فلسطين في البيت الأبيض

فلسطين في البيت الأبيض

05 فبراير 2016

لم يحاول أباما النجاح في الملف الفلسطيني (4 فبراير/2016/Getty)

+ الخط -
ستكون عودة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى مدينة سبرينغفيلد، في ولاية إيلينوي، يوم الأربعاء المقبل، مليئة بالذكريات. هناك، أعلن ترشيحه الرئاسي رسمياً في 10 فبراير/شباط 2007، ليبدأ رحلته إلى البيت الأبيض. هناك، أطلق سلسلة وعودٍ اجتماعية وسياسية، ومعلناً "تؤمنون بأنه يُمكننا أن نكون شعباً واحداً". هناك "بدأ كل شيء كنسمة"، وفقاً لوثائقي عن الولاية الأولى للرئيس الـ44 للولايات المتحدة. وتحت شعار "نعم نستطيع"، حقق أوباما الكثير في رحلته على مدى ولايتين، من الاتفاق النووي مع إيران إلى العمل على إغلاق سجن غوانتانامو، والاتفاق مع كوبا، إلى الخروج وإعادة الانتشار في العراق وأفغانستان، إلى تطوير دور طائرات من دون طيار، عوضاً عن إرسال جيوش جرّارة إلى اليمن وليبيا، حتى الآن، إلى تفعيل دور من يُعرفون بـ"المستشارين العسكريين" في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، إلا أن أمراً واحداً لم ينجح في تحقيقه: حلّ القضية الفلسطينية.
بات واضحاً أن "أولوية" القضية الفلسطينية في الملفات الخارجية للمرشحين الرئاسيين الأميركيين باتت شبه معدومة، بعد أن كانت بنداً هامشياً في المحطات السابقة. لا يبدو الأمر "غريباً"، إن أردنا رؤيتها من وجهة النظر الأميركية البحتة، العابرة لمفاهيم الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي. مبدئياً، الناخب الأميركي لا يهتم كثيراً بالملفات الخارجية، بل يحيا ضمن عالمه الخاص، فكل ما هو خارج أميركا مجهول. وحتى إن "اكتشاف" بلدان جديدة، كفييتنام وأفغانستان وغرينادا وغيرهم، لا يعني سوى من يتصلون مباشرة بالجنود المتجهين إلى هناك للقتال، كأهلهم ورفاقهم. بالتالي، لا يلتزم أي حزب من الحزبين قضيتهم، وإن التزمها فلتلاقي المصالح وتقاطعها، لا لأسباب إنسانية.
وانطلاقاً من زاوية "المصالح"، يُمكن فهم السياسة الأميركية التي تعوّل على إرضاء الناخب الأميركي بسلسلة وعودٍ اقتصادية ـ اجتماعية. ومنظومة المصالح سمحت للوبيات الكبرى بتشكيل محاور نفوذ مؤثرة في القرارات الحزبية، كاللوبي النفطي، واللوبي الإسرائيلي، ولوبي شركات الأسلحة، ولوبي الشركات الصناعية الكبرى. وتعمل تلك اللوبيات وفقاً لأهواء أسواقها الخارجية ومتطلبات إنتاجها. وعليه، يُمكن فهم "الانفتاح" الأميركي على إيران، من بوابة الاتفاق النووي، من دون إغلاق الباب أمام السوق الخليجي. ويبدو أن التوازن بين اثنين من اللوبيات: لوبي الأسلحة ولوبي الشركات الصناعية الكبرى، قد سمح لأوباما بتحقيق ما يراه "إنجازاً" في الملف الإيراني. كما يُمكن ملاحظة تأثير تلك اللوبيات على الاختراق الأميركي المتصاعد للشرق الآسيوي، مع تحوّل الصين إلى شبه أولوية للشركات الأميركية في المرحلة المقبلة.
وفقاً لطريقة عمل اللوبيات، ما الذي يُمكن أن يُحفّز أقوياء السباق الرئاسي الحالي، تحديداً هيلاري كلينتون ودونالد ترامب وتيد كروز وبيرني ساندرز، على تبنّي مشاريع حلّ القضية الفلسطينية؟ ضمن المنطق الحالي، لا شيء. السوق العربية غير موحّدة، حتى يُمكنها إغلاق الأسواق، أو فتحها، أمام الشركات الأميركية، واللوبي العربي الموحّد في الولايات المتحدة، والذي يُمكن أن يُشكّل مجموعة ضغط مالية وإعلامية، غير موجود للتأثير على آراء مجموعاتٍ واسعةٍ من الناخبين. مع العلم أن رافعي لواء القضية الفلسطينية يُدركون أن طريقة العمل نفسها منذ عقود لم تؤدِّ سوى إلى أمر واحد: توسيع الاحتلال الإسرائيلي كتله الاستيطانية، وإلهاء العالم باتفاقيات ثنائية مع السلطة الفلسطينية، للإيحاء بأنه يعمل من أجل السلام.
الآن، أي رئيس سيخلف أوباما سيكون أمام مسألة واحدة: "داعش". ومن الطبيعي أن أربع سنوات من عهدٍ رئاسي "لن تكفي" لمعالجة أزمة "داعش"، خصوصاً مع وضع القوى الغربية تصوّراً مالياً وعسكرياً وسياسياً سنوات مديدة لمواجهة التنظيم. فضلاً عن أن الملف السوري مرشّح لمزيد من التطورات، وانعكاسها على مسألة اللجوء العالمي. بالتالي، ستبقى القضية الفلسطينية جانباً أممياً، ويتأكد معها المؤكد أن الفلسطينيين سيبقون وحدهم في مواجهة العالم، ولا يُمكنهم التعويل لا على قريب ولا بعيد، فقط أنفسهم.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".