فشل جنيف خدمة للسوريين

08 فبراير 2016
+ الخط -
كان متوقعاً ذلك الفشل الذريع الذي منيت به محادثات جنيف التي جرت، بشكل غير مباشر، بين النظام السوري ووفد من المعارضة، فتلك العملية التفاوضية جرت على غير أساس واضح، بل ومن دون أجندة محددة متفق عليها، وإنما بأولويات مختلفة ومواقف أساسية متناقضة.
كل الأطراف، كلها من دون استثناء، لم يساورها أي شك في أن الفشل ينتظر مباحثات جنيف. لذا، قبلت هيئة التفاوض العليا المعارضة الذهاب إلى جنيف، من دون تلبية مطالبها بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 أولاً، أو حتى البدء فقط بوقف إطلاق النار. تمت مشاركة المعارضة في جنيف، من دون قبول موسكو ودمشق بأيٍّ من مطالبها، على خلفية الاقتناع بأن لا جدوى فعلية من مفاوضاتٍ كهذه. بينما الامتناع عن المشاركة قد يجلب مشكلاتٍ كثيرةً، ويحشر المعارضة في الزاوية، إذ كانت ستبدو حينها كما لو كانت تضع العصا في الدواليب. هذا على الرغم من أن المعارضة لم تحصل على أي من الضمانات والوعود التي تلقتها، لكي تقبل المشاركة في تلك المباحثات المبهمة. سواء التي قطعها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، على نفسه، مثل أن تكون هيئة التفاوض الممثل الوحيد للمعارضة في جنيف، أو التي قدمتها واشنطن بشأن مصير بشار الأسد، وطبيعة هيئة الحكم الانتقالية وتركيبتها.
بعد فشل جنيف-3، فإن جنيف-4 ليس متوقعاً في المدى المنظور. فليس من المتصور أن تقبل المعارضة العودة إلى قاعة المباحثات، وفقاً "للا أسس" و"اللا أجندة" و"اللا مرجعية واضحة" نفسها. وفي حين قد تعمل واشنطن على العودة إلى مائدة التفاوض، ربما لا تتعجل موسكو هذه الخطوة. شريطة ألا تتأخر طويلاً، حيث لا قبل لروسيا بتحمل أعباء العمليات العسكرية فترة طويلة.
لذا، فإن النتيجة الأخطر التي ستترتب على توقف مسار جنيف هي تفاقم حدة الصراع المسلح، واتجاه روسيا نحو تكثيف هجماتها الجوية على مواقع فصائل المعارضة المسلحة، عقاباً لها على رفضها الانصياع في جنيف. ولمّا كانت موسكو قد صعدت هجماتها قبل جنيف لفرض أمر واقع جديد، وتحذير المعارضة من مغبّة الامتناع، وتذكيرها بأن بديل التفاوض هو مزيد من دماء السوريين، فإن روسيا ستعتبر إخفاق مسار جنيف، أو تعليقه، فرصة لإحراز مكاسب عسكرية أكبر، ومنح النظام أفضلية في ميزان القوة على الأرض. بما يجعل أي تسوية سياسية محتملة لاحقاً تخضع لشروطٍ أكثر صعوبةً وإجحافاً بالنسبة للمعارضة. وفي المقابل، لا تملك المعارضة إمكانات مواجهة التمادي العسكري الروسي بمثله، حيث القدرات العسكرية محدودة، في ظل ضآلة المساعدات العسكرية الغربية، واستنفاد قدرٍ غير يسير من قدرات المعارضة ومواردها في الأشهر الأخيرة، بين اشتباكاتٍ فيما بينها ومع داعش، ومواجهاتٍ غير متكافئة مع موسكو التي تملك تفوقاً جوياً ساحقاً.
لو أن جولة جنيف الأخيرة كانت نجحت، بالمفهوم الروسي- الأميركي للنجاح. كان ذلك سيعني القضاء على الثورة السورية، وتحويلها إلى صراعٍ على السلطة، وتنازع على حصةٍ من المناصب، وعدد من الحقائب الوزارية. ويظل هذا الخطر قائماً إذا قبلت المعارضة السورية، أو أجبرت على قبول، العودة إلى جنيف، من دون وضع مبادئ واضحة حاكمة، تفتح الطريق نحو تحقيق مطالب السوريين، من دون انتقاص أو التفاف عليها. من دون ذلك، قد يكون الاستمرار في الخيار العسكري مرهقاً للمعارضة وللشعب السوري في المدى القصير، لكنه أكثر إرهاقاً وتكلفة مادية وبشرية وسياسية على موسكو والنظام وإيران. فمأزق الاختيار بين سلام روسي أو هزيمة عسكرية مؤقت قصير الأمد. وإذا نجحت المعارضة في تجاوزه، والصبر عليه قليلاً، فسيكون عامل الزمن في صالح سورية، الثورة والشعب والدولة الموحدة.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.