتواصلة هناك. والدول المعنية تحديداً هنا هي السعودية وقطر والإمارات ومصر.
وجاء في التقرير أن واردات السعودية من الأسلحة ارتفعت بنسبة 275% من 2011-2015 مقارنة بالفترة 2006-2010. وبسبب تدخلها في اليمن، تواصل السعودية التزود بأنظمة متقدمة من الأسلحة (مقاتلات، صواريخ أرض-جو، صواريخ مضادة للدبابات). فيما ارتفعت واردات قطر من الأسلحة بين الفترتين بنسبة 279%. تضمنت هذه الواردات مروحيات هجومية وأنظمة دفاع متقدمة وطائرات الإنذار المبكر (من الولايات المتحدة) ومقاتلات (من فرنسا). أما الإمارات فتُبقي، هي الأخرى، على وتيرة تسلح مرتفعة، حيث ارتفعت وارداتها من الأسلحة بنسبة 35% بين الفترتين 2006-2010 و2011-2015. وعرفت واردات مصر من الأسلحة ارتفاعاً كبيراً، لكنه يبقى محدوداً مقارنة بدول الخليج الثلاث، حيث زادت وارداتها بنسبة 37% بين الفترتين، مع زيادة معتبرة عام 2015: حصول مصر على أسلحة من الولايات المتحدة (مقاتلات)، ومن فرنسا (فرقاطات) وروسيا.
أما أفريقيا، فقد ارتفعت واردات دولها من الأسلحة بنسبة 19% بين الفترتين. وتتربع ثلاث
دول على عرش التسلح الأفريقي: الجزائر (30%) والمغرب (26%) وأوغندا (6،2%). وكانت روسيا (34%) أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة، متبوعة بفرنسا (13%) والصين (13%) والولايات المتحدة (11%). واستحوذت دول جنوب الصحراء على 41% من واردات القارة من الأسلحة. وتتصدر هذه المجموعة (جنوب الصحراء) كل من أوغندا (15%) والسودان (12%) ونيجيريا (11%). أما مصدر واردات هذه المجموعة فهي روسيا (27%) والصين (22%).
وتبقى الجزائر والمغرب من أكبر موردي الأسلحة في القارة، فعلى الرغم من تراجع وارداتهما من الأسلحة بنسبة 18% خلال الفترة 2011-2015 مقارنة بالفترة 2006-2010، إلا أن عدداً معتبراً من صفقات التزود بالأسلحة هي قيد التنفيذ، وأخرى مبرمجة في السنوات الخمس المقبلة. وتظل واردات المغرب دون مستوى واردات الجزائر، إلا أن المغرب أبرم صفقات استثنائية مع الولايات المتحدة نهاية 2015. ويستحوذ البلدان على أكثر من نصف واردات القارة الأفريقية، وتحديداً 56%. وهي نسبة معتبرة جداً، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار مشكلة نقض الموارد المتاحة لللبلدين.
وكما هو تسلح دول المشرق محكوم باعتبارات إقليمية، فالأمر كذلك بالنسبة لتسلح دول المغرب العربي. فمحددات تسلح الجزائر والمغرب تكمن في التنافس التقليدي بين الجارين، وفي تدهور الأوضاع الأمنية في دول التخوم بالنسبة للجزائر، ولما لذلك من انعكاسات على أمن الحدود. حيث تسببت أزمات ليبيا والساحل والوضع في تونس في زيادة الإنفاق العسكري لمراقبة حدودها البرية الطويلة وحراستها.
بغض النظر عن المحدّدات البنيوية (السعي إلى بناء قدرات عسكرية وطنية مقتدرة، التنافس الإقليمي...) والطارئة (التدخل في اليمن وسورية بالنسبة لدول الخليج وعدم الاستقرار في دول الجوار بالنسبة للجزائر)، فإن الإنفاق العسكري بلغ مستويات غير معهودة، ولا تتوافق والموارد المالية المتاحة. إذ لا يمكن للدول العربية أن تواصل تسلحها بهذه الوتيرة، خلال السنوات المقبلة، فيما تتراجع مداخيلها وتنهك اقتصادياتها، فضلاً عن ظاهرة المعضلة الأمنية التي يتسبب فيها التسلح. لذا، يتعين التفكير في منظومة إقليمية متكاملة، للحد من وتيرة التسلح وتخصيص مزيد من الموارد المتاحة للبناء الاقتصادي محلياً والتكامل إقليمياً.